قضايا وآراء

10 قواعد حاكمة مقترحة لضبط النقاش حول المبادرات الثورية

1300x600
1300x600
في إطار التفاعل الحادث حول مبادرة د. محسوب، والتي أثارت الكثير من القلق والغضب بين العديد من الثوار، واستجابة لطلب بعض الأفاضل من القادة والثوار حول أهمية النقاش في فكرة وآليات المبادرات في هذه اللحظة الفارقة من مسار الثورة المصرية، فقد رأيت أن أشارك بطرح بعض الأفكار في وضع أسس للنقاش فيما يتعلق بالمبادرات بشكل عام، وتضع أساسا علميا وسياسيا، لفكر المبادرات أو تقديم السيناريوهات خلال وقت الثورة، وأثناء احتدام الصراع مع خصومها.

فمن الملاحظ أن حرصنا في بعض الأحيان للوصول إلى حلول سريعة لمشكلات ثورتنا، قد يؤدي إلى الوقوع في أخطاء فادحة تضر المسار الثوري بأكمله، وقد تؤدي – في حال عدم الوعي بتبعاتها – إلى ضياع الحقوق والثورة والمستقبل.

إن المبادرات هي نمط من أنماط التفاوض، والتفاوض لا ينشأ وقت الصراعات إلا بإدراك طرف من الأطراف أنه يسير نحو الخسارة، أو شعوره بعدم القدرة على الاستمرار في الصراع، أو رغبته في إيجاد مخرج للطرف الآخر لإنقاذه من خسارة قادمة.

وفي حال الثورة المصرية، فإن الإعلان عن أية مبادرات من أي نوع خلال الصراع المحتدم ضد الانقلاب، يشغل الثوار عن معركتهم الحقيقية في إسقاط الانقلاب، وينقلهم، وينقل الحوار داخلهم إلى أحد السيناريوهات الثلاث السابقة، وهي مخاطرة بالغة.

هذه السيناريوهات يصعب أن تخرج عن الاحتمالات الثلاث التالية:

1) الثورة تنهزم، وتلجأ لتقليل خسائرها بمبادرات.

2) الثوار قد تعبوا، ولا يستطيعون الاستمرار، ويريدون الخروج من المعركة مع الانقلاب ونظام الفساد.

3) هناك من يريد أن يساعد الانقلاب على تجنب خسارة قادمة محققة.

نؤكد ابتداء أهمية ألا نخون أحدا من الأحرار، أو مبادراتهم، ومنها مبادرة د. محسوب وغيره ممن نكن لهم كل الاحترام، ولكننا نتعامل مع منطق المبادرات وقت المعارك بمعزل عن الأشخاص ونواياهم، والتي نحسبها نوايا فاضلة. ونسأل أنفسنا والجميع هذه الأسئلة الثلاثة، وإجاباتها معروفة وواضحة رأي العين لجميع أحرار مصر، ومن يناصرهم في عالم اليوم:

1) هل ثورتنا تنهزم؟، والإجابة: قطعا لا!

2) هل يريد الثوار التوقف عن المعركة؟، والإجابة: قطعا لا!

3) هل نريد مساندة الانقلاب؟ والإجابة: قطعا لا.

ينبني على ما سبق أن أي مبادرة توجه للانقلاب، أو تخاطبه بشكل مباشر أو غير مباشر، أو تتوجه للمجتمع الدولي كي يتوجه للانقلاب بها، ما هي إلا فكرة خاطئة تماما، وتوقيتها ضار تماما، مهما كان محتواها محترما أو نختلف حوله، ومهما كانت كلماتها معبرة أو لائقة أو غير ذلك. المشكلة في هذه اللحظة ليست في محتوى مبادرة د. محسوب أو سواها، وإنما في فكرة وتوقيت إطلاق أي مبادرة في مواجهة انقلاب يعاني، ويوشك على السقوط، من طرف ثورة لا تزال مشتعلة، ولا يزال أملها في الانتصار متزايد، ولا تزال تكسب كل يوم مزيدا من الأنصار الفارين من جحيم الانقلاب.

الكارثة الحقيقية في ظننا، ليست في محتوى أي مبادرة، وإنما في صدور أية مبادرة من داخل صف الأحرار في هذه اللحظة تغازل أو تخاطب أو تتوجه بأي شكل من الأشكال إلى انقلاب يتفكك بالفعل، وشواهد ذلك مصريا وعربيا وإقليميا ودوليا فوق الحصر في هذه الآونة.

نؤكد أننا مع أي مبادرات للحوار والنقاش داخل صفوف الأحرار، ولكننا نسجل اعتراضنا بكل قوة، وبكل شكل حواري لائق على فكرة أية مبادرة تتوجه بشكل مباشر أو غير مباشر لمخاطبة الانقلاب. لسنا بحاجة إلى ذلك، بل أنه من الضار للثورة المصرية في هذه اللحظة صدور أي مبادرة من أي طرف تتوجه للانقلاب أو لأنصاره. أما المبادرات الداخلية لجمع الصف، والحوار من أجل نجاح الثورة فهي مبادرات مهمة، وليست هي المقصودة مطلقا في هذا المقال.

ومن أجل ترسيخ ثقافة الحوار نحو الأفضل، والوعي بالآثار المباشرة وغير المباشرة للنوايا الصالحة التي تصاحب أفعال غير موفقة، تفت في عضد الثوار في لحظات حاسمة، فإننا نضع بين يدي الجميع 10 نقاط نسميها "مبادرة تصحيح فكر المبادرة"، وذلك للنقاش والتفكير فيها وتطويرها، والالتزام بما يجتمع عليه الثوار منها، فهم في النهاية أصحاب الحق الوحيد في قبول أو رفض هذه النقاط، وهي:

1. لا مبادرات وقت المواجهة!

لا يصح مطلقا طرح أية مبادرات على أعداء الثورة طالما أن للثورة فرصة للانتصار، وأن الثوار لا يزالون يحاربون معركة الثورة، ولا يصح مطلقا أن نسمح لانقلاب أو نظام فساد أن يتجنب خسارة وهزيمة قادمة.

2. لا إقصاء لثائر أو حر:

المبادرات التي تتوجه إلى داخل الصف الثوري وأنصاره لا يجب أبدا أن تقصي أي فريق من الثوار، ولا أن تتهمه بالتطرف أو غير ذلك، ولا أن يضع من يقدمها نفسه في مقدمة الصف دون أن يختاره الثوار وينتدبونه لهذا علنا، بشكل حر.

3. لا لمبادرات الغرف المغلقة:

لا يتحمل الثوار في مراحل اشتعال الثورة انعدام الشفافية. من البديهي في عصر التواصل المستمر، وارتفاع الوعي الثوري الحادث في مصر، وبعد ما عانى الثوار من النتائج السلبية لمبادرات الغرف المغلقة .. من الطبيعي أن يرتاب الثوار في هذه الفترة في أية مبادرة تحمل ملامح التخطيط المسبق في الغرف المغلقة. هذا النمط من المبادرات لن يقبله ثوار عام 2016، فقد تجاوزوا مراحل المراهقة الثورية منذ زمن.

4. لا تنازلات مطلقا ولدينا فرصة نصر:

لا يعقل لمن لديه فرصة نصر، أن يقدم أي تنازل من أي نوع لعدوه. فليس من المعقول أن نبدأ في تقديم تنازلات لم يحلم بها الخصم، ونحن لدينا فرصة للانتصار عليه. ليس من المعقول أو المقبول مثلا أن نتجنب الحديث عن حكم العسكر بوصفه خراب لمصر، أو أن نتجنب الحديث عن القصاص لكل الشهداء، أو نتحاشى الحديث عن استعادة كل الحقوق، بدءا من استعادة رئيس الجمهورية المنتخب لحقه، ومرورا بحقوق جميع المظلومين، ومن حرموا من حقوقهم أو سلبت منهم حرياتهم أو أموالهم، وغير ذلك من القضايا المتفق عليها بين عموم الثوار.

5. لا انفراد برأي، وفرضه على الجميع:

أن يتفاجأ الثائر العامل في ميادين الثورة بمبادرة تخرج فجأة دون أي نقاش مجتمعي سابق يمهد لها بين الثوار، ودون اتفاق مسبق بالحاجة إلى مثل هذه المبادرة ابتداء، هو تخذيل للعاملين في ميادين الثورة، ويفت في عضدهم، ويشعرهم مرة أخرى وثانية وعاشرة، أن هناك من النخب الحرة من لا يحترم إرادتهم وعقولهم، ومن ينصب نفسه قيما على حراكهم. لقد عانى الثوار كثيرا من قرارات وأفكار الغرف المغلقة في زمان حر مفتوح الأجواء. لن تنجح ثورة مصرية في عام 2016، وما بعده يخطط لها مجموعة غير معروفة للثوار، في غرف مغلقة بعيدا عنهم، مهما صلحت نوايا هذه المجموعة ومقاصدها.

6. لا للفصل بين الانقلاب، وبين العسكر، وبين نظام الفساد:

ما قامت ثورة مصر لكي تستبدل العسكري السياسي المخلوع بعسكري آخر منقلب، ثم بعسكري ثالث قادم من المعاش! أو تستبدل ما سبق بمدني يتحكم فيه نظام عسكر بنظام فساد. كل محاولة للفصل بين الانقلاب، وعزله عن حكم العسكر، وعن القضاء على الدولة العميقة، هي بصرف النظر عن صلاح النوايا أو فسادها، هي طريق لعودة النظام الفاسد لحكم مصر، ولسيطرة العسكر بشكل مباشر أو غير مباشر على الحياة السياسية في مصر. ما قامت ثورة مصر إلا للخلاص من الحكم العسكري بشكله المباشر وغير المباشر، والخلاص من سيطرة نظام الفساد على حياة الشعب.

7. الثورة مشروع تغيير وليس إصلاح:

من ثقافة المبادرات داخل الكيان الثوري ألا تؤدي المبادرات إلى كسر الثورة نفسها. هذه الثورة المصرية لم تكن ولن تكون ثورة لتجميل شيخوخة نظام الفساد، أو وضع ديكور خارجي أمام حكم العسكر. الثورة المصرية ثورة تغيير تهدف إلى الخلاص من السوس الذي ينخر في نسيج المجتمع المصري، لا إلى التصالح معه. وأية مبادرات تجمل معاني إصلاح العجز والعجزة والعجائز لتجعلهم بديلا عن التغيير، فهي مبادرات تقتل الثورة المصرية ولا تفيدها.

8. استخدام مصطلحات العدو:

لا يصح لأي مبادرة ثورية أن تستخدم مصطلحات أعداء الثورة وتوجهها إلى أبناء الثورة نفسهم. فلسنا كثوار مصر بمتطرفين ولسنا بدعاة إرهاب، ولا نقر بالعنف أو بقتل أي بريء، ولو وقع أنصار أي مبادرة في اتهام إخوانهم الثوار بمصطلحات مستنكرة من قاموس أعداء الثورة المشين، فإنهم يفتحون الباب على مصراعيه لاتهامهم في المقابل بالميوعة والليونة والهوان في مواجهة أعداء شعب مصر، ولا يصح هذا أو ذاك أبدا في حق ثوار أفاضل من أبناء الثورة المصرية. استخدام مصطلحات العدو في مواجهة الثوار فعل خاطئ يضر الجميع، ولا ينفع الثورة ولا يفيد الوطن.

9. لا نخضع للإغراءات:

من أخطر ما يواجه الثورات عندما يقترب انتصارها، أن يتعجل أي فريق من الثورة الانتصار، ويسارع في قبول إغراءات خارجية بدعوى الحفاظ على الوطن، وهي ليست في حقيقتها إلا لحرمان الثوار من الانتصار. تاريخ الثورات في العالم يشهد بمخاطر تسرع واستعجال البعض من أجل الاستئثار بقطف ثمار الثورة، مما قد يسبب ضياع الثورة كاملة.

10. لنرفع رؤوسنا ولنعتز بثورتنا:

حق في رقابنا لكل من مات من أجل الحق في مصر، وكل من اعتقل وسجن وأصيب وتشرد، حق علينا لهم جميعا أن تبقى الثورة المصرية عالية الرأس عزيزة الجانب، لا تنكسر لإغراء، ولا تنحاز لغير الحق الكامل في النصر. لا نسمح لمجرم أو قاتل بفرار من عقوبته، ولا نسمح بممرات آمنة للقتلة والمجرمين يمرون من خلالها عبر النخب أو القيادات إلى النجاة من العقاب.

النقاط العشر السابقة ليست شعارات أو عبارات ندعي أننا نلتزم بها، ثم نتحايل على أي منها على حدة. الثورة موقف ومبدأ والتزام. وهذه اللحظة الفارقة في حياة مصر تقتضي من الجميع أقصى درجات ضبط النفس الثوري، وعدم التنازل أبدا عن دم أو حق أو قصاص.

نحترم كل من يسير في ركب الثورة من قادة ونخب وثوار، ولا نشكك في نوايا أحد، ولكننا أيضا لا نستكثر على أنفسنا، ولا على ثورتنا أن نتواصى بالحق، ونتواصى بالصبر، ولا نخلط أبدا بين صلاح النوايا وصلاح الأفعال.

هذه لحظة تحتاج الثورة المصرية فيها إلى الثبات وإلى القوة، فهي في طريقها نحو الانتصار. وفي مثل هذه اللحظات، لا مكان لمبادرات تتوجه إلى أعداء الثورة، ولا مكان للمجاملات.
التعليقات (0)