قضايا وآراء

هل سيكتب غوغل تاريخنا؟

محمد حسني عودة
1300x600
1300x600
كثير من الحضارات كانت محلية ومادية لم ترق لصبغة العالميه، وذلك حتى يكون لها كيان مميز ترتقي إليه بين الأمم. فهل كان حال العرب في الجاهلية قبل الإسلام بعيدا عن هذا؟ كانت لديهم من الأخلاق الحميدة مثل الهبة لنخوة الضعيف، والكرم والشجاعة، ولكن في نفس الوقت كان عندهم نكاح الاستبضاع ونكاح ذوات الرايات ووأد الأنثى المولودة والروح فيها تنبض. وعندما جاء الإسلام صنع من العرب أمة ذات حضارة نقلت الإنسانية من الظلمات إلى النور، ومن غياهب الجهل والخرافات إلى مواطن العلم وبيادق الحق والمعرفة بمنهج بحثي تجريبي تأصيلي فريد من نوعه.
 
تعودنا أن نسمع من الكثيرين أن المنتصر هو من يكتب التاريخ، وربما هناك من يكتب إرضاء لحاكم أو يكتب مستشرقا أو مبشرا أو مدسوسا أو حاقدا بطائفية مقيتة أو صليبية، ولن أكون قاسيا إذا قلت إن هناك ربما من كتب أو يكتب التاريخ وهو جاهل غافل، لا يعرف أصول العلم في الكتابة ولا في تدوين وتحقيق ما ينقل. وقد ابتليت الأمة بكثير من هؤلاء اللذين مع من ذكرت آنفا من الأصناف، تسببوا في صراعات طائفية وقومية سقيمة أهلكت الحرث والنسل والشجر والدواب وأخّرت الأمة عقودا بل قرونا من الزمان.
 
وكم تعلمت من حوادث ومناسبات مررت بها، كيف أننا مع علمنا وما نسدي به من معرفة وتوجيه للآخر ربما في ميادين مختلفة، فإننا وللأسف نفتقد في كثير من الأحيان التحليل النقدي الدقيق والحرج لأوضاعنا وما مرت به أمتنا سابقا وما تمر به في وقتنا وقد تمر به لاحقا. فمنذ بضعة أيام علمني موقف في اجتماع بحثي علمي مع زميل عريق كريم خلوق - يرأس مجموعة في تخصص معين في شركة إيرباص العملاقه للطائرات - ونحن نتحدث في أبحاث وتطبيقات البيانات الهائله والمسماة حديثا (Big Data) وفي طرق استجلاب متطلبات تطبيقاتها. سألني ذلك الزميل  وقد أجهزنا على شرب فنجان قهوتنا ولملمة أوراقنا لنغادر قائلا: عبر هذه البيانات الهائله التي بين أيدينا، من سيكتب تاريخنا؟ فقد تعودنا أن يكتبه المنتصر؟ والسؤال الذي تفرع في حديثنا في دقائق معدوده جدا: هل سيكتبه غوغل؟ عندها وفي لحظات، وقبيل انصرافي لإنتهاء وقت اجتماعاتنا أصابني ما أصابني من عصف فكري داخلي قد اشتد استعاره ولم ينطفئ في غصة وألم على ما مضى، ولكن في حزن عميق على ما نحن فيه وخوف على ما هو آت. 
 
وقبل عدة أيام، وبالتحديد في يوم 24 مايو 2016، كان هناك عرض جمهوري مباشر على الإنترنيت من مجموعة غوغل عن حقائق أعلنوا عنها، ومنها أن هناك تريليونات من طلبات البحث على محرك غوغل البحثي العملاق، وكان الملفت للنظر أن أكثر من نصف طلبات هذه البحوث تأتي من الأجهزة الهاتفية الذكية المتنقلة -  وأجد كلمة متنقلة أنسب من محمولة أو خلوية للاستخدام مقابل كلمة mobile في الإنجليزية. تلك الأجهزة التي أصبح الكثير منا هي محركه وشغله الشاغل، حتى أنها أول شئ يراه بعدما يفتح عيناه من نومه، وآخر ما يراه قبل نومه، بالطبع لا نعمم تلك الكلمات، فلكل كلام خلافه فيما يحدث. وفي ذالك العرض المباشر من غوغل استخدموا مثالا عن شركة تويوتا للسيارات، حيث ذكروا ازدياد البحث عن منتجات تلك الشركة بنسبة 37%، في الوقت نفسه التي فيه 80% من عمليات البحث هذه تصدر من أجهزة الهاتف المتنقله الذكية.
 
 وهذا كله يبين تقلص الفارق الرقمي بين هؤلاء الباحثين من حيث امتلاك ليس فقط التقنية الرقمية، بل تقدم طرق بحثهم وتمكنهم من الوصول إلى الشبكة العنكبوتية والبحث عن المعلومة في الوقت والهيئة التي يريدونها. وعقبت مجموعة غوغل في تحليلها بأن عمليات البحث في موقع تويوتا يتم كثير منها عن طريق صور السيارت عند مرورها، وبذلك يتم البحث بواسطة الصورة مرئيا ، وليس نصيا أو بكلمات معينة كما يفعل الكثير منا في الغالب. ولقد رأينا منذ شهور عدة وليست بعيدة، كيف أن فتيان وفتيات فلسطين ومن يحب فلسطين على هذه المعمورة قد قلصوا الفارق الرقمي عالميا في حبهم للمسجد الأقصى، ودفاعهم عنه، ونشر كل ما يقوم به عدوهم من إيذائهم ومنعهم من أقصاهم، كما يفعل الطغاة من حولهم.  ولكن التقنية الرقمية الاتصالية بشبكاتها الاجتماعية حالت بين الطغاة وكتم الحقيقة، فتبدد مكرهم ونرى الفجر ينبجس من زخم حلكة الظلام. 
 
وتبعا لذلك، فلو رأيت يوما من الأيام معلما أثريا أو وجدت مخطوطة وبحثت عن مثيلاتها باستخدام البحث الصوري (مستخدما صورة ما تبحث عنه) عبر محرك غوغل، فربما تستطيع العثور على الكثير من البيانات بل المعلومات، وتصل إلى معرفة علمية دقيقة عن تلك الصورة التي بحثت عنها. وتوجد العشرات من الأدوات الذكية - من مجموعة غوغل ومن طور عليها- التي تستطيع استخدامها لدراسة ظاهرة ما،  سواء كانت تلك اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقيه .. إلخ. فمثلا تستطيع عبر برمجة بسيطة لأداة Google Trends أن تدرس اتجاة وأنماط المستخدمين وزبائنك والداخلين على موقعك الإلكتروني عبر فترات زمنية مختلفة، وأيضا استجلاب إحصاءات عن مواقعهم الجغرافية وأنماطهم وغيرها. وقد تقدم تطور الأدوات من حيث إمكانية تطبيق دورة حياة (Life Cycle) لما تنوي قياسه (to measure) وفهمه من ظواهر وأنماط معينة، وذلك لتوفر القياسات وطرق الاكتشاف الذكي عبر الأنماط (to discover and learn) ومن ثم إمكانية إتخاذ القرار (to make action)  لتوجية شركتك أو مجتمعك أو سياستك إن كان يهمك مستقبل من تقود.  وإذا كنت تتمثل أنك خليفة الله في أرضه، فيمكنك تعلم واكتشاف الكثير لتوظفه لصالح الإنسانية في هذا الكون، وتستخدمه لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في أجل صوره، مبعوثا بإيمانك بالله الواحد الأحد الفرد الصمد.
 
لاشك أن الموضوع أكبر من كلمات بسطية في أسطر قليلة كهذه، ولكن هناك كم هائل من الأسئلة تطرح نفسها ولست في موقع متمكن للإجابة عنها، والأمانة مع النفس تقتضي طرحها ولا نكتم علما وراءه ، بل نرجو أن يأخذها - ولو جزئيا - ويطور فكرا ، بل ربما يؤسس لمدارس فكرية تتبعها طرق ومنهجية بحثيه علمية ، ومنتجات نظم برمجيه كأدوات وحزم برمجية نبني عليها مع يتسق مع عقيدتنا وتراثنا وتقاليدنا وثقافتنا الأصيلة. ومن هذه الأسئلة التي لا تفارق ذهني جزء منها استراتيجي وجودي وآخر بحثي علمي تطوري:
 
أولا: ماذا لو قالت مجموعة غوغل: لكم دينكم ولي دين؟ لا أقصد هنا الديانة بحرفيتها ، ولكن لو قالت من يريد استخدام غوغل ومحركاته البحثية وأدواته ،  فيجب عليه أن يكون من دائرة معينة ، ومن يخرج عن تلك الدائرة فلن يستطيع التمتع بخدمات غوغل ، ومثال ذلك ما يحصل لمن يود الدخول على غوغل وهو في داخل السودان.
 
ثانيا: ماذا لو رفعت مجموعة غوغل مقبس الوقود أو الطاقة وقالت: لا غوغل لكم اليوم في مناطق معينة دون دفع أتاوات معينه لاستخدامه؟ ألسنا بحاجة للتخطيط وإدارة المخاطر (Risk Management) ؟ ألسنا بحاجة لأرشفة إلكترونية آنية لما يتطور لحظيا؟ 
 
ثالثا: ماذا لو قالت مجموعة غوغل تستطيعون أن تبحثوا عن المعلومات والمعرفة ، ولكن لكل منطقة ميزات معينة حسب تصنيفها كدول متقدمة أو أقل تقدما وأكثر انهيارا؟ 
 
رابعا: لا نملك زمام قيادة الإنترنت ، ولا نستطيع الدخول إلى خدماته إذا تعطلت الأسباب التي قد يكون منها إستراتيجيا ، أو سياسيا ، أو تقنيا ، أو قد يكون مجموعها أو أكثر ليس السياق هنا في تفصيله. فإذا كان اعتمادنا أصبح بشكل كلي على غوغل وإخوانه وأخواته ، ليس فقط للتسوق وإرشادنا في طريقة الوصول ونحن نقود مركباتنا لعناوين مواقع معينه على الأرض ،  بل للوصول إلى فهارس تراثنا المدون والموثق إلكترونيا عبر الغيمات الحوسبية (Computing Clouds). فهل من الممكن أن تصل بنا الأمور لتتعطل دفة البحث والعلم والمعرفة عندنا لأن جيل اليوم والأجيال القادمة تربت وترعرت بمنهجية نمطية تتطور تبعا لتقنيات الاتصال والمعلوماتية للوصول إلى ما تريد باستخدام هواتفها الذكية وحواسيبها اللوحية ، بعيدا عن الطرق التقليدية في البحث عن ضالتها؟
 
خامسا: كيف يمكن لنا أن نضمن حيادية ودقة وصحة ونزاهة ما يعرض لنا من تحليل لاتجاهات وظواهر وأنماط، ربما نخطئ في تقييم أو الأخذ فيما يتكرم علينا به غوغل وإخوانه وأخواته؟ واذا كانت الإسرائيليات قد عشعشت في كتب تفسير القرآن الكريم والسنة المطهرة في الوقت الذي كنا من يمتلك اليد العليا ، فكيف الآن ونحن ذوي اليد السفلى؟
 
سادسا: كيف، بل هل يمكن لعلمائنا في التاريخ والتراث أن يؤصلوا لمنهجية البحث العلمي، وتدوين التراث ، وذلك اعتمادا على الشبكة العنكبوتية ومجموعة غوغل لوضع قواعد ليس فقط  لأصول البحث ، بل لأصول الأخذ منها في كتابة تاريخنا؟
 
سابعا: كيف يمكن لنا كعلماء في علوم الحاسوب وهندسة البرمجيات أن نعمل مع علماء متخصصين كفريق علمي متعدد التخصصات (في العلوم الدينية والإجتماعية والتراثية والثقافية وغيرها) لتطوير أدوات ونظم برمجية تساعدنا، وتساعد الإنسانية في كتابة تراثها بمنهجية عميقة تكشف التزوير والعيوب والسلبيات كما تظهر الحقائق والميزات والإيجابيات؟
 
ثامنا: أليس غوغل وإخوانه وأخواته من أدوات ونظم مثل الشبكات الاجتماعية وقنوات الفيديو الآنيه مثل يوتيوب وغيرها شكلا من أشكال القوة ؟ ذلك ليس فقط في البحث النصي أو الصوري أو الصوتي فقط ،  بل في دراسة توجه البشر فيما يحبون ويتندرون ومالهم من أنماط في مختلف أرجاء المعموره؟ فماذا نحن فاعلون مع غيرنا كعلماء لدراسة ظواهر معينة وكشف كنه ما يمكن أن يكون مفيدا للإنسانية ، وأيضا رفعا للضرر عنها من ضروب المنكر من القول والفكر والفعل مثل التطرف الممقوت والإباحية الكريهة!!
 
تاسعا: هل ما تطرحه علينا مجموعة غوغل من أدوات ومحركات بحث وشبكات إجتماعية شخصية وتعليمية وعامة يتناسب مع تراثنا وما تحتاج إليه بيئتنا؟ بالطبع هناك الكثير مما أثرت به تلك من فوائد جمة ، ولكن ألسنا بحاجة لدراسات وأبحاث ، أقلها ربما على مستوى درجتي الماجستير والدكتوراه لفهم متطلباتنا حسب خصائص لغتنا المميزة وبيئتنا الخاصة وتراثنا الديني والفكري والثقافي وغيره؟ ألسنا بحاجة لعلماء يوجهون ويقودون دفة تحديد تلك المجالات والعمل على إيجاد الدعم المادي لهذه الدراسات والأبحاث العلمية؟ 
 
عاشرا: أليس أولو الألباب والنهى من أهل العلم والحل والعقد بحاجة لتحديد أولويات مشاريع لتوثيق تاريخنا المعاصر ، وتصحيح تاريخنا المنصرم باستخدام تقنيات غوغل وإخوانه وأخواتهم ؟ أليس واجبنا أن نوثق ونؤرخ للظلم ونتائجه والفساد وتبعاته وإزهاق الأرواح مثلما حصل في صبرا وشاتيلا بشتى أنواع التوثيق ، وما يحصل أيضا في وقتنا في غزة والفلوجة وديار شامنا وغيرها.؟ ونتوقع ، والعلم عند الله سبحانه، أنه إذا ما تم العمل على تلك المشاريع أن تحدث ثورة علمية في تطوير محركات بحث وأدوات برمجية تطور لبنات متتالية تضيف على لبنات وركائز غوغل ومن في كوكبها.   
 
وقد علمنا القرأن الكريم أن اللذين يعلمون لا يستوون مع اللذين لا يعلمون.. وقد علمنا رسول الهدى عليه أفضل الصوات والتسليم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وتعلمنا أيضا توجيها عظيما من القرآن الكريم لكل الإنسانية كي تسير في الأرض ، وتبحث ، وتكتشف ، وتحلل بطريقة علمية منهجية مبعثها الصدق مع النفس في اكتشاف الحقيقة والتعلم منها وأخذ العبر والدروس  لما حدث في السابق وما في الكون من حولهم ، وذلك في عدة آيات من سور القرآن الكريم، نحصي منها ثلاثة عشر سورة ونورد منها ثلاث آيات كريمات في سور الحج والعنكبوت والروم: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج 46)، وأيضا: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت 20)، وكذلك: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (الروم 9). 
 
ونتساءل والأمثلة عظيمة كثيرة: أليس ما قام ويقوم به معهد المعهد الأوروبي لأبحاث الطاقة الذرية الجسيمية  "سيرن" (CERN) في مدينة جنيف في سويسرا ضربا من ضروب السير في الأرض لمحاولة فهم حدث الانفجار العظيم منذ آلاف السنين ، وذلك في بنائه (بين عامي 1998 و 2008 بمشاركة 10 آلاف عالم ومهندس في مختلف التخصصات) لمسارع تصادمي ذري طوق محيطه 27 كيلومترا بنفق عمقه 175 مترا تحت الحدود الفرنسية السويسرية المتاخمة لمدينة جنيف.  ذلك التصادم - لجسيمات ذرية تسير بسرعة الضوء ولكنها في اتجاه عكسي - ينتج كمية من البيانات الهائلة في عملاقيتها والتي تصنف (Big Data) وتحتاج إلى أدوات برمجية خاصة جدا ، ونظم إدارة للبيانات الهائله لتلك الجزيئات المنشطرو ، وبنية حاسوبية هائلة المعالجة حتى يستطيعوا إجراء البحوث لفهم تلك الماهية.  وذلك قبل أن يسجلوا اكتشافاتهم العلمية ويدونوها للتاريخ العلمي الحديث والأجيال من بعده في محاولتها لفهم نشأة الكون ونظرية الانفجار العظيم وجسيم هيغز بوزون (Higgs Boson) الذي أطلقوا عليه الجسيم الإلهي لأنه يعطي كتلة للجسيمات الذرية الأخرى. ولن ننسى أن متصفح الإنترنت الذي بين يدينا تطورت نشأته في ذلك المعهد الذري العظيم في جنيف. إنهم يسيرون في الأرض.
 
ولا بد من مصارحة النفس والمكاشفة والاعتراف بأن أمة إقرأ وأمة الخيرية وأمة الحديد لم تلتزم توجيهات وتعاليم قرآنها وسنة نبيها، كي تكون في الريادة لخدمة الإنسانية وفي إعداد القوة. ولابد أن نسأل أنفسنا: هل غوغل وإخوانه وأخواته مثالا في إعداد القوة ؟ تلك القوة التي أمرنا بها؟ أليست مجموعة غوغل قوة علمية معرفية اقتصادية تأريخية جغرافية تراثية ثقافية استكشافية تساهم في خلافة الإنسان للأرض، إذا أحسن استخدامها الإنسان  لصالح أخيه الإنسان؟ وعندما يكون الإيمان بالله الواحد الأحد في صلبها فستكون عمارة الأرض حتى يرث الله ومن عليها، وذلك في يوم ليس فيه ظل إلا ظله سبحانه وتعالى.         
 
وفي الختام، فلا شك عندي أن غوغل سيساعد- بل إنه يساعد حاليا - في كتابة تاريخنا؛ ليس نحن فقط كأمة عربية إسلامية، بل لكل الأمم؛ وذلك ليس ربما لأنه أراد ذلك مخططا له، بل هي تبعات تخزين بيانات ومعلومات ومعرفة هائلة في عملاقيتها لأغراض متعددة النوايا والدروب، كما هي تبعات تطوير شبكة الإنترنت في مختبرات وفروع وزارة الدفاع الأمريكية إبان الحرب البارده وما لحقها، وما نراه اليوم أيضا من البنى التحتية والخوارزميات المتطوره لتخزين البيانات والمعلومات ونظم إدارتها في الغيمات الحوسبية، سواء كانت غيمات عامة أم خاصة (Public or Private Clouds). وكما أننا تعودنا أن يكتب التاريخ من له اليد العليا في أزمنة سحيقة (على مستوى جميع الأصعدة)، فستبقى اليد العليا لمن أخذوا ويأخذون زمام وفحوى أمر "وأعدوا"، ولمن يأخذون دورهم في إثراء الإنسانية، حتى ولو كان ذلك الإثراء نتيجة لنوايا لم تكن الإنسانية أصلا من أنبل أهدافها. وستبقى أسئلة كثيرة - ومنها ما نوهت إليه آنفا استراتيجيا وبحثيا وعلميا ومعرفيا - تحتاج للدراسة والتخطيط لإجابتها قبل الشروع في أي خطوات مشتتة ممزقة لتزيد التيه تيها شعثا أغبرا. 
 
واليوم، لا عذر لمن يقول "الموضوع أكبر منا والعاقبة على من يديرون دفة الحكم في بلادنا" !! كفانا تعليقا لعجزنا على تلك الشماعة.. نعم كفانا قول الكسالى والرامين ضعفهم على غيرهم. أليس فينا رجالا ونساء علماء راشدين؟ وخصوصا العلماء ذوي الفكر والباع في الشرق والغرب في علوم الحاسوب وهندسة البرمجيات، كي يشكلوا فرقا إفتراضية (virtual or e-teams) عالمية تطور؛ ليس فقط أدوات وخوارزميات برمجية، بل تأصيل بحثي علمي يتناسب مع الحاجة لحيادية نتائج البحث عبر محركات البحث العالمي في دقة متناهية، لإثراء الإنسانية بمعرفة تكشف العيوب والنواقص والتزوير، وتظهر الميزات والإيجابيات والحقائق كي تقود الإنسانية إلى منهج "إقرأ" القويم. وبهذا نركز على دور الشعوب في صنع أحداِث التاريخ ، بعيدا عن شماعة الحكام التي يرتديها البعض منا ، ونصحح أيضا  شتى المغالطات في عرض أحداث ووقائع التاريخ التي شوهها حاقد أو مستعمر أو مستشرق غير أمين أو منتصر أو غافل جاهل ظن أنه يعلم ولا يعلم ، أو بعض أو كل هؤلاء جميعا. ولا بد من الختم بالقول: إن جيل الشباب اللذين هم الغالبية العظمى في بلادنا هم من يجب عليهم تفعيل دورهم في صناعة التاريخ من حيث صقل عقولهم وفكرهم القويم وبراعتهم في استخدام تقنيات الإتصال والمعلوماتية، وذالك لتدوين وتوثيق الأحداث من خلال أجهزتهم الهاتفية الذكية وحواسيبهم اللوحية، وتخزينها استرجاعيا وقتيا في غيماتنا الحاسوبية الخاصة والعامة.  
التعليقات (0)