قضايا وآراء

أطفال حلب ينتصرون على القيصر

محمد يوسف الحمادي
1300x600
1300x600
في كل معركة تتقدم النخب المدربة وطلائع الفدائيين؛ الجيوش إلى الخطوط الأولى لساحات القتال، بهدف الاقتحام وفتح الثغرات في صفوف العدو، إلا في ملحمة حلب الكبرى، فقد سبق صغارها الكبار إلى الجبهات لتنفيذ مهمات عسكرية حساسة، ظهروا فيها فرحين بما أوكل إليهم؛ لأنهم هذه المرة سيلعبون كشركاء حقيقيين في لعبة الكبار السائدة في البلاد، وعامل أساسي من عوامل النصر التي سيذكرها التاريخ.

انتصر أطفال حلب على القيصر وعماله في الشرق؛ لأنهم كانوا العامل الأساسي في تحول حلب من مُحاصَرة إلى مُحاصِرة لمن يحاصِرُها، فبفضل "إطاراتهم المحترقة" تقدم الثوار سريعا في معركة "حلب الكبرى" بعد غياب الطيران الحربي عن الأجواء في الساعات الأولى لانطلاق المعركة، وهو ما كشف حصون الأسد ومنع عنها الحماية الجوية. وهنا يمكننا القول بأن لعبة أطفال حلب لقنت القيصر بوتين وجيشه درسا قاسيا في البطولة، وعلمته فنا جديدا في العلوم العسكرية.

الحصار المعد له على مدى شهور طويلة انهار بساعات أمام هجوم الثوار المفاجئ، فروسيا ومليشيات إيران والأسد وحزب الله استماتوا جميعا في سبيل كسر عزيمة حلب وإرضاخها، بعد أن ظنوا بأن المجازر وحجم الموت سيعجل في إركاع أهل المدينة، فطال حقدهم الأعمى الحجر والشجر قبل البشر، وتناثرت حمم بارودهم في كل مكان، لكن ثبات الثوار ووحدتهم تخطى حواجز التفوق في العدة والعتاد فتهاوت أمامهم الحصون، وفرت عناصر الخصم مذعورة مدحورة.

إفلات الغرب من استحقاقات المأساة السورية، وترك الساحة لروسيا تصول وتجول مع حلفائها كما يحلو لهم، دفع الثوار إلى توحيد كلمتهم ورص صفوفهم أمام مذبحة بني قومهم، فلا وعود بالتسليح صدقت، ولا مباحثات سياسية أثمرت، حتى أن هدنة (كيري - لافروف) ولدت عاجزة منذ لحظتها الأولى، وما كنا نسمعه في خوالي الأيام من أصوات تندد وتشجب الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء؛ خفتت واضمحلت، وبقيت المجازر الشاهد الأبرز على الساحة السورية.

لعب بوتين على استثمار وشراء ضعف أوباما الهزيل (الذي يحاول قتل ما تبقى له من وقت في إدارة القوة الأكبر عالميا)، فظهر كراع للعملية السياسية ولاعب أبرز في حياكة خيوطها، لكنه في المقابل زاد من وتيرة دعمه العسكري لنظام الأسد، وسخّر كل مقدرات بلاده العسكرية لخدمة القضاء على الثورة والثوار، دون رادع قانوني أو أخلاقي يلجم قواه عن قتل المدنيين في ملاجئهم ومستشفياتهم.

سيقول التاريخ كلمته، والثوار أيضا، بأن حلب فتحت صفحة جديدة من صفحات الثورة السورية، سطرتها بعبارة قوة الحق وعزيمة أهل الأرض لا تجاريها قوة محتل مهما عظمت، وبأن من يبحث عن استعادة أمجاد روسيا القيصرية سيجر يوما ذيول الخيبة والهزيمة؛ مغادرا سوريا إلى غير رجعة.

في سوريا باتت الحرب لعبة الكبار والصغار، فحبال الأراجيح ربطت بفوهات الدبابات، والبنادق الخشبية موجهة نحو الطيران الفتاك تروي قصة الحرب على لسان الأولاد. ولعل مشاهد حلب وأطفالها الفرحين بلعبتهم الحربية كانت أقوى وأشد تأثيرا في الرأي العام وحديث الجميع؛ لأنها تعبر عن إرادة القوة، وحكمة لا تجاريها حكمة بأن العين الحالمة بالحرية ستنتصر على مخرز القتل والإرهاب والدمار. قصة قالها الصغار قبل الكبار بأن حلب ستبقى أمل السوريين، ولن تكون فاجعتهم، سيحررها الثوار وتعاد التجربة في مدن سورية أخرى.
التعليقات (0)