مقالات مختارة

اللعب بالنار مع إيران اقتصاديا

محمد كركوتي
1300x600
1300x600
"ليس لدي مشكلة مع الغش، إذا كان بإمكاني أن أنجو بفعلتي"

جو توري لاعب بيسبول أمريكي شهير

الغش، استراتيجية ثابتة لنظام إيران الحاكم. يمارس وفق مجموعة من المعايير اللاأخلاقية، التي تسند إلى ثوابت عميقة لدى هذا النظام، وأخرى تتعلق بمفهوم "التقية" التي يعتمدها في إطار عقائده الشيعية.

كل شيء مباح، طالما أنه يحقق الهدف، والهدف لا يكون عند هذا النظام المعتدي، إلا خرابا على الغير، بل خراب على قطاعات عريضة من الإيرانيين أنفسهم. وهؤلاء تنالهم الويلات من استراتيجية نظامهم الخبيثة. ولأن الغش هو منطلق استراتيجي؛ لم تستفد إيران ما يكفي "حتى الآن" من رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق النووي مع البلدان الغربية. في الواقع لم تظهر فوائد الرفع هذا على الساحة بالشكل الذي كان نظام الملالي يأمله، ويعد شعبه به.

لقد اشتغل على مدار الأشهر التي سبقت الاتفاق المذكور، لتسويق أكذوبة أن رفع العقوبات سيعود بالفائدة الفورية على كل الإيرانيين، وسيعيد الوضع الاقتصادي المحلي إلى ما كان عليه قبل العقوبات على الأقل، على أن ينطلق إلى آفاق أخرى جديدة ومثمرة.

بات تردد المصارف الأوروبية في التعامل مع إيران حاضرا على الطاولة، وحتى المؤسسات والشركات الأخرى التي ترغب في التعاطي مع هذا البلد ولا ترغب، الأمر الذي دفع مسؤولي نظام علي خامنئي لإطلاق الأصوات في الأرجاء أن الولايات المتحدة (تحديدا) تقف في وجه عودة المصارف والشركات إلى المشهد الاقتصادي الإيراني. وباستثناء صفقات وعقود تمت في الأسابيع القليلة التي تلت رفع العقوبات، لا يوجد ما يمكن الاعتداد به في هذا المجال، خصوصا، إذا ما عرفنا أن غالبية هذه العقود والصفقات تمت من شركات متوسطة وصغيرة في القارة الأوروبية، من بينها اتفاقيات مع شركات طيران، وأخرى لبيع طهران طائرات مستعملة. أما المصارف والشركات الكبرى فلا تزال تقف منتظرة ومراقبة وخائفة. من ماذا؟ من العقوبات الأمريكية التي قد تتعرض لها، إذا ما خالفت القواعد المتفق عليها في التعاطي مع إيران.

لا يزال نظام خامنئي بعيدا عن النظام المصرفي العالمي، وهذه النقطة على وجه الخصوص تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لطهران، لكي تتمكن من إجراء معاملاتها المالية بسهولة وسرعة.

الولايات المتحدة أكدت في غير مناسبة، بل أرسلت حتى وزير خارجيتها جون كيري إلى مجموعة من البلدان الأوروبيةن ليؤكد للشركات فيها أن بلاده لا تقف في وجه أي تعاملات مع إيران، طالما أنها تجري ضمن الاتفاق العام الواضح. لكن المصارف والشركات في أوروبا، تتحجج بعدم وضوح الرؤية في مسألة المحاذير والمناطق المحرمة عليها. وهذا غير حقيقي، لأن الأمور واضحة بالفعل، ولا تتطلب أي توضيح. ومع ذلك، أكدت الإدارة الأمريكية أنها مستعدة للإجابة عن أي سؤال بهذا الخصوص، للتأكيد أنها تحترم الاتفاق النووي وما نتج عنه، بما في ذلك الجانب الخاص بالعقوبات.

ولأن الأمر كذلك، فقد تعهدت الولايات المتحدة ومعها البلدان الأوروبية الرئيسة بالتوضيح. هناك قيود أمريكية لا تزال حاضرة ملزمة للمصارف والمؤسسات الأمريكية فقط، لكنها ليست كذلك بالنسبة لمثيلاتها في بلدان العالم الأخرى. والغموض الذي تتحدث عنه الشركات والمصارف الأوروبية لا وجود له، لماذا؟ لأنه يحق لها التعامل مع إيران في كل المجال، طالما أن هذه الأخيرة تتبع جميع القوانين المعمول بها. ولكن هل يمكن لنظام خامنئي القيام بذلك؟ الجواب ببساطة هو: لا كبيرة، وهنا تكمن مخاوف المصارف والشركات الأوروبية (تحديدا)، لكنها لم تعبر عنها في أي وقت. فالمداخل والسراديب الإيرانية متشعبة، وتخشى أن تقع فيها، وبالتالي تلقى العقاب الكبير الذي تخشاه وتسعى إلى تجنبه بأي وسيلة كانت.

لا يوجد مناخ اقتصادي صحي في إيران. ولن يوجد هذا المناخ في المستقبل، طالما ظل النظام يعبث في كل الأماكن التي يستطيع الوصول إليها. والمؤسسات المالية والتجارية الأوروبية، خبرت التعاطي مع الولايات المتحدة في السنوات الماضية من هذا الجانب، عندما أُجبرت على دفع مليارات الدولارات غرامات على خرقها نظام العقوبات المفروض على إيران.

وفي الواقع لا تستطيع أن تتحمل أي غرامات أخرى، في حين أن ميزانياتها لا تزال تعاني الغرامات التي دفعت والتسويات المالية بهذا الخصوص. ورغم وضوح قواعد التعاملات التجارية المسموح بها مع إيران، إلا أنها ليست واضحة من الجانب الإيراني نفسه، مع سيطرة ما يسمى بالحرس الثوري على ثلث اقتصاد البلاد، دون أن يمر حتى ضمن الجداول الحكومية. دون أن ننسى، الروابط الإرهابية الواسعة لمؤسسات وشركات إيران المختلفة.

لا شك في أن إيران توفر فرصا استثمارية مغرية للشركات والمصارف الأوروبية، لكن مخاطرها (حتى الآن على الأقل) أكبر من فوائدها. ومن هنا يمكن فهم تردد المؤسسات الأوروبية الكبرى في التعامل مع نظام خطير لا تزال العيون العالمية موجهة إليه، لكثير من الأسباب، في مقدمتها بالطبع روابطه الإرهابية المروعة، وتصميمه على ممارسة العدوان في الأرجاء. التعامل الاقتصادي مع إيران الآن، ليس أقل من اللعب بالنار. وهذه النار نالت بالفعل قبل وقت قريب مع تلك المؤسسات التي تدعي اليوم أن غموضا يلف قرار رفع العقوبات عن طهران!

عن صحيفة الاقتصادية السعودية
0
التعليقات (0)