مقالات مختارة

شكرا على "حضارتكم"!

عبد الناصر بن عيسى
1300x600
1300x600
عندما قلنا إن السباق نحو قصر الإليزيه في فرنسا سيكون عبر "خندق" ثلاثي الأبعاد، وهو الإسلام والعرب والجزائر، لم نكن نتصور بأنه سيبلغ هذه الدرجة من الانحطاط، الذي جعل أحد الحالمين بقيادة فرنسا السيد فرانسوا فيون، وهو برتبة رئيس وزراء سابق، يقول كلاما فريدا من نوعه، معتبرا استعمار بلاده لشمال إفريقيا وللجزائر على وجه الخصوص، مجرد تقاسم حضارة فرنسية عريقة مع هذه البلدان، التي لا تمتلك حضارة، أو ربما كان منّا عليها، وإخراجها من الظلمات التي عاشتها إلى النور الفرنسي.

وإذا كانت الرسالة من الرجل واضحة ولا تحتاج إلى أي تفسير، ولا نظن بأن الفرنسيين أنفسهم سيصدقونها، فإنه طالبهم بالافتخار بالأمجاد الفرنسية، التي جعلت الفرنسي يُؤثر على نفسه، ويتحمل عبء نقل رسالة الحضارة إلى بلدان أخرى، واعدا بكتابة تاريخ جديد، لا يختلف عما تصنعه الدولة الصهيونية في فلسطين، عندما حوّلت الاستعمار إلى وجود، وغيّرت بالكامل الشكل التاريخي والجغرافي لفلسطين في أكبر حملة تهويدية، وقد تطلّ علينا فرنسا بعد سنوات، لتطالب بحقها، نظير نقلها للحضارة إلى الجزائر، وحتى ثمن تعليمها اللغة الفرنسية للجزائريين.

ولم نسمع لحد الآن عن أي ردّ فعل اتجاه هذا المترشح اليميني، الذي حاول تحوير الردّ الفرنسي على اتهامات جرائم الاستعمار إلى هدايا ثقافية وحضارية كانت تُتعب فرنسا وتضحي في سبيل نقلها إلى بلدان، حان الوقت لتقدم لفرنسا شكرا موثقا، وتعتذر لها عما فعله "السفهاء" منها، من الذين ثاروا في وجهها أو أرادوا تجريمها.

هل هي حملة انتخابية على الطريقة الفرنسية، أم إيمان فعلي بأن لفرنسا فضلا علينا حتى في الإبادات الجماعية والمجازر البشرية وهتك الأرض والعرض؟

وهل صمت الجزائريين وغيرهم من الشعوب المغاربية والإفريقية التي هي أيضا معنية بهذا "الهراء" المنطلق من مسؤول سابق كبير ومترشح للرئاسيات، صمت العقلاء أم هو "اقتناع" داخلي بصحته؟

أسئلة تأكد مع مرور التجارب أن عدم الردّ عليها، قولا وفعلا، سيجعل الفرنسيين يتمادون، وقد ينتقلون من التلميح إلى نقش ما يقولون على أرض الواقع، كما حدث في الكثير من القضايا التي علمنا متأخرين بأن ما كان يقال هو مجرّد "بالون" اختبار، من دولة لا تتوقف دقيقة واحدة عن ذرف دموع حسرة، على مستعمرات فقدتها، ومنها على وجه الخصوص الجزائر.

لكن ما يجب احترامه في الخطاب السياسي الفرنسي، ضمن الحملة الانتخابية الملتهبة حاليا، هو الاجتماع حول كلمة واحدة، لأجل خدمة فرنسا على حساب بقية الشعوب، ومنها التي تشكل جزءا من المجتمع الذي يعيش في فرنسا، ولأن الجرأة لا تكون إلا إذا ظهرت مؤشرات "جُبن" لدى الطرف الآخر، فإن "مارين لوبان" أو "نيكولا ساركوزي" أو"فرانسوا فيون" ما كان بمقدورهم أن يقولوا، لو لم يلمسوا بعضا من الجبن وكثيرا من الصمت في الطرف الآخر، معجون بالتطبيب في مستشفياته، والتودّد إليهم وتفضيلهم على الآخرين، بمن فيهم الأقربون، وطلب جنسيتهم والتحدث بلغتهم؟

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)