كتاب عربي 21

تراث مؤسسي أضرّ به الانقلاب

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
ظلّت العلاقات الوطيدة ما بين الأسر المصرية تمثل سياجا حاميا على مر العصور، فقد ضحى كثيرون بمستقبلهم من أجل مستقبل أشقائهم الصغار، وفي سبيل توفير الحماية لباقي أفراد الأسرة، حتى كان الانقلاب العسكري المشؤوم، الذي فرق بين أفراد الأسرة الواحدة. 

حتى الغناء الذي ساهم في تجميع المصريين خلال الحروب وتنفيذ المشروعات الكبرى، تحول إلى التسبب في التفرقة والطعن في الآخرين، ولمثل ذلك تم توظيف أعمال درامية ومسرحيات.

وامتد الأمر خارج الأسرة المصرية إلى اهتزاز الثقة في الكثير من الثوابت التي ظلت عبر العصور تحظى بمكانة تصل إلى حد التقديس، منها مؤسسة القضاء المنوط بها تحقيق العدل بين الناس، فإذا بالبعض يراها قد تحوّلت إلى أداة في يد السلطة للبطش بالمناوئين لها، ولو كانوا من الأسرة القضائية ذاتها، وحتى لو كان رئيسا سابقا لنادي القضاة.

وعبر التاريخ ظل المصريون ينظرون إلى مؤسسة الجيش مؤسسة حامية للبلاد ضد أعدائها، يتسابقون لشرف الخدمة فيها، ولا يسمحون لأحد أن يتعرض لها بسوء، فإذا بالانقلاب يقلب نظرة التقديس تلك لدى البعض، عندما رأوا الجيش يناصر فريقا ويشارك في التنكيل بخصومه، بل ويستخدم أدواته ضد نفر من المصريين.
 
الأزهر أيضا ظل يمثل مؤسسة الوسطية الإسلامية ورمز الكفاح ضد الغزاة وضد الحكام المستبدين، وتحقيق الوفاق بين الفصائل الوطنية المتنازعة، فإذا به يتم توظيفه لصالح الفريق المالك للسلطة، وللتشهير بخصوم النظام، حتى ولو كانوا طلابا وطالبات يحتاجون للنصح والإرشاد، وليس إلى السجن لسنوات طويلة. 

التراجع ذاته في الثقة والمصداقية لحق إدارة الفتوى، عندما تم توظيف فتاويها لتثبيت اغتصاب السلطة والإطاحة برئيس منتخب، والسكوت عن سجنه، بل وإقرار إعدامه. 

وظلّت مؤسسة الكنيسة تحظى باحترام المصريين، وعندما اختفى رجال الأمن بعد ثورة يناير، قام الشباب المسلم بحمايتها، ولهذا صدم الكثيرون وهم يرونها تمارس دورا سياسيا، يناصر إبعاد الرئيس المنتخب.

الليبراليون المصريون حظوا أيضا باحترام الغالبية، وعندما عاد البرادعي رشحه الكثيرون حتى من بين الإسلاميين لرئاسة مصر، لكنهم انحازوا للانقلاب العسكري وسكت معظمهم عما ارتكبه النظام المغتصب للسلطة من مذابح متكررة، بل إن بعضهم برر تلك المذابح والمحارق، واتهم ضحاياها بأنهم السبب في ما حدث لهم. 

وظل هناك أمل لدى قطاع من المصريين في دور لجمعيات حقوق الإنسان لمناصرة المظلومين، ودعم الحريات، لكنهم فوجئوا بجمعيات حقوق الإنسان تتجاهل ما حدث من أعمال القتل والتعذيب والتشريد للمعارضين، لمجرد أنهم إسلاميين، بينما هم يهتمون أكثر بالدفاع عن حقوق  اليساريين والشيوعيين والليبراليين.

وكانت النقابات المهنية بمثابة النافذة التي تنفس من خلالها المهنيون خلال فترة مبارك، وكان لبعضها صوتا يخالف رؤية الحاكم، وشهدت تجمعات رافضة للكثير من المواقف الحكومية سواء على مستوى السياسة الداخلية أو الموقف من العدو الصهيوني.

وكان لنقابات المحامين والمهنسين والأطباء وغيرها مواقفا مشهودة، لكنه تم إجهاضها، ليكون الصمت هو موقفها تجاه ممارسات النظام الحاكم مهما كانت بشاعتها وغرابتها، ليس على مستوى التنكيل الأمني بالخصوم فقط، ولكن حتى على الجانب الاقتصادى والاجتماعي، بالصمت على مشروعات تم إقامتها بلا دراسات جدوى، ولا تمثل أولوية.

وظلت نقابة الصحفيين تمثل ملاذا لأصحاب الحقوق، وتحوّل سلم مبناها إلى منبر للتعبير عن الحقوق الضائعة لشرائح عديدة، تنوعت ما بين نشطاء يسعون للحرية، أو موظفون يطالبون بحقوق وظيفية، أو سكان للعشوائيات يطالبون بحجرات آدمية للسكن، إلا أن نقابة الصحفيين قد ناصرت الانقلاب، وسكتت عما ارتكبه من مجازر.

بل وسكتت عن قيام النظام المغتصب للسلطة بتغيير مجالس النقابات التي يشك في ولائها له، حتى أعضاء النقابة الذين تم حبسهم لم يكن لها دور مؤثر معهم، فتراجعت ثقة كثيرين بها، ولكنها لم تجد كثيرا من الأنصار على المستوى الشعبي بل والصحفي أيضا، حينما نالها شيء من أذى الانقلاب، بمبرر "من أعان ظالما سلطه الله عليه". 

حتى دول الخليج ظلت لها مكانة طيبة في نفوس المصريين، باعتبارهم أخوة في الدين وفي العروبة، لكن الانقلاب غير تلك الصورة الذهنية المتوارثة إلى صورة أخرى، تتضمن ضمن ما تحمله معاني التآمر والسعي لاجهاض التجربة الديموقراطية، ومحاربة أي ثورة شعبية. 

وهكذا تسبب الانقلاب بشروخ في المشهد المصري وعلى مستويات عدة، تصب فى مصلحة أعداء الوطن بالداخل والخارج، وهي شروخ من الصعب إصلاحها في الأجل القريب، وستؤجل لبعض الوقت عودة التلاحم الأسري والمجمتعي إلى سابق عهده قبل الانقلاب.
التعليقات (0)