قضايا وآراء

الـ"جاستا" (1)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
"جاستا" هو أحدث تشريع أمريكي أقام الدنيا ولم يقعدها، ويبدو لي أن هذا الـ"جاستا" سوف يكون حديث العالم العربي لعقود، وأنه سيؤرخ لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة العربية أو ما تبقى منها، فما هو جاستا؟ 

Justice Against Sponsor of Terrorism Act - JASTA

الـ"الجاستا" هو تشريع أقره الكونجرس رغم أنف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والكلمة اختصارا لتعريف القانون الذي يعرف بأنه "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يسمح للمحاكم الأمريكية بالنظر في قضايا مرفوعة ضد الدول التي ترتبط بعمل أو أعمال إرهابية.

مضت سنة الدبلوماسية الدولية أن للدول والحكومات حصانتها من أن تقف متهمة أمام محاكم الدول الأخرى، فما بالك بالدول الصديقة والحليفة والتي تحتفل بشراكتها بمناسبة وبغير مناسبة؟
 
مر ذاك الزمان وجاء آخر، ويبدو لي أن أمورا كثيرة ستتغير معه، وأقصد هنا أن خريطة توزيع الجغرافيا القديمة والتي ارتبطت بالثروة والسلطة والتبعية، أو ما يعرف بالدفاع عن الأصدقاء مقابل اقتسام ثروتهم قد ولى، ذاك زمان والقادم مختلف.
 
قد يراهن البعض على فكرة أن المملكة العربية السعودية مستهدفة ولكنني لا أراها هكذا، اللهم من أداء سلطتها في المقام الأول، وأطرح السؤال بالعكس، وهو: لماذا تستهدف؟ وممن؟

لا تغضب عزيزي المشاهد إذا قلت لك أن سياسة المملكة على مر العقود لم تكن أبدا متصادمة مع أمريكا، لا مصالح أمريكا، ولا أصدقاء أمريكا القدامى ولا الجدد. 

المملكة العربية السعودية ومنذ تأسيسها لم تدخل معارك ضد أمريكا أو ضد أي من حلفائها، بالعكس فقد وقفت وبعض سفرائها في امريكا كانوا كثيرا ما يرددون ذلك في الصحافة والإعلام الأمريكي تحديدا عبر منظمات ضغط أنشأتها المملكة لتسويق شراكتها مع أمريكا، وكان معظم هؤلاء السفراء من يتحدثون وبفخر عن علاقة الشراكة والدعم اللامحدود للسياسة الأمريكية في المنطقة بل والعالم ما ما أمكن.
 
مولت السعودية الحرب على الاتحاد السوفيتي في أفغانستان تحت راية "الجهاد الإسلامي" ثم ساهمت في الحرب على إيران، في إطار دعم الخليج للعراق في حربه ضد إيران (حرب الخليج الأولى)،  ثم مولت الحرب على العراق لإخراجه من الكويت في 1990 (حرب الخليج الثانية)، ثم دعمت الحرب على أفغانستان ضمن التحالف الدولي بعد أحداث سبتمبر 2001 ثم مولت غزو العراق في 2003، ولا تزال تساهم مع أمريكا في الحرب على داعش.

دعمت المملكة الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي وهو انقلاب خطط له في الكيان الصهيوني و تم دعمه من المخابرات المركزية الأمريكية وبدعم مالي هائل من عيال زايد، وعلى الرغم من أن حجة الجنرال المنقلب على رئيسه أنه حال دون قيام الخلافة الإسلامي التي كان ينوي الرئيس مرسي إعادتها، وهو أمر من المفترض أن يزعج السعودية رافعة لواء الإسلام، ولكن السعودية اختارت أن تقف مع الرغبة الأمريكية والخطة الصهيونية والطموح الإماراتي المدعوم بلوبي ضخم داخل أمريكا والذي قدم الإمارات على أنها إحدى سواعد الدور الأمريكي في العالم وليس المنطقة العربية.
 
لم تدعم السعودية حماس يوما ما، ولو من باب المكايدة السياسية مع إيران التي قدمت دعما ماليا سخيا لحماس المحاصرة رغم أنها وصلت إلى السلطة بانتخابات حرة ونزيهة، واختارت السعودية أن تنحاز إلى الموقف الأمريكي الذي يصف حماس بأنها حركة إرهابية رغم أن أوروبا لها موقف أكثر تحررا من الموقف الأمريكي، إلا أن السعودية لم تحاول في لحظة من اللحظات أن تختلف عن الموقف الأمريكي في قضية هي أم القضايا في عالمنا العربي، وهي قضية عقدية في المقام الأول.

لم تدعم السعودية الشعوب العربية في خياراتها الديمقراطية، بل كانت ولا تزال تقف ضد إرادة الشعوب وتعتقد أن الديمقراطية هي مؤامرة دولية على المنطقة، وتارة تصف عبر بعض علمائها الديمقراطية بالكفر، وتارة تصفها بالبدعة، وفي كل الأحوال لم تدعم السعودية خيارات الشعوب العربية التي لا تزال وفية للملكة باعتبارها بلاد الحرمين. 

ورغم ذلك فالشعوب العربية لا تزال تدافع عن المملكة في صراعها مع إيران التي تشن حملة لتدويل المشاعر المقدسة، وهو أمر لو تم لا قدر الله لأفقد المملكة مكانتها التي صنعتها منذ تأسيسها على أرضية أنها أرض المقدسات. 

ما أردت قوله أن السعودية لم تكن يوما ما، منذ النشأة وحتى اليوم - اللهم إلا أثناء حرب رمضان أكتوبر 1973 - في حالة عداء أو تضاد، ولم تضبط ولو مرة واحدة في حالة تحليق خارج نطاق الهيمنة الأمريكية في أي قضية/ حتى قضيتنا المركزية فلسطين. 

فلماذا تهدد أمريكا السعودية ولماذا يعتبر قانون الجاستا خطرا على المملكة؟
 
نناقش الأمر في المقال القادم إن شاء الله.
التعليقات (1)
هشام ميشلان
السبت، 08-10-2016 02:45 م
الشعوب الحرة لا تنسى الفضل لأهل الفضل ، كما لا تنسى الغدر لأهل الغدر ، فنحن كشعوب عربية مسلمة تربينا على المبادئ الإسلامية السمحة ، و تأثرنا بالعوامل السياسية المرحلية ، فأوجدنا معادلاتنا في علاقاتنا مع باقي الشعوب و الدول المجاورة أو البعيدة التي تربطنا بها مصالح دنيوية ، فالولايات المتحدة الأمريكية عدو ما من صداقته بد ، و نعلم أنها تعمل وفق مصالحها الإستراتيجية المرسومة مسبقا ، و تستطيع التخلي عن صداقة أية دولة في أية لحظة إذا كانت مصالحها تقتضي ذلك ، لكن صداقتها مع الدول العربية كانت دائما من طرف واحد ، فكثيرا ما خذلتنا و لا تزال تخذلنا في قضايانا الحيوية و المصيرية كالقضية الفلسطينية و القضية السورية حاليا ، و هي نادرا ما تستعمل كلمة " صداقة " مع العرب ، بل تستعمل كلمة " شركاء " ، و هي كلمة مصلحاتية بامتياز ، تستعمل في عالم المال و الأعمال ، و في عالم الدسائس و الحروب ، فشركاء الولايات المتحدة الأمريكية من الدول العربية كان عليهم أن يكونوا أكثر ذكاء و حكمة في التعامل معها ، فمنطقها اقتصادي بحت ، أي منطق الربح و الخسارة ، العرض و الطلب ، الإحتكار و الإغراق ، و في عالم الدسائس و الحروب كان على العرب أن يحترسوا مخبراتيا و عسكريا من الصديق ألف مرة و من العدو مرة ، إن الغدر في السياسة بالنسبة للغربيين لا يعتبر خيانة بل يعتبر شطارة و دهاء ، و إن الثقة و الاطمئنان المفرطين من قبل العرب في التعامل مع الغرب يعتبر غباء و سذاجة ، فقانون جاستا رغم أنه سيف ذو حدين إلا أنه خيانة للصداقة المزعومة و للشراكة القائمة ، فالمملكة العربية السعودية و بالتعبير الشعبي وضعت بيضها كله في سلة واحدة ، فتسع مائة مليار دولار لو كانت استثمرت نصفها فقط في البلدان العربية و الإسلامية ، في التعليم و الصحة و البحث العلمي و الصناعة و الفلاحة و البنى التحتية و التنمية البشرية ، و الإنتاج العسكري ، لكان العرب اليوم في مقدمة الأمم ، و لكانت كلمتنا مسموعة و كرامتنا محفوظة ، لكن قد يقول قائل وهو صادق : سلال العرب كل بيضها فاسد ، فأقول : إن الاستثمار في التعليم و التنمية البشرية ينشئ أجيالا لا تقبل الفساد و تحافظ على المال العام ، فالوعي مع الزمن يقضي على الفساد ، لكننا اليوم أمام معضلة تهدد دولة من أهم الدول العربية و لها رمزيتها لوجود الحرمين و الأماكن المقدسة على أراضيها ، مما يجعلنا كشعوب عربية مسلمة لا نستطيع التخلي عنها أو تركها فريسة لهذا السطو " القانوني " ، و كما قلت آنفا إن للسعودية فضل على بعض الدول العربية ، لكننا لا ننسى دعمها للإنقلاب في مصر التي لها فضل أكبر و أعظم على كل الدول العربية ، من المحيط إلى الخليج ، لقد ساهمت السعودية في سرقة حلم جميل تمثل في التجربة المصرية ، ثورة سلمية بيضاء ، جاءت بأول رئيس منتخب من قبل الشعب بنسبة 52% ، أحبه الشعب ، و علق عليه آمالا كبيرة للأجيال القادمة ، كما أحببناه في باقي الدول العربية لما رأينا فيه من عزيمة و همة عالية في خدمة شعبه و النهوض بوطنه ، كل ذلك تم نسفه ، و ترتبت عليه عواقب خطيرة كمذبحة رابعة و النهضة ، و لا زالت الدماء تسيل و التصفيات خارج القانون إلى هذه اللحظة ، كل هذا آلمنا و أصابنا بخيبة الأمل تجاه المملكة التي باركت الانقلاب و مولته ، مع أنها أنكرت المحاولة الفاشلة للانقلاب في تركيا ، فكيف تؤيده في مصر و تنكره في تركيا !؟ أليست مصر أولى !؟ فالفضل في المقربين أولى ! ، مع أن دعم الانقلاب في مصر كان خطئا استراتيجيا لا يخفى على تلميذ في سنة أولى سياسة ، لأن السعودية تقع في بؤرة المعمعة ، و في منطقة ساخنة مشتعلة ، و تتلقى تهديدات بالاجتياح صباح مساء من الصفويين في إيران ، فكان من الحنكة السياسية أن تدعم مصر لأنها أقوى الدول العربية السنية عسكريا في المنطقة ، و لها ثروة بشرية يحسدها عليها العالم ، كما كان لزاما دعم تونس و ليبيا ليعم الاستقرار في الجوار و التفرغ لإعداد جيش عربي لمواجهة إيران ، لكن ما حدث كان هو العكس تماما ، قد يفهم من تعليقي هذا أنه شماتة ، ليس من شيم الأحرار الشماتة ، لكن لا زال هناك وقت لتدارك الأمر إذا توفرت الإرادة ، فالمصريون المناهضون للإنقلاب في الداخل و الخارج لا يزالون متمسكون بالسلمية و بالشرعية و بالقانون المحلي و الدولي ، و البرلمان الشرعي لا زال قائما في المنفى ، فقد تستطيع السعودية أن تلقي بثقلها الدولي و بخبرتها في السياسة الخارجية لمساعدة المصريين لتخطي هذه الأزمة التي أثقلت كاهلهم و فتت في عضضهم ، و فتحت جرحا غائرا في قلوبنا جميعا ، ليستعيدوا شرعيتهم و أمجادهم و ليكونوا للأمة العربية و الإسلامية ظهرا و سندا ، و الشعب المصري متسامح بطبعه ، و يعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، و سوف ينسى الماضي و يفتح صفحة بيضاء مع المملكة ، فكيف يعقل أن تستمر السعودية في دعم نظام انقلابي يعمل ضد مصالحها في كل مكان و في كل الاتجاهات ، دينيا لا يعرف له مذهب ، ففي مؤتمر الشيشان لم نعرف إذا كان سنيا أم شيعيا أم هما معا أم لا مذهب له ، و في السياسة و النزاعات يدعم الأسد في سوريا ضد المصالح السعودية ، و في اليمن يدعم الحوثيين و هم في حرب ضد السعودية ، فلست أدري ما هي الاستراتيجية السعودية فيما يدور مؤخرا في الشرق الأوسط !؟ . المملكة العربية السعودية لا تمتلك من الحلفاء " المحتملين " إلا قطر دولة قريبة لكنها صغيرة ، و المغرب دولة قوية لكنها بعيدة ، و تركيا الغارقة فيما يحاك لها من مؤامرات و انقلابات و تهديدات و نزاعات مسلحة و تفجيرات ، و لا ندري كم يدوم الرجل الصالح رجب طيب أردوغان قبل أن يسقطوه و نظامه و يعيدوها للكماليين الأتاتوركيين العلمانيين الذين سوف يعيدونها سيرتها الأولى . و لذلك فنحن لن نتخلى عن السعودية في أي حال من الأحوال رغم تحفظاتنا الكثيرة على سياساتها التي لا نفهم لها منطقا أبدا .