قضايا وآراء

صراع عباس دحلان وحسابات الربح والخسارة

عز الدين إبراهيم
1300x600
1300x600
تدخل حركة التحرير الفلسطيني فتح منعطفا مهما مع تصاعد حدة الصراع بين قطبيها، رئيس الحركة والرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادي المفصول منها محمد دحلان، لا سيما في ظل الاستعدادات التي تجري على قدم وساق لانعقاد المؤتمر السابع أواخر الشهر المقبل والتي ينظر إليه أنصار دحلان باعتباره سلاحا تنظيميا يستهدف استمرار وجودهم في الحركة بل في المشهد السياسي الفلسطيني.

احتدام الصراع بين رفيقي الأمس، وتحوله إلى جدل يومي بدأا يطغيان على ملفات أكثر أهمية في المشهد السياسي الفلسطيني، بل ويصرفان النظر عن قضايا تتعلق بصلب القضية الفلسطيني ومستقبل الصراع مع الاحتلال، وهو ما يدفعنا لطرح تساؤلات عن حقيقة الصراع وخلفياته، بل الأهم من المستفيد والمتضرر من استمراره، وإلى أي نتيجة سيفضي في نهاية المطاف؟

الصراع -بل الانقسام- الذي يصيب الحركة الأكبر في الساحة الفلسطينية، وما يجري فيها بالضرورة سينعكسان سلبا على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، وسيضيف انقساما إلى انقسام في وقت فلسطين هي بأحوج ما تكون إلى توحيد كل الجهود لمواجهة الاحتلال وسياساته العدوانية المتصاعدة.

لنتفق على حقيقة أن الرجلين في معركتهما لا يكفان عن استخدام اسم الرئيس الراحل ياسر عرفات وإرثه، على الرغم من أنهما كانا سويا أشبه برأس حربة في مشروع خنقه سياسيا بل إسقاطه قبيل حصاره بمقر في المقاطعة برام الله.

بل إن الرجلين في مرحلة معينة شكلا حلفا ضد عرفات، وليس سرا أن عباس هو من ضغط بدعم إقليمي ودولي على عرفات لتعيين دحلان وزيرا للأمن الداخلي في عام 2003 بعد أن رفض الراحل أبو عمار الطلب مرارا. 

إذا، على أي أساس يقوم هذا الصراع؟ هل هو صراع قائم على أساس البرامج السياسية التي يتبناها كل منهما؟، أم على أسس شخصية ومصلحية هدفها السلطة والتفرد بالقرار الوطني الفلسطيني؟

للإجابة عن هذا التساؤل يجب تأكيد نقطة أن مواقف عباس ودحلان من عملية التسوية وقضايا الحل النهائي والدولة الفلسطينية وحتى التنسيق الأمني مع الاحتلال، هي مواقف متشابهة ولا يختلفان فيها إلا شكليا.

ففي العلاقات الوطنية والتعامل مع الداخل الفلسطيني فللرجلين تاريخ حافل بتجاهل الفصائل الفلسطينية واعتبارها على هامش الحياة السياسية، بل إنهما يمعنان في رفض مبدأ الشراكة مع الآخر، سواء في ملف المصالحة مع حركة حماس بالنسبة إلى محمود عباس أو رفض التعامل مع الحكومة التي شكلتها حماس أيضا بعد فوزها بالانتخابات بالنسبة إلى دحلان في حينها.

أما قضية المقاومة المسلحة والموقف منها، فموقف محمود عباس معروف، وأعلنه صراحة بأنه ضد المقاومة المسلحة وعسكرة الانتفاضة، في حين يروج أنصار دحلان أنه مع المقاومة المسلحة وعدم إسقاط هذا الخيار، لكن تجربته في التعامل مع المقاومة المسلحة إبان رئاسته لجهاز الأمن الوقائي في غزة ضد عناصر حركتي حماس والجهاد الإسلامي كفيلة بتفنيد هذا الادعاء.

إذا، يظهر أن الصراع بين الرجلين لا يستند إلى أي خلاف في البرامج والمشروع السياسي، فكلاهما يعملان تحت المظلة العربية الرسمية، والتي من الواضح أنها بدأت تميل في السنوات الأخيرة لمصلحة دحلان لاعتبارات كثيرة.

ولا يمكن بطبيعة الحال تجاهل الخلفيات الشخصية بين الرجلين كعامل آخر في احتدام الصراع، لكن ثمة عامل آخر يمكن وضعه في إطار صراع التيارات الموجود أصلا حتى في ظل وجود الرئيس الراحل ياسر عرفات.

ومن المعلوم مثلا أن هناك صراعا وتنافرا تاريخيا بين ما يسمى بتيار فتح الداخل وتيار فتح الخارج، أو تيار الضفة وتيار غزة، وكل فريق ينسب إلى نفسه الإنجازات ويرمي خصمه بالإخفاقات، ونتذكر جيدا على سبيل المثال عندما وقع الحسم العسكري في غزة كيف تم استقبال قيادات وكوادر فتح الهاربة من غزة إلى الضفة، واتهامهم بالجبن في مواجهة حماس حتى إن عددا منهم وبينهم قياديون فضلوا العودة إلى "حكم حماس" في القطاع على أن يبقوا تحت إمرة رفاق التنظيم.

في حسابات الربح والخسارة، الشعب الفلسطيني وقضيته هما الخاسر الوحيد من هكذا صراعات لا تزيد واقع الفلسطينيين إلا بؤسا، ولن تعمق إلا مزيدا من الانقسام، ولا فائدة مرجوة من حسمه لأحد الطرفين لأن التداعيات ستكون حتما ضمن ترتيب إقليمي وليس توافقاً فتحاوياً داخلياً.

على صعيد الداخل الفتحاوي، سيؤدي هذا الصراع سواء استمر أو انتهى بحسم لمصلحة طرف على طرف، إلى تعميق الانقسام، ولن يوحد الحركة بل سيزيد من تشظيها وإبقائها إطارا بلا مضمون يستفيد من حضورها الشكلي النظام العربي الرسمي والقوى الإقليمية والدولية. 

أما على الصعيد الوطني، فبلا شك سيشكل وجود فتح منقسمة تحدياً جديداً وعائقاً إضافياً في وجه مشروع التحرر ومواجهة الاحتلال وسياساته، وفي وجه المصالحة المتعطلة أصلا، وسننتقل من صراع الشرعيات بين المنظمة وفصائل المقاومة إلى صراع شرعيات بين تيارات متناحرة في فتح نفسها.

وربما يقول قائل إن صراع فتح سيعطي فرصة لخصومها داخليا لاكتساب مزيد من الشعبية، على اعتبار أن الشعوب تثق دائما بالكيانات السياسية الموحدة وليست المنقسمة، وهو افتراض قد لا يكون منطقيا في الحالة الفلسطينية بعد أن اثبتت التجربة أن الشراكة سواء في مشروع المقاومة أو مشروع الحكم ضرورة، ولا يستطيع أي طرف التفرد بالقرار وحده.

أما الاحتلال الإسرائيلي وموقفه من الصراع الجاري، فساذج من يعتقد أن الموضوع يشكل أهمية كبيرة لدى دوائر صنع القرار لدى دولة الاحتلال، إذ إن المعيار الأساس لدى قادة الاحتلال في تمييز قائد فلسطيني على غيره هو حجم التنازلات التي يقدمها، ولا أظن أن عباس يختلف كثيرا عن دحلان في حجم التنازلات التي يمكن أن يقدمها كل طرف بقدر ما هو اختلاف في الآلية والتوقيت.

هذا التوصيف لحقيقة الصراع وطبيعته يقودنا إلى الحديث عن السيناريوهات المتوقعة لنتيجة الصراع، لاسيما في ظل حرص عربي قديم - جديد على العبث بالداخل الفلسطيني، إذ ليست المرة الأولى التي تشكّل فيها الأنظمة العربية عامل تقسيم للنخبة السياسية الفلسطينية بدلا من أن تكون عامل توحيد، والانشقاق الذي شهدته فتح عام 1983 مثال واحد فقط.

وباستطلاع المواقف المعلنة على الأقل، يبدو أن ثمة ميلاً عربياً رسمياً واضحاً تجاه استبدال دحلان بعباس لقيادة المرحلة المقبلة - ليس بشخصه بقدر ما هو بتياره-، وهو السيناريو الذي يبدو الأقوى في ظل خطوات عملية تشهدها دوائر صنع القرار في مصر والأردن اللذين يشكلان العمود الفقري للرباعية العربية التي تتولى معالجة الانقسام الفتحاوي.

وعلى سبيل المثال تبدو مصر الرسمية حسمت موقفها تجاه دحلان من خلال الامتيازات التي منحتها القيادة المصرية للرجل وتياره في الفترة الأخيرة وتحديدا فيما يتعلق بمعبر رفح وإظهار أن التخفيف الطفيف المفروض على المعبر هو بجهد من دحلان شخصيا.

وكنتيجة لهذا السيناريو من الممكن أن تلجأ هذه الدول في المرحلة القادمة إلى تكثيف الضغوط والإغراءات على شخصيات وكوادر فتحاوية محسوبة على عباس أو على الأقل اختارت الحياد في سبيل تعزيز معسكر دحلان وإضفاء مزيد من الشرعية عليه.

السيناريو الآخر، يقوم على أساس نجاح طرف معين إقليمي أو دولي أو حتى داخلي، بإحداث مصالحة بين الرجلين، وهو خيار يبدو مستبعدا في ظل التصعيد اليومي من الطرفين بل المضي في إجراءات عملية يشكّل انعقاد المؤتمر السابع للحركة أوجها.

هذه الإجراءات واستعار الحرب بين الطرفين قد يؤديان في نهاية المطاف إلى تحقق سيناريو ثالث يقوم على تحويل الانقسام الفتحاوي إلى عملية مستمرة وعدم حسم الصراع باتجاه أي طرف، وذلك حرصا على إبقاء الحركة وقيادتها ضعيفة انسجاما مع الرغبة الإسرائيلية في واقع فلسطيني منقسم على ذاته منشغل بصراعاته الفئوية والحزبية على حساب قضاياه المصيرية.
0
التعليقات (0)