مقالات مختارة

التزييت... والفساد!

راجح الخوري
1300x600
1300x600
القول إن لبنان يتربع على رأس قائمة الدول التي ينخرها الفساد لا يشكل اكتشافا، ولهذا فإن تقرير "منظمة الشفافية الدولية" الذي وضعنا في مقدم الدول التي ينخرها الفساد لا ينطوي على أي مبالغة، ربما لأننا مثلا البلد الوحيد الذي يضطر فيه المواطن المستقيم إلى أن يدفع رشوة أحيانا إلى الموظف المختص؛ لكي يقبل أن يستوفي منه ما يتوجب عليه من الضريبة!

التصنيف الذي تقدمه "منظمة الشفافية الدولية" لم يعتمد على أي تحريات أو تحقيقات وراء الجدران الرسمية المقلقة، بل على اعترافات صريحة وواضحة وتسليم جماعي تقريبا من كل اللبنانيين، بأننا أبطال العالم في الفساد، حتى إننا نسبق اليمن السعيد، على رغم أننا لا نمضغ القات، بل نمضغ الأكاذيب والشطارة والنهب والسمسرة والسرقة على عينك يا تاجر.

الفساد مراتب ومدارس، وعندما يكون رأس السمكة غارقا في فساد التلزيمات والسرقات وتلغيم المناقصات، بحيث تتحول دائما مزايدات في نهب المال العام، يتقاسم القردة جبنتها في ما بعد، فليس العتب على الجوارير التي تترك مفتوحة إلى يمين معظم الموظفين، لإسقاط الرشوة فيها، وهو ما نتعارف من الصرفند إلى النهر الكبير، على تسميته "التزييت"، والتزييت يعني تسهيل مرور المعاملة؛ كي تزحط من توقيع إلى توقيع، بحيث لا يأكلها الصدأ، ولا تضيع في الطريق... ومبروك أستاذ.

ولشدة حرصنا على محاربة الفساد وضبط العملية الإدارية، اكتشفت قبل أعوام أن عملية شراء قلم رصاص في الدولة تحتاج تقريبا إلى 36 توقيعا، وعندما يتعلق الأمر بعملية شراء بقيمة مالية عالية يصير الأمر في حاجة إلى 36 وقعة في التزييت!

اكتشفت المنظمة أن 92 بالمئة‏ من اللبنانيين يعتقدون أن سوس الفساد ينخر في جسد الدولة المتهالك، أما الـ8‏ بالمئة الباقون فلم تطرح عليهم الأسئلة بالتأكيد، وأنا أعتقد جازما أن نسبة الفساد تصل إلى 120 بالمئة‏ إذا احتسبنا الذين سيولدون ويتسنمون الوظائف، وربما يصيرون من الزعماء وكبار الموظفين.

المضحك أن المنظمة بالها مشغول على لبنان؛ لأنها تفترض أن هذا الازدهار المذهل في مسيرة الفساد المظفرة قد يدفعنا إلى حرب أهلية، وهذا غير صحيح على الإطلاق؛ لأن جميع الفاسدين تقريبا أخوة متفاهمون متضامنون، لهم أساليبهم وقواعدهم في السرقة والسمسرة واقتسام جبنة الدولة قسمة ضيزى، وبالتأكيد لم تسمع المنظمة بمعادلة "زيتلي تزيلتك".

والفساد في لبنان تحول نوعا من المبارزة الشرعية في نهش البقرة المذبوحة والمعلقة في ملحمة الطوائف والمذاهب، ولم يعد عيبا، بل صار شطارة واقتدارا... وعلى رغم أن تقرير العار هذا جاء عشية الانتخابات البلدية، سنرى غدا كيف ستسير القبائل إلى الصناديق لاختيار الذين يسلخون جلدها السميك جدا!

عن صحيفة النهار اللبنانية

0
التعليقات (0)