بورتريه

مير قاسم علي.. فضل الموت على طلب رحمة من الرئيس (بورتريه)

مير علي قاسم
مير علي قاسم
لم يطلب عفوا من رئيس جمهورية بنغلادش محمد عبد الحميد، وفضل الموت على ذلك، تماما كحال سيد قطب، الذي صادفت ذكرى إعدامه موجة الإعدامات الجديدة في بنغلادش لعدد من قيادات "الجماعة الإسلامية".

التحق بركب أربعة من قادة "الجماعة" الذين تم إعدامهم بعد محاكمات سياسية أدانتها تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى جانب عدد من المراقبين الدوليين وبعض القوى السياسية البنغالية. 

رجل الأعمال، والداعم المالي لأحد أكبر الأحزاب الإسلامية في بنغلادش، ومؤسس أول بنك إسلامي بالبلاد "البنك الإسلامي المحدود"، ومؤسس عدد من المنظمات الخيرية والمؤسسات الإعلامية والجامعات والشركات والمدارس، يعدم على "جرائم حرب" وقعت في عام 1971 في مرحلة "انفصال" بنغلادش عن باكستان، بحسب الحكومة البنغالية.

مير قاسم علي، المولود في العاصمة البنغالية دكا في كانون الأول/ ديسمبر عام 1952، انضم في مرحلة مبكرة جدا من حياته إلى "رابطة الطلاب الإسلامية" في عام 1967، وعين لاحقا رئيسا للرابطة في الجامعة قبل أن يصبح الأمين العام لـ"الرابطة الطلابية الإسلامية لباكستان الشرقية" قبل تسميتها بنغلادش.

انضم قاسم إلى "الجماعة الإسلامية" كناشط في عام 1980، وأصبح لاحقا أحد قادة "الحزب الإسلامي" الذراع السياسية لـ"الجماعة الإسلامية" داخل الجامعات وأمين صندوق "الجماعة"، وتولى أيضا ممثل "الجماعة" لدى "رابطة العالم الإسلامي" بالسعودية، وشغل عضوا في المجلس التنفيذي المركزي لـ"الجماعة"، وهو أعلى هيئة لصنع القرارات والسياسة في "الحزب الإسلامي".

إبان "حرب انفصال" بنغلادش عن باكستان التي شارك فيها "المتمردون البنغال" بدعم من الهند والاتحاد السوفييتي في مواجهة الجيش الباكستاني، عارض العلماء والمشايخ "حرب الانفصال" أو ما تسمى "حرب الاستقلال"..

غير أن الإسلاميين أعلنوا دعم الجيش الباكستاني فكريا لآخر لحظة، ولم يثبت عنهم تقديم دعم فعلي لباكستان لمنع "الانفصال"، كما أشيع عنهم من أخبار تدور حول ادعاء إنشاء "الجماعة" لمليشيا "البدر" وتنصيب مير قاسم علي زعيما عليها إلى جانب زميليه الشيخ مطيع الرحمان نظامي والشيخ علي إحسان محمد مجاهد.

تولي مير قاسم علي منصب المسؤول الإداري لـ"الجماعة الإسلامية" في مدينة شيتاغونغ بعد "الانفصال"، ثم اضطر إلى ترك البلاد متوجها إلى السعودية ليقضى بها نحو أربع سنوات، ليعود إلى بنغلادش في عام 1975، عقب إصدار عفو عام من قبل حكومة مجيب الرحمن زعيم حزب "عوامي" العلماني.

وعقب عودته إلى بنغلادش، تم تأسيس "بنك بنغلادش الإسلامي" الذي يرتبط بمصرف الراجحي السعودي الذي يمتلك نسبه كبيرة من أسهمه بنحو 60%، والباقي موزع بين الكويت وقطر والإمارات.

وتولى مير منصب مدير البنك، وأسس من خلاله إمبراطورية تجارية ومالية تخدم "الجماعة"، إضافة إلى مشروعات خيرية ليصبح من أكبر ثلاثة بنوك في جنوب آسيا.

وتوسعت نشاطات مير إلى دعم الجماعات الإسلامية "الجهادية" في بورما وأفغانستان.

ونتيجة لهذا النشاط، حذر مجلس الشيوخ الأمريكي بنك "HSBC" من التعامل مع "بنك بنغلادش الإسلامي" بحجة تخصيصه نسبه 8% من إجمالي الزكاة "للمجاهدين" من البلدان السابق ذكرها.

وضع مير استراتيجية لـ"الجماعة"، وهي الانتشار وسط الطبقات المتوسطة والفقيرة في المجتمع البنغالي، فاستطاع نشر شبكة اقتصادية ضخمة تشمل كافة القطاعات المالية والصحية والتعليمية والنقل.

وأمام هذا التمدد والنفوذ وقوة"الجماعة"، قامت حكومة بنغلادش بزعامة الشيخة حسينة واجد وحزب "العوامي" العلماني في مطلع عام 2009، بإنشاء "محكمة حرب دولية" مختصة بالنظر في أحداث "انفصال" بنغلادش عن باكستان عام 1971.

وألقي القبض على عدد من قادة "الجماعة الإسلامية"، ومن بينهم مير قاسم علي عام 2012.

وجهت له اتهامات تدور حول إنشاء الجماعة لمليشيا "البدر" وتعذيب وقتل هندوس وبعض القوميين البنغال ممن دعوا إلى تأسيس "دولة بنغلادش" المستقلة أثناء أحداث "حرب انفصال المنطقة الشرقية عن باكستان".

وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم قبل أيام قليلة في سجن "كاشيمبور" المشدد الحراسة في "جازيبور" على بعد نحو 40 كيلومترا شمالي العاصمة دكا، وسط تشديد الإجراءات الأمنية خارج السجن وفي العاصمة.

وتعد "الجماعة الإسلامية" في بنغلادش واحدة من أكبر الكيانات السياسية الدينية في البلاد، فضلا عن كونها أكثر جبهات المعارضة تأثيرا وقوة في الشارع السياسي، ويعود تأسيسها إلى1941، بقيادة أبي الأعلى المودودي، أول أمير لها.

وفي عام 1947، ومع إعلان قيام دولة باكستان، انتقل المودودي مع زملائه إلى لاهور، حيث أسس مقر "الجماعة الإسلامية". وفي عام 1948، ألقى المودودي أول خطاب له في كلية الحقوق، وطالب بتشكيل النظام الباكستاني طبقا للقانون الإسلامي، وهو ما قوبل بالرفض حينها ليجد المودودي نفسه أسير الاعتقال برفقة بعض عناصر "الجماعة".

بعد عام واحد فقط على الاستقلال، طلب المودودي إعفاءه من منصبه كأمير لـ"الجماعة الإسلامية" لأسباب صحية، وانصرف إلى البحث والكتابة.

وعندما بدأت بوادر "انفصال" بنغلادش عن باكستان عقب حرب استمرت شهورا بين "الانفصاليين" والجيش الباكستاني، كانت "الجماعة الإسلامية" من مؤيدي "الوحدة" وعدم انفصال بنغلادش عن باكستان.

ولم تنس الحكومة الجديدة في بنغلادش بعد الاستقلال الدعم الذي قدمته الجماعة الإسلامية لباكستان، خاصة أنها من أوائل الرافضين لـ"الانفصال"، لذا فقد كان الانتقام من أعضاء "الجماعة" أول بند على قائمة أولويات رئيسة الحكومة الشيخة حسينة.

وضمن سعي رئيسة الوزراء الشيخة حسينة تثبيت الوجود العلماني والتخلص من منافسيها السياسيين، فقد كان تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة تسعة أفراد من قادة "الجماعة الإسلامية" وفق قانون خاص أطلقت عليه "قانون المحكمة الدولية الخاصة للفصل في قضايا جرائم الحرب في عام 1971".

وعلى الفور، ومن خلال قضاة تم اختيارهم بعناية شديدة، صدرت أحكام الإعدام على بعض رموز "الجماعة".

و"حزب عوامي" العلماني الذي يتولى الحكم في البلاد من أشد الأحزاب عداء للإسلاميين، إذ دفعته كراهيته لهم إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات التعسفية منذ ولايته في 1975 وحتى الآن، ساهمت بشكل كبير في تدني مستوى المسلمين في بنغلادش، من خلال قتل العلماء والدعاة وإغلاق المدارس الإسلامية، وعمل من خلال منظومة إعلامية فاسدة على هدم القيم الإسلامية.

ويأتي الحكم في وقت تعاني فيه الدولة ذات الأغلبية المسلمة من سلسلة هجمات نفذها "متشددون" كان أخطرها في الأول من تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم مسلحون مقهى في العاصمة داكا وقتلوا 20 رهينة أغلبهم أجانب.

وأثارت محكمة "جرائم الحرب" التي أنشأتها الشيخة حسينة، أعمال عنف واتهمها سياسيون معارضون، منهم زعماء "الجماعة الإسلامية"، بأنها تستهدف خصوم حسينة السياسيين، فيما تنفي الحكومة هذه الاتهامات.

وتقول جماعات حقوق الإنسان، إن إجراءات المحكمة افتقرت للمعايير الدولية، ولكن الحكومة ترفض ذلك.

أحكام الإعدام وآخرها إعدام مير قاسم علي أثارت تنديدا وغضبا دوليين؛ فقد استنكر نائب مرشد الإخوان المسلمين في مصر، إبراهيم منير، إعدام مير معتبرا "إعدامه ظلما وعدوانا بعد محاكمات سياسية غير عادلة أدانتها كل تقارير منظمات حقوق الإنسان والمراقبين الدوليين وكافة القوى السياسية البنغالية"، واصفين إياها "بافتقارها لأدنى ضمانات العدالة وأنها ذات دوافع سياسية".

وأعربت تركيا، عن أسفها لإعدام مير، بحسب بيانٍ صادر عن وزارة خارجيتها. وأفاد بيان الخارجية، بأن هذه "الإعدامات لن تضمد الجراح التي عاشتها بنغلادش في الماضي"، متمنية "ألا تتسبب تلك الأمور في إحداث شرخ داخل المجتمع البنغالي"..

وهو ما يتفق مع ما قاله رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، الذي طالب رئيسة الوزراء الشيخة حسينة بـ"إعمال العقل، وعدم إدخال البلاد في دوامة الصراعات الداخلية التي لا تنتهي" ودعاها إلى "الوقف الفوري لتلك الأحكام العبثية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين على ذمة هذه القضايا المفتعلة، والبدء في إجراءات المصالحة الوطنية الشاملة".

ورغم كل ما قيل، فإن المؤشرات لا تشير إلى قرب وقف هذه الإعدامات، فالحكومة ماضية في تصفية خصومها السياسيين، وهي لا تطال الإسلاميين فقط وإنما شملت رئيسة الوزراء السابقة رئيسة "الحزب الوطني" خالدة ضياء، التي أعدمت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

 الشيخة حسينة تتخلص من خصومها الأقوياء، في طريقها لفرض رؤية حزب "عوامي" الليبرالية والعلمانية على البلاد التي تعيش ظروفا اقتصادية خانقة.
التعليقات (0)