مقالات مختارة

الخطر المتزايد.. التطرف الحديث

كمال أوزتورك
1300x600
1300x600
قبل أن يذهب أحد مسلحي داعش الإرهابي لتنفيذ عملية انتحارية، وقد علق ملعقة في رقبته، قال لمن حوله إنه بات قاب قوسين أو أدنى للجلوس على مائدة النبي (ص)، ولتناول العشاء في حضرته. 

في سوريا أيضا، وجدت قوات المعارضة ملعقة في عنق أحد المسلحين الذين قتلوا قبل نجاحهم في تنفيذ عملية انتحارية تستهدف مقرا للمعارضة. يقول بعض منتسبي داعش إنهم تشبعوا بهذه الفكرة من "معلمين" تتلمذوا على أياديهم في أفغانستان وباكستان والأردن.

نفذ بعض هؤلاء المسلحين المنتمين لداعش، الذين يعلقون ملاعق في أعناقهم، هجمات في عدة مدن عراقية، أعلن رجال دين شيعة الجهاد. اتخذ رجال الدين الشيعة سيدنا الحسين وأمنا فاطمة وأئمة أهل البيت مرتكزا ومصدرا يشحذون من خلاله همم المقاتلين. كما أعلنوا أن كل من يموت دفاعا عن هذه الأرض، سوف يذهب إلى الجنة إلى جانب مقام أهل البيت. هذه الأرض التي يتسابق سكانها للموت فوق ثراها إما معلقين ملاعق في أعناقهم أو معلقين عصائب مكتوبا عليها "يا حسين"، هي عبارة عن آبار نفط ومحطات طاقة، تعمل من أجلها مصانع أسلحة.

ما هو تيار التطرف الحديث؟

العالم الإسلامي بات من الناحية الاجتماعية والسياسية بين مطرقة وسندان هذين التيارين النقيضين. بات يترنح بين فكر الحشد الشعبي الشيعي وداعش السني وما يفرزانه من عنف وجهل.


هاتان المنظمتان، تبدوان متناقضتين، إلا أنهما في الواقع من الجذر نفسه. هاتان المنظمتان اختلقتا عقيدة جديدة وحولتاها إلى "دين". في الواقع، نحن نشهد ولادة أيديولوجية جديدة اسمها "التطرف الحديث".

رغم أن هذه الأيديولوجيا تبدو كدين للوهلة الأولى، إلا أنها لا تملك مفاهيم فكرية، وأفرادها لا يملكون بنية تحتية دينية. الناطق باسم داعش "جون التكساسي"، تحول من المسيحية إلى الإسلام قبل عام واحد فقط، وأصبح الناطق باسم التنظيم، حتى قبل أن تتاح له الفترة الكافية لتعلم أدعية الصلاة على أقل تقدير.

إيديولوجية تستند إلى العاطفة وليس إلى المعلومات

التطرف الحديث، يظهر نفسه على شكل ردود فعل عاطفية. هو بعيد عن العلوم والمعرفة. العاطفة في هذا الإطار تكون أكثر فاعلية من المعرفة. كما أن فاعليتها تكون أكبر عندما تدغدغ عواطف الناس.

ولذلك، فإن التطرف الحديث هو عملية تعتمد على العواطف وليس الإدراك العقلي والإقناع. سيما أن الإنسان المؤمن يكون أشجع من العالم في ساحة الحرب. كما أن أحدا لا يستطيع إقناع أي شخص مؤمن، فما بالك إن كان مؤمنا وجاهلا في الوقت نفسه.

لا يمكن تفسير ارتداء أشخاص غير ملتزمين دينيا، بل وحتى يضعون الوشوم على أجسادهم، ملابس سوداء، واعتبارهم أنفسهم أنهم حماة لـ "دولة الإسلام وجنودا للخليفة"، إلا بالجهل وأزمة الهوية. وهنا لا بد أن نذكر بأن تنظيم القاعدة رفض انضمام مؤسس داعش في العراق، الزرقاوي، إلى التنظيم فترة طويلة، بسبب الوشوم الموجودة في جميع أنحاء جسمه.

الأشخاص الذين لا يشعرون بالانتماء لهوية أو وطن، يشعرون بالفخر عندما ينتمون إلى مثل هذا التنظيم.

الموارد البشرية للتطرف الحديث

إن الجهل وعدم الانتماء لهوية واليأس، هي أكبر المصادر التي تغذي التطرف الحديث. انظروا إلى القاعدة الشابة لتنظيمات إرهابية مثل "بي كا كا" وداعش والحشد الشعبي والقاعدة، ستجدون الشيء نفسه. هذه الجماهير تشكل مجالا وحقولا لتلك المنظمات.

ولا تظنوا أن انتساب بعض المتعلمين إلى تلك التنظيمات يتناقض مع مفهوم الجهل. لأن أولئك يعانون من أزمات هوية إلى جانب اضطرابات نفسية.

فضلا عن أن تفسير وجود التطرف الحديث في العالم الإسلامي، على أنه "أحد ألاعيب الغرب في المنطقة"، هو من صميم الاستسهال. لو لم يكن هناك أرضية مساعدة لما استطاع أحد خلق منظمات مثل داعش وأخواتها في المنطقة.

على الحكومات دعم دراسات علمية لفهم "التطرف الحديث"

ينبغي على تركيا والعالم الإسلامي، إجراء أبحاث علمية حول الأسباب التي أدت لانتشار "التطرف الحديث". يجب العثور على أعضاء في تلك المنظمات المتطرفة وإجراء مقابلات معهم، في إطار بحوث ميدانية، لفهم أكبر للتطرف الحديث، وأسباب انتشاره بين الشباب.

يجب تحديد الطرق والوسائل التي تمكن من مكافحة التنظيمات المتطرفة اجتماعيا، إلى جانب مكافحة عملياتها الانتحارية بوصفها أعمالا جنائية. وهو ما سوف يساهم في تجفيف الموارد البشرية للمنظمات المتطرفة.

إلى ذلك، لا بد هنا من الإشارة إلى أن "التطرف الحديث" ينتشر بشكل سريع جدا داخل المجتمعات الغربية. هذا الموضوع سوف يكون موضوع بحث في مقالة منفصلة.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل