مقالات مختارة

سقوط القضاء المصري

جابر الحرمي
1300x600
1300x600
"مهزلة" محاكمة مرسي بادعاءات التخابر مع قطر

عار أن يتم تلفيق تهمة التخابر مع دولة شقيقة لرئيس منتخب أتى عبر صناديق الاقتراع

القضاء والإعلام يريدان الهاء الشعب عن أوضاع داخلية اقتصادية واجتماعية وأمنية وتعليمية .. مزرية .. والفساد تجاوز كل الحدود

من المؤسف حقا أن يصل القضاء في مصر إلى هذه المرحلة من الاستخفاف بالعقول، وإلى هذه المرحلة من " السقوط " في يد السلطة العسكرية الانقلابية في " أم الدنيا ".

يمكن استيعاب - ربما - كل "مهازل " المؤسسات التي نشاهدها اليوم في مصر، بدءا من الإعلام ومرتزقته وسحرته، مرورا بالفن والثقافة والرياضة ..، لكن أن تصل هذه المهازل إلى المؤسسة القضائية، هنا الكارثة.

بالأمس صدر حكم على الرئيس السابق محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر، والذي انقلب عليه العسكر في 2013 بعد عام واحد من حكمه في مؤامرة تتكشف خيوطها يوميا، في قضية مضللة عرفت باسم "التخابر مع قطر"، فحكم على الرئيس مرسي بالسجن المؤبد 25 عاما مع إضافة 15 عاما أخرى، والإعدام لـ "6" متهمين آخرين من بينهم زملاء إعلاميون.

مسرحية ممجوجة، وسيناريو مبتدأ، وممثلون يسمون بـ "القضاة" أتوا بهم من الصفوف الابتدائية وصعدوا بهم إلى المسرح، وليس منصات القضاء، لأن هذه المنصات أكبر من هؤلاء، ولا تتشرف بأن يجلس عليها " أقزام " كهؤلاء.

عيب بحق مصر وتاريخها أن يلوثه اليوم من يتولى السلطة فيها من هم بهذه السطحية في التعامل مع الدول عموما، وليس مع الأشقاء، فعار على هؤلاء أن يلفقوا تهمة التخابر لرئيس منتخب أتى عبر صناديق الاقتراع مع دولة شقيقة، التي وقفت مع مصر الشعب منذ اليوم الأول لثورة يناير في 2011، فكان الأمير الوالد أول رئيس دولة يحط رحاله فيها بعد أشهر بسيطة من نجاح الثورة، وكان ذلك في مايو 2011، وعندها كان المجلس العسكري من يتولى إدارة الأمور، ثم كانت زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد عندما كان وليا للعهد آنذاك بعد زيارة سمو الشيخ حمد بن خليفة بشهر واحد، وتحديدا في شهر يونيو من عام 2011، وقدمت قطر للشقيقة مصر أشكالا من الدعم انطلاقا من واجبها تجاه الأشقاء، ووقعت الاتفاقيات خلال تلك الزيارة، والتي كان المجلس العسكري في المشهد السياسي، ولم يكن هناك إسلاميون أو إخوان مسلمون في المشهد السياسي، بل إن قطر عندما احتاجت مصر إلى دعم في مجال الوقود في 2013 قبل الانقلاب على مرسي قامت بالتبرع مجانا بإرسال خمس شحنات غاز، تم تسليم ثلاث شحنات منها خلال حكم مرسي، والاثنتان اكتملتا بعد الانقلاب عليه، ولم تمتنع عن ذلك، لأنها تؤمن أن هذا الدعم هو للشعب المصري الذي تربطنا به أواصر الأخوة والمحبة.

التخابر مع قطر .. إنها لسبة في جبين من يحكم مصر اليوم، أن يتم الحديث عن مثل هذه القضية، ويجند لها الإعلام المرتزق في مصر ليل نهار للإيهام على أنها قضية القضايا بالنسبة للشعب المصري، الذي بات يعاني أشد المعاناة في حياته المعيشية اليومية، ولإلهائه عن قضايا مصيرية تتعلق بالاقتصاد والمياه والفساد والأمن المرتهن للعدو والتراجع على صعيد، بما فيها التعليم الذي احتلت مصر فيها المرتبة 139 من 140 ..

أما الوضع الاقتصادي فحدث ولا حرج، فالدين الخارجي في 2015 كان 48 مليار دولار، قفز بنهاية مايو الماضي إلى 83 مليار دولار، أما الدين الداخلي فأصابني الذعر وأنا أحاول قراءته، بل لم أعرف حقيقة قراءة الأرقام من كثرتها، فالأرقام تتحدث أن الدين الداخلي يصل إلى 2.6 تريليون جنيه مصري، ما يعادل 260 مليار دولار، وهو ما يعادل 80% إلى 90% من الناتج القومي الإجمالي المصري، مما يعني دخول مصر مرحلة الخطر، ومرحلة الإفلاس.

أما الجنيه المصري فقد وصل مقابل الدولار إلى نحو 12 جنيها، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ مصر.

الأمر الآخر فيما يتعلق بالعجز المائي، فالذين هاجموا مرسي بدعوى سد النهضة، أين هم اليوم وقد انتهت إثيوبيا من 70% من بناء السد، ويوشك على العمل قريبا، وعندها سيعاني الشعب المصري الكثير فيما يتعلق بندرة المياه.

لقد روج الإعلام المصري ومرتزقته أن مرسي باع لقطر الأهرامات وقناة السويس ومبنى الإذاعة والتلفزيون " ماسبيرو " ..، وخلقوا الأزمات، ثم ماذا ؟ هل قدموا شيئا على ذلك .. بالطبع لا ..، كانوا يكذبون كما يتنفسون عبر أبواق مأجورة وهم أجراء.

اليوم وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، الذي أعلن انه لا يسعى لمنصب ولا لحكم ولا حتى لترقية وظيفية، مصر كلها "مرهونة" للخارج، بل هي اليوم "مختطفة "، فمصر تستحق من هو أفضل من هؤلاء ليحكمها، واذا ما استمر الوضع بهذه الصورة التي تعيشها، فان سلم الانحدار سيكون سريعا في مختلف المجالات.

السيسي اليوم ينسق مع "الإسرائيليين" في عملياته العسكرية ضد أبناء سيناء، التي يمارس ضدهم كل أشكال القمع والقتل بدعوى، ويتآمر على غزة بالتنسيق والتعاون مع " الإسرائيليين "جهارا نهارا، ويستقبل الوفود " الإسرائيلية " في السنة 365 يوما، والمسؤولون " الإسرائيليون" يعلنون ليل نهار أن علاقاتهم مع مصر تعيش أزهى عصورها بفضل " الرئيس " السيسي .. فمن يا ترى يستحق المحاكمة ؟ ومن يا ترى يشكل خطرا على الأمن القومي المصري والعربي ؟!

يحاكم أول رئيس منتخب في تاريخ مصر بتهمة "التخابر" مع قطر .. أي مهزلة هذه؟ إنها وصمة عار ستظل تلاحق السلطة الحاكمة والسلطة المنفذة والسلطة القضائية .. وأولئك المصفقون، وتلك الأبواق المأجورة.

لم يعرف عن قطر أنها تآمرت على أحد، فسجلها ناصع البياض، بينما آخرون يحاصرون غزة، ويقتلون جوعا أطفالها ونساءها وشيوخها .. فمن يا ترى المتآمر؟ ومن يا ترى يفترض أن يحاكم؟.

بالفعل إننا نعيش في زمن العجائب، ينطبق فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ : " الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ "

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)