ملفات وتقارير

أخصائيون يناقشون مطالب المغاربة بقتل المنحرفين دون محاكمة

حمّل هشام العفو مسؤولية تطور العنف في المجتمع لشبكات التواصل الاجتماعي- أرشيفية
حمّل هشام العفو مسؤولية تطور العنف في المجتمع لشبكات التواصل الاجتماعي- أرشيفية
حذر أخصائيون اجتماعيون ونفسيون مغاربة من تنامي استعمال الرصاص الحي من قبل السلطات الأمنية المغربية لردع المنحرفين، باعتبار أن هذا الأمر قد يفضي إلى الترسيخ في اللاشعور الجمعي "مشاعر الانتقام".

وتصاعدت الدعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، إلى ضرورة استعمال الرصاص الحي من قبل رجال الأمن لقتل المنحرفين أو من يطلق عليهم إعلاميا "المشرملين" الذين يستعملون السيوف من أجل سرقة ضحاياهم، وقال هؤلاء الداعون إن القتل هو الحل الأنجع ليعم الأمن المجتمع، ودشنوا لهذه الغاية هاشتاغ "#قرطس_مو". في المقابل، يرى آخرون أن القتل ليس الحل الأنسب للقضاء على هذه الظاهرة بقدر ما يجب البحث عن المسببات الحقيقية لهذا الانحراف، التي لخصوها في الفقر والبطالة وغياب الوعي والتأطير الصحيح.

وعرفت مجموعة من المدن سقوط العديد من "المشرملين" قتلى على يد رجال الأمن، كان آخرها شاب في عقده الثالث في سلا (وسط البلاد)، سقط قتيلا على يد قوات الأمن بعد حمله سيفا هدد به حياة المواطنين ورجال الأمن، بحسب بلاغ لمديرية الأمن الوطني، الأمر الذي نفته عائلته في تسجيل مصور، جملة وتفصيلا، وقالت إن الشاب لم يهدد أحدا. وقبله توفي شاب في عقده الثاني بمدينة بني ملال (وسط البلاد) للسبب نفسه.

اقرأ أيضا: مقتل شاب على يد رجل أمن بالمغرب يشعل "التواصل" (فيديو)

وحول الدعوات لاستعمال الرصاص الحي لقتل المجرمين، قال هشام العفو، الاستشاري النفسي والمختص في تحليل الظواهر النفسية والاجتماعية، إنه "أمام عجز المشرع عن تجديد القانون الجنائي ومواكبة التحديات الأمنية وإعادة تحقيق السلام الداخلي والأمن المجتمعي، ظهرت استغاثات كثيرة من طرف المواطنين تطالب بالحماية وبعدم تمتيع هؤلاء الجانحين بالعفو الملكي، إلا أن هذه الصرخات لم تلق أي تجاوب، ما قوى شوكة الجانحين وتحولوا إلى مجرمين أكثر حقدا على المجتمع وبطشا بالأبرياء. ومع توالي الاعتداءات والاغتصاب والقتل، بدأت المطالبة بتوجيه رصاصات قاتلة لهؤلاء الشبان لتخليصهم من عذابهم الداخلي ثم إراحة المجتمع منه".

وأوضح العفو في تصريح لـ"عربي21"، أن "الدعوة إلى إطلاق رصاصة قاتلة للشاب المنحرف نابعة من مدى الأذى الذي أصبح يشعر به أفراد المجتمع من طرف شبان ينتمون إلى نفس البيئة ويتقاسمونها معهم"، ما اعتبره "مؤشرا خطيرا ومقلقا" لأنه "بدأ يعكس مدى تفكك الروابط الاجتماعية بين الأفراد وظهور شحنات انفعالية سلبية بينهم، وهذا ما تحدث عنه الفيلسوف إريك فروم، في نقد التحليل النفسي لمجتمع الاستهلاك".

من جانبه، اعتبر الأستاذ الباحث مصطفى الشكدالي، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أن الدعوة إلى استعمال الرصاص "فيها نوع من الفوبيا الاجتماعية أو الخوف المبالغ فيه..".

وأوضح الشكدالي في تصريح لـ"عربي21"، أن القتل "هو قتل مزدوج في العمق"، وقال: "فكما كان الحال هؤلاء هم أبناء هذا المجتمع رغم ارتكابهم للجرائم".

شبكات التواصل والشحن العاطفي

حمّل هشام العفو، مسؤولية تطور العنف في المجتمع إلى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث قال إن "شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورا حاسما في تطور أشكال العنف وتسريعه بسبب سرعة عرض المشاهد المؤلمة، وكذا تضخيم بعض المواقع للأحداث، وهو الأمر الذي زاد من حدة المطالبة مؤخرا بإطلاق الرصاص القاتل في حق الشبان الذين يحملون سيوفا وأسلحة بيضاء مختلفة".

وشدد العفو على أن "هذه الدعوة تنتشر بشكل سريع وتنمو في الذهنيات بشكل تتفاعل فيه الكثير من المعطيات التي تظهر المؤشرات على أنها تحفز المجتمع على تبني خطابات عنيفة، سواء في الفعل أم رد الفعل، وتلغي دور العقل والحكمة في معالجة الظواهر والانحرافات السلوكية والمرضية في المجتمع الذي يتحمل بدوره مسؤولية كبيرة في ظهورها وتطورها وتغذيتها".

وأكد أنه "من الجانب النفسي قد تعتبر الدعوة لإطلاق الرصاص المميت مرحلة انتقالية صعبة وخطابا مختلفا يتبناه المجتمع المغربي، وخصوصا الفئة التي تنشط أكثر في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح لديها التأثير الكبير على القرارات العليا".

دور المجتمع

تساءل المتخصص في علم النفس الاجتماعي، مصطفى الشكدالي، عن احتمالية ارتكاب "المجتمع في حقهم (المنحرفين) جريمة من نوع آخر".

وتابع: "سنجد غالبا أن غياب التكوين والتمدرس ومجموعة من العوامل الأخرى المتداخلة هي التي أدت إلى ظهور هذا النوع من الشباب الذين يطلق عليهم (المشرملين)، وبالتالي فأعتقد بأن هذه المقاربة والتي هي القتل، مبالغ فيها، وأنا لا أتفق معها".

وأوضح أن هناك حلولا أخرى "من قبيل الاعتقال، قبل أن نصل إلى القتل في الحالات القصوى والمتجلية في الدفاع عن النفس..".

بدوره، قال الاستشاري النفسي، هشام العفو، "إن المجتمع يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية نظرا لتخليه عن الأدوار الإدماجية والتحسيسية التي يفترض أن يقوم بها"، محذرا من أن هذا الأمر "قد يدخلنا إلى منعرج خطير يرسخ في اللاشعور الجمعي مشاعر الانتقام، وأحيانا تكون فقط عبارة عن نزعات تدميرية يحملها بعض الأفراد في المجتمع، وقد تكون أيضا مزايدات تدفع البعض للإحساس بمتعة تصوير مشاهد إطلاق الرصاص وجعلها درامية فقط للبحث عن أكبر عدد من النقرات والمشاهدات دون أن يدرك هؤلاء أنهم يتلاعبون بمشاعر ضحايا وأمهات ويساهمون في تفكيك روابط المجتمع".

ما الحل؟

يعتقد الشكدالي بضرورة العمل على تفادي تكاثر الجريمة الشبابية أو ما يعرف بـ"المشرملين" وذلك عن طريق "الخروج من العطالة بمعنى وجود حلول جذرية وحلول ربما تنشئوية وتربوية قبل أن نصل إلى القتل بالرصاص أو شيء من هذا القبيل.."، مشددا على أنه لا يجب "أن نقوم بقتلهم (المنحرفين) مرتين، القتل بالإقصاء والقتل بالتهميش الاجتماعي".

فيما يرى العفو، أن على الجميع العمل جاهدا "على تقديم مقترحات وتكوين مرجعيات جمعوية لاحتضان الشباب المنحرف وإعادة إدماجهم عوض اعتبارهم مجرمين بالفطرة وإصدار أحكام قتل في حقهم، وبالتالي فإننا قد نرجع دون أن نشعر إلى فترة ما قبل التعاقد الاجتماعي".
التعليقات (0)