اقتصاد عربي

دخول الجيش المصري الأسواق يهدد صناعة وتجارة المواد الغذائية

مجند يبيع منتجات الجيش الغذائية على إحدى البسطات
مجند يبيع منتجات الجيش الغذائية على إحدى البسطات
اشتكى مصنعون وتجار من امتداد نشاط القوات المسلحة المصرية إلى أسواق المواد الغذائية، ونشر منتجات شركات الجيش في الميادين والشوارع، والبيع بأسعار مخفضة، نظرا لانخفاض تكاليف إنتاجها.

ولا يكاد يمر شهر دون أن يعلن الجيش عن فتح منافذ بيع جديدة هنا أو هناك، ما دفع متخصصين وخبراء اقتصاديين للتحذير من مغبة تعاظم هذا النشاط التجاري البحت، ومزاحمة التجار في أسواقهم، والتسلل من خلال شعارات مكررة، مثل منع الاحتكار ومواجهة جشع التجار واستغلال البائعين.

وقال أحمد أبو يوسف، وهو تاجر جملة بمحافظة الجيزة، لـ"عربي21": "اليوم، الجيش ينافسنا في أرزاقنا، بنشر سياراته في كل حي، وبيع منتجاته في الأسواق للمواطنين، والوقوف بالسلع الغذائية أمام المتاجر والمحلات، دون الخضوع لقانون إشغال الطرق، وفرض أي مخالفات مالية عليهم".

لعب دور التاجر

وحذر أبو يوسف من "محاولة الجيش تقديم نفسه كبديل لمئات آلاف التجار؛ الذين يعمل لديهم مئات الآلاف من العمال، ويكسبون لقمة عيشهم من التجارة، تحت مزاعم محاربة الغلاء الذي تسبب فيه النظام"، مشيرا إلى تراجع مبيعات بعض تجار الجملة والتجزئة في الأسواق.

وتساءل: "من الذي هبط بقيمة الجنيه مقابل الدولار؟ من المسؤول عن توفير العملة الصعبة للمستوردين والمصنعين في البنوك؟ من الذي يدعم احتكار بعض السلع والمواد الخام؟ أليست الدولة؟"، مضيفا: "كان الأجدر بالنظام توفير الدولار، ومنع الاحتكار، والقضاء على المحسوبية والفساد قبل كل شيء"، وفق قوله.

تدخل الجيش كساد وبوار

بدوره، وصف محمد عبد الله، وكيل إحدى شركات المنتجات الغذائية التي تعمل في تصنيع العصائر والمربيات والصلصة، محاولة بسط القوات المسلحة يدها على أسواق المواد الغذائية بـ"العودة إلى العصر الاشتراكي".

وقال لـ"عربي21": "إن لعب الإعلام لدور المحرض ضد التجار والمصنعين، واتهامهم بالاستغلال والجشع، هو ضرب من الخداع، وتزييف للحقائق، واللعب بمشاعر المواطنين، من أجل الظهور بمظهر المنقذ، في حين أن ما يحدث مخالف للقانون، وللمنافسة العادلة"، وفق تقديره.

وعدد عبد الله أسباب انخفاض سعر منتجات القوات المسلحة، قائلا: "لا يدفع الجيش إيجارات لاستغلال الشوارع، ولا يدفع مرتبات للجنود الذين يسخّرهم للعمل لديه، ولا يدفع ضرائب في خزائن الدولة، وتعمل مصانع بكامل طاقتها دون فواتير مياه أو كهرباء أو غاز، ويُسمَح له بالاستيراد من الخارج دون جمارك.. فماذا تنتظر بعد ذلك؟".

وكشف عن "تراجع إنتاج المصانع في العديد من سلع المواد الغذائية؛ بسبب المنافسة الكبيرة لمصانع الجيش لمنتجاتهم التي تقدم نفسها على أنها بديل لمواجهة غلاء الأسعار"، معتبرا أن تأثر المصانع والوكلاء، ومن ثم الموزعين والتجار، وأخيرا البائعين "قد يتسبب في ركود سيتضاعف بمرور الوقت، ليصبح كسادا وبوارا".

الخروج بلا عودة

من جهته، وصف أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، وضع التجار بالصعب. وقال لـ"عربي21": "التجار وضعهم أصبح سيئا؛ نتيجة دخول الجيش في مجالاتهم، حيث بدأ يؤثر بالسلب عليهم".

وأضاف: "بمجرد دخول الجيش لأي مجال سوف يستفيد من مميزات خاصة به، ومن ثم يبدأ خروج التجار والمصنعين شيئا فشيئا من المنافسة".

وحذر شاهين من تنامي ظاهرة عسكرة الاقتصاد، مؤكدا أنه "في اللحظة التي سوف يحتكر الجيش فيها جزءا من الأسواق سيكون هناك أثران سلبيان، أولهما ارتفاع في الأسعار، وثانيهما انخفاض في الإنتاج، والأثر الثالث المترتب على الأثرين السابقين هو رداءة الإنتاج لعدم وجود بديل، وهناك شواهد عديدة في الماضي".

وانتقد غياب العدالة في دخول الجيش كمنافس للتجار والمصنعين، قائلا: "البيع بأسعار خارج المنافسة سوف يضر بأكثر من اتجاه، فالجيش يستفيد من استحواذه على الصفقات والمناقصات بالأمر المباشر، والحصول على السلع بدون جمارك، والبيع بدون ضرائب، والإنتاج دون دفع رسوم خدمات، أو أجور عمال وموظفين".

الأسر المالكة والجيش

أما الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، محمود العربي، فأنحى باللائمة على "الممارسات الاحتكارية التي تمارسها بعض الشركات الكبيرة، والتي دفعت الجيش للتدخل، ولكن يجب أن يكون مؤقتا وغير دائم".

وقال لـ"عربي21": "إن الاعتماد على القوات المسلحة لحل بعض الأزمات الاقتصادية خطأ فادح"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "الصناع والتجار يبالغون في رفع هامش الربح، لكن هذا لا يعطي مبررا للجيش لأن يدخل في منافسة في الاقتصاد؛ لأنه جهد مدني محض، ومهمة الجيش هي تأمين البلاد والحدود، وتوفير الأمن".

واتهم العربي الدولة بالتقاعس عن ممارسة دورها في مراقبة الأسواق ومنع الاحتكار، وحماية المستهلك، مؤكدا أن الحكومة المصرية "أشبه بحكومة تسيير أعمال، أياديها مرتعشة، ليس الآن بل منذ عقود؛ وهو ما سمح بممارسات احتكارية، واستحواذ أسر تعد على الأصابع على مقدرات البلاد"، وفق قوله.
التعليقات (0)