مقالات مختارة

خارطة الاخوان بعد زلزال الاستقالات..!

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600
تعكس الاستقالات التي قدمها نحو (300) عضو من حزب جبهة الإخوان المسلمين أزمة حقيقية داخل جماعة الإخوان المسلمين، ومع أنها ليست مفاجئة إلا أنها تؤسس لحالة جديدة ومختلفة( نقطة تحول إن شئت) سيكون لها استحقاقاتها، سواء على صعيد الجماعة او الحياة السياسية والاجتماعية في بلادنا.

من المفارقات هنا إن الذين استقالوا من الحزب فعلوا ذلك احتجاجا على “عناد” قيادات الجماعة الحالية وعدم قبولها بالمبادرات التي قدمت اليهم، إلا انهم (المستقيلون) ما زالوا مصرين على البقاء في الجماعة حتى وان خرجوا من حزبها السياسي، ومن المفارقات أيضا إن ردود فعل الحزب، كما اعلنها أمينه العام ورئيس مجلس الشورى، اتسمت بالإنكار أولا ثم بالحدة والشدة، وكأن ما حدث مسألة عابرة بل ومطلوبة، لا تستحق أي نقاش عام ناهيك عن حل أمانة الحزب مثلا كاعتراف بفشلها في تطويق الأزمة.

المفارقة الثالثة هي إن الاستقالات، بحجمها ودلالالتها الرمزية، أظهرت جزءا من المسكوت عليه، لكنها لم تحسم حالة الفرز النهائي بعد، ففي داخل الجماعة ثمة تحولات معقدة ومتشابكة ستتمخض بلا شك عن بروز تيارات واتجاهات أخرى، من شأنها إن “تفتت” الجماعة، وتحولها إلى جزر، بعضها مرئي والآخر تحت السطح، مما قد يسرّع في انهيارها اذا لم تتوفر قيادة متوازنة وحكيمة تستدرك ما يمكن استدراكه.

حين ندقق في خارطة الجماعة نجد أنها انقسمت إلى جماعتين: إحداهما استحصلت على ترخيص رسمي، ولم تحظ حتى الآن بامتداد شعبي، كما أنها لا تتطلع إلى أي حضور سياسي رغم إن ترخيصها يمنحها هذا الحق، أما الثانية فقد تعطلت ماكينتها السياسية، واستسلمت للحصار الذي طوّق شرعيتها حتى أنها لم تعد قادرة على إشهار أي نشاط باسمها، ومن المتوقع إن تحافظ على وجودها المعنوي كمرجعية دعوية فقط، في موازاة ذلك انتهى الصراع على “فكرة” الإخوان إلى تبلور مشروعين سياسيين، أحدهما قديم يمثله حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يشهد حركة انتقال من قبل أعضاء الجماعة الذين ما زالوا يؤمنون بشرعيتها لكنهم يتخوفون على مستقبلها، والمشروع الآخر يمثله تيارات خرجا من داخلها، الأول مبادرة زمزم (البناء) والثاني: مبادرة الحكماء( الإنفاذ والشراكة )، ومن المتوقع إن يندمجا لاحقا في تيار او حزب سياسي واحد، فيما اذا حسمت الدولة مرجعية الجماعة وشرعيتها بشكل نهائي.

ماذا يترتب على ذلك..؟ أولا انحسار قوة الجماعة ودورها السياسي، ثانيا الفصل بين الدعوي والسياسي بصورة قصرية، ثالثا افتقاد النموذج الذي كانت تمثله اجتماعيا بسبب تبلور حالة من “الطلاق” الديمغرافي، رابعا تمكين حالة التنوع التي لم يسمح لها التنظيم سابقا بالبروز من تجريب حظوظها والتعبير عن أفكارها واتجاهاتها بحرية، خامسا إعطاء فرصة ثمينة للدولة لحسم خيارها تجاه شرعية الجماعة القديمة، حيث إن توفر البديل الشرعي(الجماعة المرخصة) والتيار السياسي الجديد (البناء والإنقاذ) سيسهل مهمة التعامل قانونيا وسياسيا معها، ويمكن إن يصار لحظرها أو إلغائها، فيما سيترك المجال لذراعها السياسي (حزب جبهة العمل) بممارسة العمل لسياسي بشكل منضبط.

بشكل آخر، سنكون أمام كيانات جديدة تمثل الإسلام السياسي، وستنتهي إلى حد ما ثنائية الاستقطاب بين الجماعة والدولة، مما سيعطي الدولة – إن أرادت- ما يلزم من مرونة لتمرير وصفات الإصلاح التي تفكر فيها، لكن في المقابل من الصعب التنبؤ بالحد الذي سينتهي إليه “تشظي” الجماعة، ولا ما سيترتب على ذلك من أرباح وخسائر، سواء من جهة إمكانية بروز تيارات جديدة اكثر تشددا وعزوفا عن العمل السياسي داخل الجماعة القديمة، او من جهة عدم قدرة (او ربما رغبة) التيارات التي خرجت من الجماعة على “ملئ “ الفراغ وطرح البديل، مما قد يفضي إلى فوضى داخل الجماعة وعلى تخومها، يصعب احتواؤها والسيطرة عليها.

هنا لا بد إن ننتبه إلى مسألة مهمة تتعلق بحسابات الربح والخسارة في التعامل مع “أزمة “الجماعة وارتداداتها، صحيح إن هذه الأزمة في المقام الأول أزمة داخلية غذّتها أسباب وعوامل خارجية، لكنها في النهاية ستؤثر على الجماعة وعلى مشروع الإسلام السياسي ( اذا كان ما زال مرغوبا فيه) وعلى الدولة والمجتمع أيضا، وبالتالي فان من مصلحة الدولة إن تتعامل مع هذه الأزمة بمنطق “تقليل الخسائر”، ذلك انه لا مصلحة لاحد في بروز ظاهرة تطرف جديدة، او إفشال البديل السياسي الذي خرج من الجماعة وان كان ما يزال يتمثل بروحها، كما انه في المقابل لا مجال للعودة بالجماعة إلى الوراء او التحالف معها، فقد انتهى على ما يبدو عصرها الذهبي، كما لا مجال للاستثمار بالجماعة المرخصة، وبالتالي فان إبداع معادلة جديدة يحتاج إلى رؤية حكيمة لا بد إن تعتمد على خيار “الحياد الإيجابي” بحيث نترك للجماعة إن تكمل مخاضاتها الطبيعية وتقرر مصيرها بنفسها، حتى اذا اتضحت الصورة اصبح بوسع الدولة إن تحدد خياراتها النهائية وان تنحاز لمن ينسجم مع مصالحها العليا.

باختصار، يمكن إن نستنتج إن جماعة الإخوان التي عرفناها انتهت، وان الدولة وان كانت مرتاحة لما جرى إلا أنها تراقب المشهد ولا تتدخل فيه بشكل سافر ومباشر، وان التيار الجديد الذي يحاول اطلاق آخر طلقة للضغط على الجماعة سيجد نفسه مضطرا لتشكيل كيان سياسي مستقل، كما انه سيجد نفسه خارج الجماعة القديمة لاحقا، مما قد يضطره للانضواء تحت الجماعة المرخصة، والاندماج مع مبادرة زمزم، أما حزب جبهة العمل فسيظل قائما مثل غيره من الأحزاب الأخرى، او على الأقل بقوة متواضعة لن تسمح له بالتفرد في الساحة السياسية او بانتزاع حصة الأسد في أي انتخابات او عملية سياسية قادمة.

عن صحيفة الدستور الأردنية
0
التعليقات (0)