مقالات مختارة

حرب دموية طويلة

راجح الخوري
1300x600
1300x600
هل كان من الضروري إطلاق تعهدات جديدة تذكرنا بطوفان التعهدات المماثلة التي سبقتها ولم تنفذ، وهو ما جعل "داعش" والإرهاب يتغوّلان في ما يشبه حربا عالمية ضربت حتى الآن في أكثر من عشرين بلدا؟

وزراء الخارجية العرب تعهدوا في نواكشوط بعد اجتماعاتهم التمهيدية للقمة العربية هزم الإرهاب، وقال سامح شكري: "يجب هزم الإرهاب، هذه أولوية"، بينما دعا ندّه الموريتاني أسلكو ولد أحمد إيزيد بيه إلى تنسيق أكبر مع الدول الأفريقية لتحقيق هذا الهدف!

لكأن التنسيق مع أفريقيا سيعوّض فضيحة التقصير التي سجّلها حتى الآن "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، الذي يضم 64 دولة، والذي شُكّل قبل أكثر من عامين، ليتباهى به باراك أوباما، وعلى رغم هذا تفشى الإرهاب، وصار ينفّذ جرائمه من أوكلاهوما إلى كابول، مرورا بعدد من العواصم الأوروبية، وصولا إلى البلدان العربية في المشرق والمغرب!

من المثير أن التعهّد العربي وصل من نواكشوط الأحد بعدما سبقه الأربعاء تعهّد دولي من قاعدة أندروز العسكرية خارج واشنطن جاء نتيجة اجتماع ثلاثين وزيرا للدفاع في الدول التي تشارك في التحالف الدولي، والذي يعمل على "الطريقة العربية"، فلطالما استمعنا إلى عدد من زعمائه يَعِدون بضرب الإرهاب واجتثاث "داعش"!

لطالما بشّروا بخطط، وعرضوا أجندات في خلال عامين، لكن من دون أي نتيجة حاسمة حتى الآن، بل على العكس صارت العمليات الإرهابية عابرة للحدود والقارات، وباتت تستعمل أسلحة لا تتمكن أجهزة الرصد من مصادرتها ووقفها، كالشاحنة التي دهست الناس في نيس مثلا، والفأس التي هاجمت القطار في ألمانيا، إضافة إلى المنجل وسكاكين المطابخ، وربما الحجارة!

آشتون كارتر يقول إنه "بفضل" التحالف الدولي والخطط الواضحة والمدروسة للحملة العسكرية والقوات المشاركة، و"بفضل" تضحيات قواتنا العسكرية [زاد الله فضلكم] بتنا نسيطر الآن على هذه الحرب، وحققنا نتائج على الأرض... ولكن ماذا عن الغريزة المتوحشة للقتل الكيفي والعشوائي، التي تتفشى في أكثر من بلد في العالم ؟

خطة التحالف الدولي تشمل ثلاثة محاور هي: أولا: "تدمير الإرهاب في سوريا والعراق"، ويمكن تحقيق هذا إذا توافرت الجديّة الميدانية المفقودة حتى الآن، ثانيا: "مطاردة التنظيم في كل أنحاء العالم"، وهذا صعب؛ لأن الإرهابيين الذي يخرجون لتنفيذ جرائمهم ذئاب نائمة داخل النسيج الاجتماعي، ثالثا: "حماية دولنا بالتعاون الأمني والاستخباري"، وهذا أمر قائم، لكنه لا يكفي!

عمليا تأخرت الدول العربية، وتأخر التحالف الدولي في العمل الجاد لوأد الإرهاب، قبل أن يتفشى كقنبلة عنقودية في كل العالم، والقضاء على الإرهابيين ليس معركة وتنتهي، إنه حرب مفتوحة على الأوكار وإيديولوجيا القتل وثقافة الموت، كمدخل إلى حياة في الجنة عبر قتل الآخرين، لكأن السماء حفّارة للقبور... إنها حرب دموية طويلة!

النهار اللبنانية
0
التعليقات (0)