مقالات مختارة

هل سيتحول "الربيع الكردي" إلى شتاء؟

برهان الدين دوران
1300x600
1300x600
كتب برهان الدين دوران: حتى وإن كانت زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق إلى أنقرة تدور حول موضوع إرسال القوات العسكرية إلى معسكر بعشيقة العراقي، فإنها تحمل أهمية رمزية. برزاني الذي تمت استضافته مع رفع العلم الكردي في قصر الرئاسة (كانكايا) وفي اللقاء الذي عقده مع مسؤولين في حزب الشعوب الديمقراطي، كان في موقع الأخ الكبير لهم حيث أوصاهم بإغلاق "الخنادق" وذكّرهم بأهمية مرحلة التسوية. 

في الفترة التي أصبحت فيها المنطقة الجنوب شرقية غير صالحة للعيش جراء المحاولات المسلحة لحزب العمال الكردستاني وإعلانها منطقة "ذاتية الحكم"، فإن برزاني قام بتحكيم دوره في السياسة الإقليمية التركية بناء على علاقاته القوية مع تركيا. فكان الشعار "الدبلوماسية والسلام بدلا من النزاع".

من جهة أخرى، فإن حزب الشعوب الديمقراطي حاول تحميل الدولة مسؤولية العنف وتدمير الآثار التاريخية الذي حدث في منطقة سور. وحزب الشعوب الديمقراطي، بدا وكأنه يلعب الدور الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية التركية أثناء انتخابات السابع من يونيو، ولكنه الآن وصل إلى درجة أن يناقش وجود "أردوغانيين خفيين" داخل الحزب.. هذا ليس نجاح حزب العدالة والتنمية وإنما هو آخر نقطة وصلت إليها سياسة خط حزب الشعوب الديمقراطي- حزب العمال الكردستاني. 

القوميون الأكراد، وجدوا في فترة التمرد العربي فرصة عملوا على استغلالها بكل حرص، وبسبب حرصهم هذا فقد قاموا بتحويل "الربيع الكردي" إلى شتاء. كيف؟ التمرد العربي الذي بدأ في كانون الأول/ ديسمبر سنة 2010، بدل أن يجلب للناس الرفاهية والحرية أو حق المشاركة، فقد جلب لهم الخراب والدمار وأراهم الجانب المظلم للحرب، وذبلت طموحات "ربيع الديمقراطية" في شتاء "الحروب الأهلية والصراعات الطائفية". 

وقيل إن المستفيد الأكبر من هذه الفترة التي دُمر فيها كيان الدولة أو ضعف، هم القوميون الأكراد. من تقسيم عائدات النفط إلى التنظيم العسكري، فإن حكومة إقليم كردستان العراق قد استطاعت تقوية موقفها في عدة مجالات ضد حكومة بغداد. أما في تركيا، فإن تأثير الشرعية الذي أضافته مرحلة التسوية دفع بالثنائي (حزب الشعوب الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني) إلى القيام بحركة مزدوجة عمل من خلالها حزب الشعوب الديموقراطي على زيادة مساحته السياسية عن طريق خطاب السلام الذي تبناه وكذلك قام اتحاد تجمعات كردستان (KCK) بتجهيز البنية التحتية للعنف الذي شهدناه في مدن جنوب الشرق. 

وكانت نتائج انتخابات السابع من حزيران/ يونيو، تتويجا للإنجازات السياسية التي قام بها هذا الثنائي. في هذه الأثناء، فإن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) عملا على استغلال حالة الفوضى القائمة في سوريا، حيث إنهما استطاعا، من خلال التعاون مع نظام الأسد وأخذ صفة "القوات المحلية التي تحارب تنظيم الدولة"، تشكيل كانتون (تقسيم إداري) في شمال سوريا. 

وها هو حزب العمال الكردستاني، قد دخل في مرحلة يعرض فيها "أرباحه العسكرية والسياسية" إلى الخطر عن طريق إعادة بدئه للإرهاب في تركيا. لأن خط حزب العمال الكردستاني-حزب الشعوب الديمقراطي، قد بالغ في تقييم "دوره الإقليمي". أعتقد أنه بإمكانه دمج الأقاليم التي تم تشكيلها في شمال سوريا مع الأقاليم التي حاول تشكيلها بقوة السلاح في جنوب شرق تركيا، ووصل إلى نقطة جعلته يستعمل قوته السياسية في تركيا بشكل غير مشروع. ومع بدء حزب العمال الكردستاني للأعمال الإرهابية، فإن مرحلة التسوية قد تم تجميدها، وبهذا فإن القوميين الأكراد قاموا باستبدال الفرص التي وفرها جو الدبلوماسية والسلام، بالفرص الناجمة عن الصراع. 

وسبب هذا الترجيح الذي قاموا به، هو الطريقة التي قام فيها مسؤولو حزب العمال الكردستاني بقراءة معادلات الشرق الأوسط وحالة الفوضى القائمة. لقد أغرتهم إمكانية الحصول على المساعدات من روسيا وأوروبا وأمريكا في نفس الوقت. وكذلك، فقد استعملوا ورقة "الحرب مع تنظيم الدولة" لدرجة أنستهم قوة الشرعية السياسية. 

لقد صدقوا فكرة أن حدود الشرق الأوسط ستتغير لدرجة جعلتهم ينسون قوة دول المنطقة، وأهملوا حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ليستا من دول المنطقة. إذا لم ينتبه القوميون الأكراد، فإنه وبسبب سياستهم "الانتهازية"، فسيدخلون في متاهة يتم فيها سحقهم ما بين العرب والأتراك والإيرانيين. 

ولكن بالرغم من كل شيء، فإن تركيا هي أقوى دولة في المنطقة يمكن للأكراد أن يلجأوا إليها من أجل "مصالحهم العليا"، أمّا القوميون الأكراد فإنهم يجلبون نهاية أنفسهم عن طريق ربطهم للنزاع المسلح القائم في سوريا بتركيا. 

لم يكتف حزب الشعوب الديمقراطي بتهميش دوره ومشروعيته فقط، بل أصبح يستعمل الأسلحة القادمة من كوباني إلى نصيبين، كأداة حرب شوارع. سيذكر التاريخ غدا أن كوباني لم تكن منطقة "المقاومة الإنسانية" بل "منطقة عبور الإرهاب والسلاح"، وهذا يعني تحول "الربيع الكردي" في تركيا إلى شتاء.

ليت القوميين الأكراد كانت لديهم رؤية مسعود برزاني السياسية.

(عن صحيفة "صباح" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")
0
التعليقات (0)