مقالات مختارة

كلفة الكرسي!

محمد أبو رمان
1300x600
1300x600
أبعد ما يكون الفيلم القصير الذي أنتجه البيت الأبيض، ويبحث فيه الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، عن عمل بعد انتهاء رئاسته للولايات المتحدة الأميركية، عن السخرية، التي إن وجدت فهي من الدول غير الديمقراطية التسلطية!

أن يبحث رئيس أكبر دولة في العالم عن عمل، بعد خروجه من السلطة ديمقراطياً، هو رسالة سياسية وإعلامية في غاية القوة، وإن اتخذت طابعاً فكاهياً مقصوداً. فهي -في نهاية اليوم- أحد أبرز عناوين القوة الناعمة الأميركية، أو النموذج الديمقراطي الذي يصل فيه هذا الرجل ذو الأصول الكينية إلى قمّة العالم، وابن سائق الشاحنة، من أصول باكستانية، ليكون "عمدة" لندن، وليس أي مدينة، بما تحمله من عراقة وإرث وأبعاد سياسية ورمزية!

هل يمكن المقارنة بين مصير الرجل، الذي سيعود إلى حياته الطبيعية مع أسرته، ويحظى بالراحة والهدوء، وبين النموذج العربي "المشرق"، أو بعبارةٍ أخرى؛ بين كلفة الكرسي هنا وهناك؟!
بين يدي تقرير صدر قبل أشهر عن المركز السوري لبحوث السياسات، بعنوان "مواجهة التشظي"، ويحتوي على أرقام تقديرية لحجم الخسائر السورية منذ العام 2011 إلى نهاية العام 2015، على الصعيد الإنساني والاقتصادي والاجتماعي.

على الصعيد الاقتصادي، بلغت خسائر الاقتصاد السوري قرابة 255 مليار دولار أميركي، وارتفع معدل البطالة من قرابة 15 % في العام 2011، إلى 52 % في العام 2015.

أمّا عن الآثار الاجتماعية، فقد تراجع عدد السكان من 21.80 مليون شخص في العام 2011، إلى 20.44 مليون شخص في العام 2015، وكان يفترض أن يكون الرقم، وفق النمو السكاني قرابة 25.59 مليون شخص، أي بتراجع بنسبة 21 % في عدد السكان مقارنةً بعددهم في حال عدم حصول أزمة.

واضطر 45 % من السكان (أي قرابة النصف) إلى مغادرة أماكن سكنهم، بحثاً عن الأمان والظروف المعيشية الأفضل، منهم 6.36 مليون إنسان داخلياً، و3.11 مليون خارجياً.

أمّا عن الفقر، فحدّث ولا حرج! إذ بلغ معدل الفقر العام (في العام 2015) نسبة 85.2 %، بينما نسبة
من يعيشون في فقر شديد وصلت إلى قرابة 70 %. ونسبة الأطفال الذين لم يلتحقوا بالتعليم الأساسي للعام نفسه وصلت إلى قرابة 45 %، أي تقريباً النصف.

على الصعيد الإنساني المباشر، تكشف الأرقام حجم الكارثة الكبرى. إذ وصل عدد القتلى إلى قرابة نصف مليون إنسان، 70 ألفا منهم قضوا بسبب نقص الخدمات الأساسية. ووفقاً للتقرير، فإنّ عدد المصابين مع القتلى يصل إلى أكثر من 11 % من سكان سورية، فكيف إذا أضفنا إليهم عدد المهجّرين والنازحين إلى أماكن أخرى! أمّا متوسط العمر، فقد تراجع من 70.5 سنة في العام 2010 إلى ما يقدّر بـ55.4 سنة في العام 2015.

كل هذه الخسائر الفادحة لا تعادل شيئاً أمام الخسائر النفسية والرمزية والثقافية؛ فالدولة في "حرب استنزاف" داخلية، كما وصف الأمر المبعوث الأميركي للتحالف الدولي، بريت ماكورك، إذ خسر النظام قرابة 90 ألف مقاتل للدفاع عن كرسي بشار الأسد والمجموعة المحيطة فيه.

في النهاية، هل سلم الكرسي، أم أصبحت سورية والحكم رهينة بيد روسيا وإيران؟! والحال لا تختلف في باقي الدول العربية، على أحوال ونسب متباينة مختلفة. في العراق، مثلاً، يشير تقرير الأمم المتحدة الأخير إلى أنّ ثلث العراقيين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية!

كل ذلك لندفع كلفة رفض الديمقراطية، وليس الديمقراطية كما يروّج أنصار "الثورات المضادة"؛ فهل يستحق "الكرسي" كل هذه الدماء والأشلاء وذلك الخراب المعنوي والمادي والرمزي؟! ألم يكن بالإمكان أن يعود الحكام العرب بعد انتهاء مدتهم إلى حياتهم الطبيعية، كما رأينا في فيلم أوباما الساخر؟!

(عن صحيفة الغد الأردنية)
0
التعليقات (0)