قضايا وآراء

المؤتمر السابع.. هل تنقسم فتح؟!

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600
انعقد المؤتمر السابع لفتح اليوم على وقع طبول الخلاف المستحكم بين رئيسها الحالي محمود عباس وعضو مركزيتها المفصول، المعروف بعلاقاته المشبوهة مع إسرائيل وبعض الأجهزة العربية.

ويتسم الخلاف هذه المرة بالطابع الشخصي، وليس له أي أسباب سياسية، إلا ما تعلق منها بالضغوط العربية على عباس لإزاحته واستبداله على خلفية موقفه السياسي الذي تقول إسرائيل إنه رافض لتقديم تنازلات جديدة، وذلك على الرغم من كل التنازلات التي قدمها عباس على الصعيدين السياسي والأمني!

وكان الخلاف وصل إلى مراحل متقدمة عبر فصل أشخاص مقربين من دحلان من المجلس الثوري (هيئة وسيطة بين اللجنة المركزية والمؤتمر العام) وغيرهم من القيادات فضلا عن تجميد رواتب العشرات من الكوادر؛ بحجة انحيازهم لصالح دحلان.

دحلان يصعد


وفي خضم تبادل الاتهامات بين الطرفين، صعد دحلان طموحه بالخلافة عبر تعزيز دوره في تسهيل حركة الأشخاص وفتح المعابر في قطاع غزة بالتفاهم مع مصر، وعقد مؤتمرات لرجال أعمال وغيرهم في العين السخنة بمصر، في محاولة لتعزيز مواقفه في مواجهة عباس الذي بات يواجه توافقا عربيا يتمثل بالرباعية العربية لإزاحته وترتيب قيادة بديلة له تستجيب أكثر للمطالب الإسرائيلية لإنجاز عملية التسوية السياسية وخصوصا الاعتراف بيهودية الدولة والتغاضي عن الاستيطان الإسرائيلي وغيرها من المواقف التي تعطل التسوية بسبب الموقف الإسرائيلي المتشدد منها. 

ولكن التحرك في غزة محاولة يشكل محاولة تبدو يائسة وفاشلة لاستمالة حركة حماس جنبا إلى جنب إلى التحرك في الضفة لاستمالة أعضاء جدد من حركة فتح وعلى الأخص في المخيمات الفلسطيني عبر ضخ الأموال فيها لكسب الولاءات.

فدحلان له تاريخه المرير مع حماس، ما يجعله أبعد ما يكون من استمالتها فإن رغم محاولة استغلال الأموال التي يحصل عليها من بعض الدول العربية لتقربه من الحركة محاولا بذلك استغلال حاجتها للدعم المالي في ظل الحصار السياسي والمالي الذي تواجهه من إسرائيل وبتواطؤ من مصر وقيادة السلطة الفلسطينية.

ويشكل الخلاف السابق وبرنامج دحلان القريب من أنظمة تناصب حماس العداء ومواقفه السياسية المهاودة للعدو عوامل تمنع دحلان من كسب ود الحركة التي اتخذت موقفا متوازنا من عباس ودحلان لعلمها أن الشخصيتين تتصارعان شخصيا، وتزايدان على بعضهما في تقديم التنازلات للعدو!

خلاف متصاعد

إن عمق الخلاف بين الشخصين يهدد بانقسام هذه الحركة في ضوء انقسام قياداتها لصالح هذا أو ذاك، حيث يلعب المال والوعود بالمناصب دورا كبيرا في إذكائها.

ويشكل التدخل الخارجي لصالح دحلان تسعيرا للخلاف داخل الحركة، ويبدو خطيرا أكثر من أي وقت مضى في ضوء ضعف الانتماء الوطني في صفوفها، والذي كرسته سياسات قياداتها المهاودة لإسرائيل بحق القضية وتجلت في أوضح صورها بمفاوضات مدريد وما تلاها من اتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني مع العدو ضد المقاومة. ويصعب ذلك من أمر الاتفاق على برنامج وطني ويجعله مرهونا لإرادة الخارج.

إن تزامن الخلاف الشخصي مع عدم وجود برنامج وطني حقيقي لفتح واستمرار تقديم التنازلات للعدو دون ثمن، يساهم في إضعاف الحركة التي قادت النضال الفلسطيني ردحا من الزمن؛ وذلك لأن هذا الخلاف يصرفها عن مواجهة مشاريع ومخططات العدو، ويجعلها أسيرة لخلافاتها.

ويستعر هذا الخلاف في وقت تعيش فيه القضية الفلسطينية أصعب مراحلها في ضوء تصاعد محاولات تصفيتها من القيادة الإسرائيلية المصرة على الاستيطان والتهويد ورفض عودة اللاجئين والإصرار على يهودية الدولة والموقف الأميركي المناصر لكل ذلك.

وإضافة للخلافات الداخلية والضغوط العربية، فقد تراجعت أهمية القضية ككل ومنها الحركة بعد قيام الثورات المضادة، ما جعل السلطة ضعيفة أمام الضغوط لا سيما وأن الأنظمة لجأت أكثر للتطبيع مع إسرائيل على حساب القضية، وهو ما عبر عنه نتنياهو مؤخرا بالقول إن هناك تغييرا حدث في المنطقة باتجاه الدول العربية للتطبيع قبل إنجاز الحل والتطبيع مع الفلسطينيين أولا.

الخلافات الشخصية إذن تبدو مدمرة للحركة، وتضعف هويتها، وتجعلها تابعة أكثر للأنظمة، وأكثر قابلية للضغوط الخارجية العربية والدولية، كما تؤشر على غياب المشروع الوطني في ظل تصاعد مخططات الاستهداف وتصفية القضية.

ورغم أن بعضا من قيادات الحركة ومؤيديهم لا يزال يتمسك بالمواقف الأصيلة لفتح خصوصا في موضوع مقاومة الاحتلال، فضلا عن الأداء المشرف لبعض كوادرها في انتفاضة الأقصى الأخيرة جنبا إلى جنب مع حركة حماس وغيرها من الفصائل، فإن الانقسام يشير إلى الدرك الأسفل الذي أوصلتها له سياسات قادتها.

وفي سياق الخلاف، يحاول عباس استخدام ملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ لإلصاق التهمة بدحلان الذي يجهز بدوره الملفات لرد التهمة لعباس، مع أن الكل يعلم أن الاغتيال لم يكن ليتم لولا تآمر داخلي فلسطيني اشتركت فيه بعض قيادات فتح!!

إلا أن الملف الأخطر فهو المصالحة مع حماس التي عطلها عباس وقيادته وعمل على إلغاء الانتخابات البلدية؛ منعا لفوز الأخيرة بها. وهذا الملف له أبعاد إقليمية ودولية، ولا يعتقد أن يتم تحقيق إنجاز فيه بصرف النظر عن القيادة القادمة.

مستقبل فتح

ورغم استعار الخلاف بين الرجلين، فإن دحلان يظل خارج فتح بعد فصله منها، الأمر الذي يدفعه لاستعادة دوره بالانشقاق إذا فشل في تحريك ملف عزل عباس وإضعافه داخل فتح. وفي حال تم الانشقاق، فإن فتح ستذهب للمجهول، أما المستفيد الأكبر فهو إسرائيل.

ولا يفوتنا الإشارة إلى أن كلتا الشخصيتين ليست هي المرجوة لقيادة فتح فلسطين والمقاومة، ما يزيد من مسؤولية القيادات المخلصة ومن خلفها قيادات الشعب الفلسطيني في محاولة إنقاذ الحركة والقضية، وإلا فإن الشخصيتين ومن خلفهما ستوردان القضية موارد الدمار، وسيكون الشعب الفلسطيني هو المتضرر الأكبر. 

وفي هذه الحالة، فإن المطلوب من حماس العمل مع الأطراف والشخصيات التي ستحافظ على الثوابت الفلسطينية.. وهذه مهمة تبدو صعبة في ضوء الوضع القائم في فتح، والتدخلات العربية والدولية في الوضع الفلسطيني.
0
التعليقات (0)