قضايا وآراء

الانفصام السياسي

عاصم عليوة
1300x600
1300x600
هناك ما يسمى بمرض "الانفصام في الشخصية"، وهو قيام الفرد بالفعل وضده في نفس الوقت، فهذا المرض ناتج عن اضطراب عقلي شديد مزمن يؤثر على سلوك الإنسان وتفكيره وإدراكه، ومن ثم يجعل الإنسان لا يدرك ما يقوم به من أفعال، وهذا المرض يمكن أن يصاب به الشخص الطبيعي ويحاول الأطباء النفسيون معالجة ذاك الشخص الذى يكون لديه أعراض المرض، أما المصبية الكبرى عندما تكون هناك شخصية اعتبارية تحمل ذات المرض.

والشخصية الاعتبارية هي كل مؤسسة أو هيئة لها صفة قانونية. فأي دولة في العالم تعتبر شخصية اعتبارية، فإذا أصيبت الدولة بالانفصام في الشخصية أو ما يطلق عليه "الانفصام السياسي"، فإن هذا المرض يعتبر نذير شؤم لتلك الدولة، حيث إن هذا المرض يمكن يؤدي في النهاية إلى تدمير تلك الدولة.

إن الدولة المصرية تعيش منذ فترة حالة من الانفصام السياسي، متمثل في العديد من الظواهر بسبب تصارع أجهزة المناعة لديها مع بعضها والذي ينتج عنه تصرفات متناقضة في وقت واحد. فخلال أسبوع واحد عقد وزير الداخلية مؤتمرا صحفيا بمقر الأمن الوطني ليعلن أن حركة حماس والإخوان هما من قام بإغتيال النائب العام هشام بركات – وقد نفى كل منهما تلك الاتهامات - وما هي إلا ساعات حتى أعلن جهاز المخابرات العامة المصرية عن استقباله وفدا رسميا لحركة حماس بالقاهرة، وهو أول وفد تستقبله مصر منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013.

وفد حماس جاء أغلبه من قطاع غزة وفتح له معبر رفح - المغلق دائما - واستقبل بحفاوة بالغة، ومكث في القاهرة أكثر من أربعة أيام، وعقد على مدار تلك الأيام مباحثات واسعة النطاق مع أكبر أجهزة المناعة في الدولة المصرية، بل وصل الأمر إلى عقد لقاء مع خالد فوزي رئيس المخابرات. وفي ختام تلك الزيارة سمحت السلطات المصرية للوفد الحمساوي القيام بجولة خارجية - من خلال السفر عن طريق مطار القاهرة- إلى عدة دول إقليمية.

إذن، فلماذا سبق تلك الزيارة اتهام حماس باغتيال النائب العام؟ إن هذه الحادثة التي تتمثل في اتهام واستقبال حماس ما هي إلا جزء من الصراع المحتدم حاليا بين الأجهزة السيادية في الدولة. فتلك الزيارة يجري الاستعداد لها منذ فترة بعد أن تدخلت بعض الدول العربية، كالسعودية، في محاولة منها لرأب الصدع بين القاهرة وحماس، ولكن هناك من يرفض أن تكون هناك أي اتصالات بين القاهرة وحماس، فحاول جاهدا منع تلك الزيارة بشتى الطرق.

نحن أمام نقيضين: وزير داخلية مصر يتهم حماس بقتل النائب العام، ورئيس جهاز المخابرات المصرية يستقبل حماس. ففي هذه الحالة نحن أمام أمر واحد وهو استحالة أن يكون كلا الجهازين يعملان لمصالح مشتركة، فأهداف كل منهما عكس الآخر، بل كل منهما يسعى لإفشال الآخر، والعمل على إثبات أن ما يقوله فقط هو الصحيح، وأن ما يفعله غيره هو الخطأ والخطر على الدولة المصرية.

إن تلك الأجهزة صُنعت لتُحدث التكامل فيما بينها، ولكن حالة الصراع التي تعيشه تلك الأجهزة توحي بأن هناك خلطا في وظائف تلك الأجهزة، وأن كل جهاز لا يعلم المتطلبات المنوطة به، وأنه يريد أن يصبح الكل فى الكل، وأن يكون له قول الفصل في كل ما يجري على الساحة المصرية، حتى وإن كان ذلك خارجا عن حدود عمله.

ما يحدث داخل أروقة الدولة المصرية يدل على عجز القيادة المصرية أن تواجه تلك الصراعات وعدم استطاعتها توقيف تلك المشاحنات، وهذا يؤكد أن تلك القيادة أضعف من تلك الأجهزة، وأنها تخشى على نفسها منها، أو أنها - القيادة المصرية - تعتقد بأن تلك الصراعات ما دامت بعيدة عنها، فلا حاجة لتدخلها لوقف وكبح تلك الصراعات.

إن استمرار الوضع على ما هو عليه من تصارع تلك الأجهزة مع بعضها البعض في مختلف المجالات - السياسية والإعلامية والأمنية... - حتى أصبحت لكل جهاز أذرع يحركها فى مجالات العمل العام المختلفة، لن تؤدي في النهاية إلا لشي واحد، ألا وهو إسقاط الدولة المصرية.
التعليقات (0)