قضايا وآراء

غزة ومصر صفحة جديدة؟ كيف ولماذا؟

عز الدين إبراهيم
1300x600
1300x600
العلاقة المصرية مع قطاع غزة كانت وما زالت منذ إلحاق القطاع بالإدارة المصرية بعد حرب 1948 تدار من النافذة الأمنية، الأمر الذي رسخ صورة القطاع وأهله في عقلية حكام مصر كمصدر تهديد لأمنهم القومي بدلا من أي يكون العكس.

ولا يجد أي متابع صعوبة في اكتشاف استمرار النظرة الأمنية الضيقة التي تسيطر على مستويات صنع القرار في مصر عند تناول حاضر ومستقبل العلاقة مع هذا الجيب، والذي كان بالمناسبة تحت الإدارة المصرية عند احتلاله من قبل الكيان الإسرائيلي في حرب عام 1967.

وأمام الأنباء المتواترة عن صفحة جديدة في العلاقة بين مصر والقطاع -أو مرحلة تقارب قد تدشن لهذه الصفحة- لا يمكن لنا إلا دعم أي جهد من شأنه التخفيف من معاناة نحو مليوني فلسيطيني محاصر منذ سنوات، ذلك لأن مشكلة حصار غزة في الأساس إنسانية، واستمرارها يمثل وصمة عار في جبين الرسمية العربية والمجتمع الدولي، وكل أدعياء حقوق الإنسان.

ما يتسرب من معلومات يشير إلى أن اللقاءات التي شهدتها وستشهدها القاهرة في المرحلة المقبلة بين قيادات من حركة حماس ومسؤولين مصريين تجاوز ملف الحصار المفروض على القطاع وأزمة المعابر وإنشاء منطقة تجارية حرة بين مصر والقطاع إلى ملفات عدة، ربما تصل إلى إعادة ترتيب العلاقة مع غزة بشكل عام.

ومع إقرارنا بنتائج إيجابية ستعود على أبناء القطاع المحاصر فيما لو تحققت هذه التوقعات، فإنه لا يمكن في المقابل إغفال خلفيات أخرى لهذه التطورات وفصلها عن مجمل ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة من تفكك محاور ونشوء أخرى، وهو مكمن الخطورة، أي أن تتحول معاناة نحو مليوني إنسان إلى ورقة تستخدمها أطراف إقليمية لتحقيق مآرب سياسية.

ولعل السؤال الذي يطرح الآن، ما الذي تغير حتى نتوقع صفحة جديدة أو على الأقل تغييرا في الموقف المصري تجاه القطاع؟ أو ما هي الأسباب التي قد تدفع صناع القرار في القاهرة إلى اتخاذ خطوات تخرج التعامل مع غزة من طابعه الأمني كما كان دائما؟

بداية، لم يعد سرا أن ثمة بُعدا مصريا داخليا أصبح حاضرا في العلاقة مع غزة لا سيما بعد الانقلاب العسكري في مصر وتحديدا بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد، والحديث هنا عن الصراع المتصاعد بين جهازي المخابرات العامة الذي يعتبر ملف غزة أحد خطوطه الحمراء، والمخابرات الحربية -الذي كان يرأسه السيسي- والذي يحاول بدوره الاستقواء بمنصب الرئيس لإثبات الحضور في ملفات السياسة الخارجية للبلاد. 

وبدا ذلك واضحا على سبيل المثال من الموقف من حماس إبان زيارة وفد قيادي من الحركة للقاهرة بعد أيام قليلة من اتهامها بالمسؤولية عن اغتيال النائب العام هشام بركات، وعقدها لقاءات مع قيادات المخابرات العامة فيما كانت أذرع السيسي الإعلامية تشنّ حملة شعواء على الحركة وقيادتها. 

ومن هنا يمكن القول إن تغييرا في إدارة العلاقة المصرية مع غزة -إن حصل- ربما يمثل مصلحة لأحد أكبر أجهزة الدولة المصرية في إطار صراع نفوذ تشكّل السياسة الخارجية إحدى ساحاته، وهو ما يقودنا إلى دوافع أخرى تستند إليها المخابرات المصرية في إطار أي تقارب مصري مع غزة.

الدافع الأول يفترض أن تخفيف الحصار عن القطاع وبدء صفحة (مصرية)جديدة معه ربما يكون في الأساس رغبة إسرائيلية، التقطها صانع القرار في القاهرة في إطار تنسيق المواقف بين الطرفين، وهي رغبة عبّر عنها على الأقل التقرير السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الذي حذر من أن "الضائقة الاقتصادية والاجتماعية العميقة في غزة قد تتفجر في وجه إسرائيل".

الدافع الثاني والذي ربما يلتقي مع الأول بشكل غير مباشر هو رغبة مصرية-إسرائيلية مشتركة في سحب البساط من تحت أقدام تركيا وقطر ومحاصرة أي دور لهما في غزة، لا سيما بعد اتفاق تطبيع العلاقات الأخير بين أنقرة وتل أبيب والذي كانت غزة حاضرة فيه بشكل واضح.

الدافع الثالث يشير بشكل مباشر إلى وجود سعي مصري و ربما عربي أيضا لتحويل غزة إلى ورقة ضغط في الصراع الفتحاوي-الفتحاوي، من خلال تسهيلات وتحسينات تعود على سكان القطاع وتُنسب في النهاية إلى جهود القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، وهو ما قد يقوي موقفه في صراعه مع محمود عباس.

ما سبق ذكره يبقى في خانة التخمينات والتمنيات، ما لم يجد الفلسطيني في غزة -غير الآبه بأي دوافع سياسية- نتائج عملية على الأرض تخفف من معاناته التي صنعتها سنوات الحصار وثلاثة حروب طاحنة أتت على الأخضر واليابس، والتي يفترض أن تدفع النخبة السياسية الفلسطينية بانتمائاتها المختلفة إلى مراجعة حقيقية لأدائها بشكل خاص ومراجعة لأداء النظام السياسي الفلسطيني القائم بشكل عام. 
التعليقات (0)