مقابلات

الداعية سالم الشيخي: "المداخلة" هم الوجه الآخر لـ"داعش"

الشيخي: قتلة الداعية نادر العمراني هدفهم إخافة العلماء وصرفهم عن دورهم المنوط بهم- أرشيفية
الشيخي: قتلة الداعية نادر العمراني هدفهم إخافة العلماء وصرفهم عن دورهم المنوط بهم- أرشيفية
أكد عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الداعية الليبي سالم الشيخي، أن الخطاب الديني في ليبيا تأثر كثيرا بحالة الاستقطاب والتشرذم التي تشهدها البلاد، مؤكدا أن تأهيل الدعاة يحتاج إلى بيئة مستقرة وآمنة.

وأشار أول وزير أوقاف ليبي بعد الثورة على القذافي، خلال مقابلة خاصة مع "عربي21" إلى أن دعاة الوسطية في ليبيا مستهدفون بالخطف والقتل من قبل التيارات المتشددة، ومنها التيار "المدخلي" الذي غزا البلاد منذ عهد معمر القذافي، واصفا هذا التيار بأنه "الوجه الآخر لتنظيم داعش".

وبيّن أن حادثة مقتل الداعية نادر العمراني، كانت رسالة واضحة وقوية ممن ارتكبوها لإخافة العلماء، وصرفهم عن دورهم المنوط بهم في توعية المجتمع من خطورة أفكار التطرف والإرهاب.

وقال الشيخي، إن التيار "المدخلي" مدعوم بقوة من عدة دول، وهو فصيل داعم وبقوة للمشروع الانقلابي الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لافتا إلى أن "هذا التيار يقوم بإنشاء المعاهد والمدارس، ونشر الكتب والأشرطة التي تدعو إلى أفكاره، ما ساعده على السيطرة على مساجد الأوقاف، وخاصة في شرق البلاد".

وإلى نص المقابلة:

* ما تقييمك للخطاب الديني في ليبيا حاليا؟

- الخطاب الديني في ليبيا متأثر بالظروف التي تمر بها البلاد، وهو يعاني الآن من حالة استقطاب حادة، والخطاب يتأثر أيضا بالمناطق والمدن، وخاصة مناطق الصراع، فمثلا في الشرق يتأثر الخطاب بالمشروع الانقلابي الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفي الغرب يتأثر بما يحدث من حرب ضد التنظيم الإرهابي "داعش"، فالخطاب الديني عندنا تأثر ولا يزال بمجريات الأجواء التي تعيشها البلاد.

* وهل الدعاة في ليبيا شرقا وغربا مؤهلون للدعوة؟

- التأهيل للدعوة لا يرتبط فقط بمضمون الخطاب وما يقدمه الداعية، لكنه يرتبط أيضا بالبيئة المهيأة والمستقرة، وبلادنا غير مستقرة، لذا لا يمكن الحكم على الدعاة الآن بأنهم مؤهلون أو لا. لكن لو توفرت الفرصة للدعاة في بيئة مستقرة وغير محتقنة؛ فسيكون لهم دور كبير في رأب الصدع، ونشر الفكر المعتدل.

* وماذا عن استهداف العلماء في ليبيا بالتشويه والخطف والقتل؟

- نعم؛ هذا الأمر موجود بقوة، وبدأت هذه العمليات في شرق البلاد، وخاصة مدن بنغازي والمرج والبيضاء وغيرها، وبدأت الحملة بالتشويه الممنهج، ثم انتقلت إلى التهديد، ثم الخطف، وأخيرا القتل بطرق بشعة، ثم بدأت تنتقل عمليات قتل العلماء والدعاة إلى مناطق أخرى، حتى وصلت إلى الغرب الليبي في مدينتي مصراتة وطرابلس، وتم تسخير عدة وسائل إعلامية لتشويه وإسقاط هيبة العلماء ورمزيتهم في المجتمع الليبي.

* سمعنا عن دعاة هُجّروا إلى خارج الوطن بسبب مواقفهم السياسية، هل هذا صحيح؟ وكم عددهم؟

- لا توجد إحصاءات أو حالات معروفة بعينها، ولكن من الواضح أنهم هُجروا خارج الوطن بسبب مواقفهم السياسية، لكن هناك من هاجروا بأنفسهم خوفا على حياتهم، وخاصة من قاطني المنطقة الشرقية، بسبب ما يحدث هناك من اقتتال واستهداف للعلماء الرافضين لما يحدث، وهؤلاء هاجروا إلى غرب البلاد، وليس إلى خارج الوطن، وأغلبهم يمارسون رسالتهم الدعوية والعلمية، وهو ما أحدث طفرة وتوعية كبيرة في المناطق التي هاجروا إليها.

* وماذا عن حملة الفكر "المدخلي" في ليبيا.. من يدعمهم؟ ومن يدعمون هم؟

- الفكر "المدخلي" في ليبيا موجود قبل ثورة السابع عشر من فبراير، فقد دعمه نظام معمر القذافي، بل إنه قاده وأيده ابنه الساعدي القذافي. وفي ظل حالة الفراغ الديني وقتها؛ انتشر هذا الفكر وتوغل، وخاصة في القرى والبوادي.

وفي ثورة 17 شباط/ فبراير 2011، انقسم التيار "المدخلي" إلى ثلاثة أقسام، ما بين مقاتل مع القذافي ضد الثوار، وبين من التزم بيته وتجنب الأحداث برمتها، وبين من انضم إلى حاضنة الشعب وشارك في الثورة، وأبناء هذه الفئة الأخيرة حتى الآن يتجنبون الفكر "المدخلي" وما يفعله في البلاد، وقد استقام أمرهم. أما من قاتل مع القذافي؛ فأغلبهم هرب خارج البلاد، لكن أبناء مجموعة "الزم بيتك" فهم المتواجدون الآن بعدما تجمعوا من جديد، وعادوا إلى المشهد، وهم من يناصرون اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مشروعه الانقلابي، والوقوف في صف الثورة المضادة.

أما بخصوص من يدعمهم؛ فهي دول خارجية معروفة باحتضان هذا الفكر وقادته ومنظريه، ويتمثل الدعم في بناء المدارس والمعاهد، وإنتاج الكتب والأشرطة ونشرها في الداخل، ما جعلهم يسيطرون بقوة على المساجد، وعلى وزارة الأوقاف نفسها.. وإذا صحت نسبة جريمة قتل الشيخ نادر العمراني إلى هذه الفئة؛ فهذا انتقال خطير جدا في فكر هؤلاء.

* ما هي الرسالة التي أراد أن يوجهها قاتلو الشيخ نادر العمراني؟

- هناك عدة رسائل من هذا العمل الإجرامي، تتلخص في أن أمثال هذه الرموز الوسطية سيكونون في متناول يد هؤلاء؛ يفعلون بهم ما يشاءون، فاليوم العمراني، وغدا مفتي البلاد... وهكذا، وبالتالي إخافة العلماء أو إسقاط هيبتهم. والرسالة الثانية؛ أن انتقال هذا التيار من التكفير إلى التطبيق المتمثل في القتل والخطف؛ هو انتقال خطير جدا، حيث يكونون قد حققوا بالفعل ما يسمونه دائرة الخوارج مكتملة، "تكفير وخطف وقتل"، وكلها رسائل تود عرقلة دعاة الوسطية، والنيل من رمزية العلماء.

* ماذا عن دور علماء الشريعة في الواقع الليبي، والافتراق القائم في البلاد؟

- يتلخص دور علماء الشريعة في ثلاث قضايا؛ الأولى: بيان الرأي الشرعي في الأحداث الجارية بوضوح وصراحة، شرط توفر المعلومات عند رجل الشريعة عن الواقع والواقعة، مثل الرأي الشرعي في انقلاب حفتر، واحتلال الموانئ النفطية، وما يفعله قطاع الطرق من جيش القبائل، وغيرها من القضايا، فهنا يجب أن يكون الرأي واضحا وصريحا.

والثانية: الحفاظ على وسطية الدين الإسلامي والمضامين الدينية في المجتمع الليبي بشكل صحيح، في ظل منهج أهل السنة والجماعة، والتحذير من الغلو والتطرف الذي يحاول نشره تنظيم "داعش"، والوجه الآخر له الآن، وهم "المداخلة".

والثالثة: محاولة التعاون بين علماء الشريعة لطرح مبادرات للخروج من الأزمة وتحقيق الإصلاح.

وهذه الأدوار الثلاثة ينتابها شيء من الضعف هنا وهناك، كلا بحسبه.

* ما هي العلاقة الصحيحة بين الفتوى والسياسة؟

- العلاقة واضحة وبيّنة، والإفتاء هو بيان للحكم الشرعي، وأهل الفتوى هم الأمناء على حراسة هذا الدين، ويجب أن تتقيد الفتوى بعدة آداب وأحكام، منها التثبت في الفتيا، وفي ليبيا خاصة يجب صيانة الفتوى من التأثر بالأهواء الشخصية أو المناطقية، أو التأثر بأهواء السياسيين أو العوام، وكذلك تجنب العجلة في إصدار الفتوى.
التعليقات (0)