اقتصاد عربي

التراجع السريع للجنيه يصيب الشركات المصرية بالشلل

الجنيه المصري
الجنيه المصري
تكاد الشركات تتوقف عن العمل في مصر وسط مصاعب تواجهها لمجاراة التراجع السريع لقيمة الجنيه في السوق السوداء؛ إذ تُوقف المصانع الإنتاج، وتعاني المتاجر من تدني مستوى المخزونات، بينما يتفشى شعور عام بالقلق.

توقف باسم حسين -الذي تعمل شركته في استيراد ومعالجة وتعبئة القهوة والتوابل- عن الشراء منذ أسبوعين، مع تنامي زخم تراجع العملة المصرية. بضائعه ما زالت معروضة للبيع في متاجر البقالة، لكن لا مخزونات جديدة في الطريق حاليا.

يقول حسين المدير في شركة انترفود، المدارة عائليا: "لا أحد يعرف ماذا يحدث. توقفنا عن الشراء والبيع منذ أسبوعين. نعمل في التجزئة فقط.. الأمر غير منطقي، وهو لا يقتصر علينا، بل يشمل كل التجار".

يتراجع الجنيه المصري في السوق السوداء منذ ثورة 2011 وما أعقبها من قلاقل، أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب المصدرين الرئيسيين للعملة الصعبة، في اقتصاد يعتمد على استيراد شتى الاحتياجات من الأغذية إلى السيارات الفاخرة.

لكن الشركات تقول إن تراجعا حادا في الأسابيع القليلة الماضية يصيبها بالشلل؛ حيث أصبحت عاجزة عن التخطيط من يوم لآخر.

اشترى تجار السوق السوداء الدولار بسعر 17.5-17.85 جنيه الاثنين، وباعوه إلى المستوردين مقابل 18-18.2، في انخفاض قدره جنيهان خلال أسبوع واحد، وخمسة جنيهات على مدار الشهر.

لقد أصبحت قيمة الجنيه في السوق السوداء نصف قيمته في البنوك، حيث ما زال السعر الرسمي ثابتا عند 8.8، لكن المعروض الدولاري يخضع لتقنين صارم هناك.

فقد تهاوت الاحتياطيات الأجنبية من 36 مليار دولار قبل 2011 إلى حوالي 19.6 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر، رغم تلقي مصر مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات من حلفائها الخليجيين.

وأجبرت القيود المفروضة منذ 2015 لإعطاء الأولوية لسلع ضرورية مثل القمح المستوردين إلى اللجوء للسوق السوداء، حيث تراجع سعر العملة المحلية سريعا.

وتشكو الشركات منذ عامين تقريبا، بينما تدفع أزمة الدولار الشركات الصغيرة خارج السوق بالفعل.

لكن الأزمة دخلت مرحلة جديدة الأسبوع الماضي، بصدور تحذيرات من اثنتين من كبرى الشركات الصناعية المصرية المدرجة.

فقد حذرت شركة صناعة السجائر الشرقية للدخان من تراجع مخزوناتها من المواد الخام إلى النصف، وقالت إنها قد توقف الإنتاج والبيع إذا استمر نقص الدولار.

وقالت جهينة للصناعات الغذائية إنها سترجئ المشاريع الجديدة، وتسعى لتدبير المواد الخام محليا.

وفي إطار جهود لتقليص العجز التجاري الذي تلقي باللوم عليه في تشوهات سوق العملة، زادت الحكومة الرسوم الجمركية على المنتجات الفاخرة، وشددت قواعد الاستيراد.

وقال وزير التجارة والصناعة، طارق قابيل، إن الإنتاج المحلي زاد 20 بالمئة هذا العام لإحلال الواردات.

لكن المصنعين يقولون إنهم يعتمدون على مكونات مستوردة يشترونها بالدولارات التي يحصلون عليها بأسعار السوق السوداء.

وقال إبراهيم هاشم، الذي يدير مصنعا للأثاث في الإسكندرية، ويشتري الأخشاب المستوردة بالدولار: "كنا نشعر به أسبوعيا، والآن أصبح الأثر يوميا. وليس الخشب فقط، بل كل المواد التي نستخدمها أصبحت أغلى 50 بالمئة عنها قبل شهر".

وتابع: "هناك حدود... قد يصل الأمر إلى مرحلة أقوم فيها بحساباتي، فأجد أنه لن يشتري أحد الأثاث بالسعر الذي يجب أن أتقاضاه... سيصل الأمر إلى مرحلة لا أحد فيها يصنع أو يشتري أو يبيع أي شيء".

خارج السيطرة

توصلت مصر في ظل عجز الميزانية، البالغ 12 بالمئة في السنة المالية 2015-2016، والتشوهات الحادة التي تواجهها أسواق العملة، إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في آب/ أغسطس، للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات؛ من أجل دعم برنامج للإصلاح الاقتصادي. 

ومن المتوقع على نطاق واسع في إطار تلك الإصلاحات أن تتخلى مصر عن ربط العملة، وتتبنى آلية أكثر مرونة لتحديد سعر الصرف.

ويقول طارق عامر، محافظ البنك المركزي، إنه لن يدرس تعويم العملة قبل أن تصل الاحتياطيات إلى 25 مليار دولار، لكن ذلك الهدف يبدو طموحا بالنسبة لبعض الاقتصاديين، الذين يقولون إن مصر تستهلك الدولارات فور حصولها عليها.

ضخت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبنك الدولي نحو ثلاثة مليارات دولار في خزائن مصر في الأشهر الأخيرة، لكن ارتفاع الأسعار والنقص المتكرر في الأغذية التي تدعمها الدولة أجبر الحكومة على زيادة الواردات باهظة التكلفة.

وأدى خلاف مع داعمها المالي السابق السعودية إلى تعليق اتفاق لتزويد مصر بالمنتجات النفطية هذا الشهر، ما يضيف 500 مليون دولار شهريا إلى الإنفاق الحكومي.

وحدا الغضب الشعبي بسبب نقص السكر بالبنك المركزي إلى رصد 1.8 مليار دولار لتكوين احتياطي غذائي يكفي ستة أشهر.

كان الدولار باثني عشر جنيها في السوق السوداء عندما اتفقت مصر مع صندوق النقد، وتراجعه في السوق السوداء يثير معضلة.

فإذا أحدث البنك تعديلات ضئيلة، فإن الضغوط ستتنامى مجددا، حسبما يقول الاقتصاديون. لكن إذا خفض القيمة الرسمية للجنيه بمقدار النصف، فإن الأثر السياسي والاجتماعي سيكون انفجاريا. والبنك لا يحرك ساكنا في الوقت الحالي.

وقال هاني جنينة، مدير البحوث لدى بلتون المالية: "لا أعرف إذا كان لديهم خطة بديلة أو ما إذا كان الذعر يمنعهم من التحرك... لكن ما أعرفه هو أن السوق غير قادرة على القيام بوظيفتها، سواء الرسمية أو غير الرسمية.. عليهم أن يقوموا بالتعويم على الفور".

طمأن المسؤولون الحكوميون المصريين مرارا بأن الدولة والجيش سيتدخلان لضمان توافر السلع الأساسية واحتواء الأسعار.

لكن النهج المركزي المتزايد في التعامل مع مشاكل الاقتصاد يثير التساؤلات عن ما إذا كانت الحكومة تملك الإرادة السياسية للمضي قدما في إصلاحات مؤلمة.

يقول التجار إن أزمة الدولار عامل رئيسي في النقص المتكرر للأرز والزيت والسكر. لكن الحكومة تلقي باللوم على الاكتناز، وشنت حملات على المخازن والمصانع، وتحفظت على مخزونات. بعض الشركات توقفت عن تجارة السلع التي شملتها الأزمة، ما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

تدرس الحكومة أيضا تحديد هامش الربح للشركات في سلع معينة لمنع التربح، في خطوة يقول بعض رجال الأعمال إنها تدخل خطير في السوق.

وحتى تحرك البنك المركزي لغلق مكاتب الصرافة التي تتعامل في العملة خارج النطاق الرسمي هذا العام زاد المخاطر، وجعل الحصول على العملة الصعبة أكثر صعوبة، ما أضاف علاوة سعرية للدولار، حسبما يقول رجال أعمال واقتصاديون.

وقال حمادة حافظ، تاجر قطع غيار السيارات: "غلق مكاتب الصرافة كان خطأ. الآن علينا شراء الدولار في الشارع مقابل 14 ثم 15 ثم 16، ثم من يدري بكم، وهناك نقص في قطع الغيار لهذا السبب".

وتابع قائلا: "نشتري من الصين الآن؛ لأن سعر الصرف أفضل، ولأنها أرخص، لكن الجودة أقل. لهذا السبب، المنتجات التي في السوق الآن أغلى وأقل جودة. لا يمكن أن يكون هذا صوابا".
التعليقات (0)