قضايا وآراء

لماذا يختلف الشارع الثوري حول فكّ النصرة ارتباطها بالقاعدة؟!

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
رغم أنَّ فكَّ "جبهة النصرة" لارتباطها مع "تنظيم القاعدة" لم يكن مفاجئا، فقد ترك ردود فعل متباينة في الوسط الثوري، أو المحسوبين على الثورة السورية.

ولم يكن مستغربا هجوم النظام السوري وحلفائه، والغرب عموما، على "جبهة النصرة"، ووصف فك الارتباط بالشكلي، فهذه الأطراف تنظر لمن يحمل فكرا أقل تشددا من النصرة بعين الريبة، وتضعه في خانة الإرهاب. ولكنّ الغرابة في مواقف الثوار، أو المحسوبين على الثورة الذين خرجوا طلبا للحرية، والانعتاق من سجن الاستبداد؛ إذ ظهر شرخ كبير فيما بينهم، فمنهم من عدها خطوة تاريخية، وعلّق عليها آمالا كبيرة، ومنهم من عدها خطوة جيدة تحسب للنصرة، ومنهم من اعتبرها بداية انخراط حقيقي للنصرة في أجندة الثورة السورية، ومنهم من عدها حركة تكتيكية لا تُقدم ولا تؤخر، ومنهم من عدها خدعة جديدة من تنظيم إرهابي متطرف للشعب السوري لخطف ثورته.

 ويمكن حقيقة تقسيم مواقف الوسط الثوري لثلاثة أقسام رئيسية:

قسم ثوري على الأرض يحمل السلاح، أو يعيش الثورة واقعا معاشا على الأرض، ويقدم التضحيات دماء ومعاناة، وهذا القسم لعب دورا كبيرا في فكِّ النصرة لارتباطها بالقاعدة، فضغط على النصرة لسحب الذرائع أمام قصف المدنيين، ولسحب الموانع أمام وحدة بندقية المعارضة، وهذه الفئة تضمُّ الوطنيين والإسلاميين، ولا تعبأ هذه كثيرا بالأجندة السياسية ولا سيما المستقبلية، إنما تهتم بوقف شلال الدماء والدمار والإطاحة بالأسد، وهذا ما جعلها تستقبل فك "جبهة النصرة" ارتباطها بالسرور نظرا لما تمتلكه "جبهة النصرة" من قوة عسكرية تساعدها على الإطاحة بالأسد.

ومن هنا نفهم مسارعة بعضهم لطرح فكرة الاندماج بين الفصائل وتشكيل نواة جيش سوري يكمل التحرير؛ إذ يختلف كثير من أبناء هذه الفئة الثورية، وطنيين وإسلاميين، مع "جبهة النصرة" ومنهجها المتشدد ونظرتها السياسية، لكنّهم يرون تأجيل الخلاف لما بعد الأسد، حيث يكون الخيار للشعب لا لجبهة النصرة أو غيرها من الفصائل.

وقسم ثوري أقل اندفاعا من الأول، وانحصر هذا القسم في القادة والنخب السياسية والفكرية على العموم، فرحب هذا القسم بالخطوة، وباركها لكنه اعتبرها غير كافية، فلا بدّ أن تتبنى النصرة "جبهة فتح الشام" مطالب الثورة السورية، وترفع عملها.

وينطلق هذا القسم من رؤية سياسية واقعية ومستقبلية، فهو على يقين أن أمريكا وروسيا والغرب لن يغيروا مواقفهم ما لم تتبن "جبهة فتح الشام" نهجا مغايرا يختلف عن النصرة، ويلاحظ في هذا القسم تركيزه على الجانب السياسي دون النظر للجانب العسكري الميداني، ومتطلبات المرحلة.

وقسم ثالث يدعي حراسة الثورة، هاجم النصرة هجوما عنيفا، ووصف الانفكاك بالخدعة الخبيثة التي لا تنطلي على أحد، وعدّ النصرة ومثيلاتها خطرا يهدد علمانية سوريا، ويهدد العيش المشترك فيها.

وبالعودة للمواقف الثورية الثلاثة، نجد أنّ كل موقف ينطلق من فئة معينة وإيديولوجيا معينة. فالفئة الأولى التي تمثل جلّ من يحمل السلاح لا ترى خطرا في "جبهة النصرة" بل تعده فصيلا ثوريا، ويبارك قسم منهم أسلمة الثورة، ويراه شيئا إيجابيا ولا سيما في المرحلة الراهنة. فالمجتمع السوري في طبعه مجتمع مسلم متدين، ولا بأس من توظيف العاطفة الدينية، ولا يرى هذا القسم تعارضا بين أن تكون سوريا إسلامية وبين أن تكون للجميع، فسوريا حُكمت بنظام إسلامي ثلاثة عشر قرنا، وحافظت على الأقليات، بل وترى هذه الفئة أن فرض صفة معينة (اشتراكية، ليبرالية، يسارية، علمانية...) من الخارج خيانة للوطن والخيار الوطني، ولا يعني هذا القبول برؤية النصرة وطريقتها في أسلمة الثورة.

أما الفئة الثانية التي تمثل القادة والنخب، فنلاحظ أنها تمسك العصا من المنتصف، فلا تريد إغضاب الشارع الثوري حتى لا يلفظها، ولا تريد إغضاب الدول حتى لا تُنبذ، ولا تمانع أن تكون سوريا ذات مرجعية إسلامية.

والموقف الثالث يمثله صراحة قلة من المنخرطين في الثورة على الأرض فعليا، يمثل العلمانيون المتشددون رأس حربة فيه، وجميعهم تقريبا لا وجود لهم على أرض الثورة السورية، فمنهم من هرب كي لا يدفع فاتورة الدم، ومنهم من خرج مكرها، ويقيم معظمهم في الغرب، ويمارس هذا الصنف إرهاب داعش على السوريين دون أن يشعر، فيفرض عليهم شكلا وهوية معينة لسوريا، ويرفض طرح الآخر الذي شاركه الثورة، ويريد وطنا على مقاسه هو، وصادق النيّة فيهم يريد مدينة فاضلة قبل انتهاء الثورة دون النظر لتكالب الشرق والغرب على ثورة شعب، وُضعت رغما عنها أمام خيارات مرة، فلم تجد بدا من اختيار الأقل مرارة بانتظار قطف الشهد.

وبغض النظر عن فك "جبهة النصرة" ارتباطها مع "تنظيم القاعدة"، وتشكيل فصيل "جبهة فتح الشام"، فإنه فصيل سوري 90% خدم الثورة -شئنا أم أبينا- قدّم أبناؤه السوريون تضحيات جساما لوطنهم لم يقدمها غيرهم، وعلينا إن كنا وطنيين ونحرص على سوريا؛ تقبلهم، والحوار معهم، وتصويب أخطائهم، والأخذ بيدهم نحو الاعتدال لا دفعهم للدعشنة، فالوطن ليس حكرا لفئة أو طائفة، وتفصيله على مقاس نظرة طائفية، أو عائلة (سوريا الأسد) لم يأتِ إلا بالخراب.

ويفرض المنطق العسكري والسياسي مباركة فك الارتباط، فالثورة تمر بمنعطف خطير تحتاج فيه لكل بندقية تقف إلى جانبها، ولا يحتمل الوضع السوري مزيدا من التشظي، وما دامت الفصائل الثورية المسلحة العاملة على الأرض باركت الخطوة، ورأتها تصب في صالح الثورة، فينبغي تأمين الغطاء السياسي، وليس الآن وقت المناكفات والتحزبات السياسية، ولا سيما أنّ الشرق والغرب بات يطرح جهارا نهارا التقسيم حلّا للأزمة السورية.

فجبهة فتح الشام أو غيرها غدت فصيلا سوريا لا سوريا، فالوطن أكبر من كل فصيل ونظرية وإيديولوجيا، وكذلك الثورة، والعبرة دائما ليست في شعارات المرحلة الراهنة، فالنظام السوري "العلماني، القومي" يتخندق بطائفية بغيضة، ولا بأس في استعانة الثورة بالمتشددين دون التخلي عن ثوابت الثورة، فالقرار النهائي للشعب.
التعليقات (0)