ملفات وتقارير

"عربي21" تنفرد بنشر تفاصيل نتائج تقييم أداء "شبابية الإخوان"

الاخوان المسلمون
الاخوان المسلمون
تنفرد "عربي21" بنشر تفاصيل ملف نتائج مراجعة وتقييم أداء جماعة الإخوان المسلمين بمصر خلال السنوات الست الماضية (من كانون الثاني/ يناير 2011 إلى كانون الثاني/ يناير 2017)، الذي أعلن عنه المكتب العام للإخوان (مكتب الإرشاد المؤقت)، المعبّر عما يُعرف بـ"تيار التغيير" أو "القيادة الشبابية" داخل الجماعة.

ويتضمن الملف - الذي يحمل عنوان "تقييمات ما قبل الرؤية.. إطلالة على الماضي"- أربعة محاور رئيسية، هي غياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثر ذلك على الثورة، والعلاقة مع الثورة، والعلاقة مع الدولة، والممارسة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين.

وتحدثت الورقة الأولى لملف المراجعة عن ما وصفته بغياب ترتيب أولويات الإخوان في العمل العام وأنعكاس ذلك على الثورة، لافتة إلى غياب العلاقات المتوازنة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية، وغياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة، وغياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة وتحليل المعلومات.

وعن علاقة الإخوان مع ثورة يناير، أشارت الورقة الثانية للتقييمات إلى ضعف التصورات الفكرية والسياسية تجاه الثورة، واضطراب الخطاب الإعلامي قبل وفي أثناء وبعد الثورة، وعدم الاستفادة المثلى من الرموز الثورية وتقديم التنظيميين عليهم، وعدم الجاهزية السياسية لإدارة مرحلة الثورة الانتقالية، وعدم الانتباه لخطورة انفراد العسكر بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية.

وعرض المحور الثالث طبيعة العلاقة بين الإخوان والدولة، من خلال طرح عناصر رئيسية، هي: العمل السياسي تحت السقف والأفق الذي فرضته الدولة وعدم محاولة رفع سقف ذلك أو تجاوزه، والرضا بكون جماعة الإخوان ملفا أمنيا طوال الوقت وعدم السعي لنقله إلى ملف سياسي، وغياب أي مؤشرات للطموح السياسي عمليا أو في مساحة تطوير الفكر السياسي أو التنظير له، وعدم انتهاز فرص الانفتاح والتمدد فيها، وعدم العمل الجاد لجعل حرمان منتسبي الإخوان من الوجود في المؤسسات العامة للدولة؛ كقضية رأي عام ضاغط أو مطلب عادل والاستسلام في ذلك للواقع.

أما الورقة الرابعة والأخيرة، فقد تحدثت عن علاقة جماعة الإخوان بذراعها السياسي حزب "الحرية والعدالة"، متطرقة إلى ما وصفته بـ "التداخل الوظيفي والمقاصدي بين الحزبي التنافسي والدعوي التنظيمي"، وتحدثت عن مدى جاهزية الجماعة السياسية، والتقصير في صناعة وتطوير القيادات والكوادر الحزبية، والتقصير في الإعداد لإدارة الدولة، والوقوع في مصيدة الأخونة.

وتعتبر هذه الخطوة (المراجعة والتقييم الشامل لأداء الجماعة) هي الأولى من نوعها في الحياة السياسية المصرية، فلأول مرة تعلن قوى سياسية أو مجتمعية بشكل رسمي عن مراجعات تفصيلية لأدائها منذ ثورة يناير وحتى الآن.

أولا: غياب ترتيب الأولويات

محور غياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثر ذلك على الثورة

مقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد؛

فحديث الأولويات مطروح دوما سواء في الإطار المبدئي التقليدي أو في الإطار العملي التطبيقي، وسواء كان الحديث في الكليات أو الجزئيات.

وقد عنى المنهج الشرعي بترتيب الأولويات بين ضروريات وحاجيات وكماليات من جهة، وبين الواجب أو الفرض والسُنّة والحرام والمكروه من جهة أخرى.

كما أن مناهج البحث العلمية قد وضعت نسقا منضبطا لترتيب الأولويات؛ حتى لا تضيع الأعمار والأوقات في غير المهم، أو يحاسب المرء على  تركه للأوْلى، قال تعالى: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (التوبة: 19)، وقوله تعالى: "قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة: 24).

فلا شك أن البدائل المطروحة والقيم التي أضاءت عليها الآيات كلها مهمة، لكنها لفتت انتباهنا إلى ضرورة ترتيبها أولويا حتى لا يضيع الأوْلى.

وفي أي تجمع إنساني تكليفي أو طوعي لابد من معرفة أولوياته؛ حتى لا تتوه الغايات والأهداف والمهام في ركاب الوسائل والجزئيات، ويتحكم في الأولويات الظرف والزمن والمتغيرات بما لا يؤثر على غائية التجمع.

الورقة الأولى التي نطرحها في إطلالاتنا على الماضي ومراجعات السنوات الست التي تلت الثورة، سيكون محورها: (غياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثر ذلك على الثورة).

العناصر الرئيسية:

أولا - تركيز الهيكل التنظيمي التنفيذي وتوزيع المهام واللجان على العمل المجتمعي.
ثانيا - غياب العلاقات المتوازنة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية.

ثالثا - غياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة.

رابعا - غياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة وتحليل المعلومات.

التفاصيل

أولا - تركيز الهيكل التنظيمي التنفيذي وتوزيع المهام واللجان على  العمل المجتمعي:

على الأقل خلال العقود الثلاثة التي سبقت الثورة طوال عهد مبارك، كان التركيز التنظيمي التنفيذي للإخوان المسلمين على الجانب المجتمعي، وفي ظل هذا الجانب كان يأتي التعامل بصفة تابعة مع محاور العمل العام الأخرى: السياسية والاقتصادية والدعوية والإعلامية، ونعالج ذلك من عدة جوانب:

1-  صناعة رموز العمل العام:

الخلط الشديد بين رموز العمل الخدمي والدعوي، ثم خروج تلك الرموز إلى مساحات العمل السياسي (برع الكثير منهم في العمل السياسي، ونافسوا أكبر القامات السياسية المتمرسة بعد ذلك، ولا يعني نقدنا لآلية العمل أن نهدر إمكانيات الأفراد وإنجازاتهم).

فكان العمل السياسي ينطلق من بيئة اجتماعية حاكمة، ولكن قماشتها كانت ضيقة؛ فإما أن تصنع رمزا ينقصه الكثير من جوانب العمل العام، أو تستبعد كثيرا من رواد العمل العام في جوانبه المختلفة عدا الجانب المجتمعي.

2- اقتصار العمل المجتمعي في سواده العام على الجانب الخدمي:

كان العمل الخدمي هو التوصيف الجاهز والأسهل لمحور العمل المجتمعي، وأدى ذلك إلى العمل مع شريحة ضيقة جدا من المجتمع، كانت في المعظم من المنتفعين، ولعل هذا أسهم ولو بشكل بسيط في تبريد حدة الاحتجاج والاعتراض الشعبي على نظام مبارك.

وكان منطلق الإخوان في ذلك منطلقا أدبيا دينيا؛ وهو الاهتمام بالشرائح الأوْلى بالرعاية، وهي الفئات الأفقر التي أسقطها المجتمع والنظام من حساباته غالبا، وبرغم نبل المقصد والهدف إلا أن ذلك سبّب ابتعادا عن فئات كثيرة كان من الواجب الانتباه للتعامل معها بشكل أعمق، ولا ينفي هذا أنه كانت هناك تعاملات غير نمطية ولا مؤطرة وفي أغلبها موسمية مع فئات المجتمع الباقية.

ثانيا - غياب العلاقات المتوازنة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية:

في المجتمع كيانات مجتمعية أخرى سواء كانت جماعات أو منظمات أو جمعيات، لها أجندات مختلفة وربما متصادمة مع جماعة الإخوان المسلمين، لكنها في الوقت ذاته تخصم من الأرضية ذاتها، وتتميز بتمويلها المفتوح أو أنشطتها العلنية أو الغطاء السياسي الداخلي أو الخارجي.

وكان من الواجب التعاون مع هذه الكيانات على الأقل في الجزء المشترك، والإبداع في تنفيذ ذلك والاستفادة منه، (إلا أنه من جانب آخر يجب ألا نغفل أن معظم كيانات المجتمع المدني كانت تنطلق في العلاقة، لا من جانب المنافسة فقط، وإنما من جانب الرفض، بل والعداء في بعض الأحيان، وربما يخفف هذا الحال من حدة الانتقاد للإخوان في هذا الجانب).

ثالثا -  غياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة:

الظروف السياسية بالغة الحساسية التي افتعلها النظام المصري وفرضها على  جماعة الإخوان المسلمين طوال عقود - بدءا من نظام جمال عبد الناصر مرورا بالسادات وصولا إلى حسني مبارك - كان التعامل الأمني هو القناة الوحيدة للاتصال، سواء في المعتقلات وحركتها دخولا وخروجا، أو في فترات الصفو النادرة، أو حتى فترات المشاركة السياسية، ولم تنجح الجماعة طوال تلك الفترة في تحويل ملفها الأمني إلى ملف سياسي على أي مستوى من مستويات التعامل، (من هذه الزاوية قد لا يلام الإخوان بالدرجة الأولى في ذلك؛ لكونه رغبة النظم بل مبدأُها الذي تنطلق منه).

إلا أن اللوم يُوجّه للإخوان من عدة زوايا:

الزاوية الأولى - فراغ أدبيات الإخوان من التنظير لتلك المساحة (المشروع السياسي المتكامل لإدارة الدولة)

فلم ينتبه الإخوان أنهم في يوم من الأيام ربما يتصدرون المشهد السياسي في الحكومة أو البرلمان أو المحليات وربما الرئاسة، وتم التغييب العمْدي لحركة التنظير، أي الكتابة والبحث الأكاديمي وربما النقاش في هذا الأمر.

الزاوية الثانية - عدم السعي في توجيه المكاسب لحيازة منصب حكومي سياسي مؤثر، فكانت الانتخابات البرلمانية تنطلق من منطلق اجتماعي صرف؛ غرضه توسيع أطر التعامل مع المجتمع، وإيجاد غطاء سياسي مناسب للتعامل مع المجتمع؛ فكانت المقرات الخدمية المنتشرة في ربوع مصر معبرا جيدا عن هذه الحالة، ولم تكن التحالفات تُنسج للوصول من أجل الوصول لمنصب وزاري أو سياسي وربما محلي أيضا، حتى في انتخابات 2005 التي مثلت فرصة مواتية قدم الإخوان - أنفسهم - التطمينات للسلطة الحاكمة، التي تضمن عدم تجاوزهم لنسبة الثلث الضامن الذي يستطيع تحريك المسؤولية البرلمانية تجاه الحكومة، وربما الحصول على بعض المكتسبات السياسية الكبرى.

الزاوية الثالثة - عدم التجهيز الأكاديمي أو العملي للكوادر المتخصصة

كان من الممكن صناعة ذلك بالإيفاد للخارج في بعثات أو منح دراسية، هذا من جانب، ومن جانب آخر عدم امتلاك مراكز أو مؤسسات متخصصة تصنع هذه الكوادر ولو بشكل جزئي محليا.

وكان نتيجة ذلك عدم الجاهزية السياسية بالشكل الكافي فيما بعد لتولي المناصب السياسية في فترة الثورة، (ولا يخفى على الناظر المنصف أن الإخوان بالرغم من ذلك قدموا بعد الثورة شخصيات لها ثقل برلماني أو سياسي أو حكومي، شهد لها الجميع بالكفاءة، ولولا الحملة المدبَّرة التي تم عنونتها بلفظ الأخونة، فقد كان من الممكن تقديم أضعاف ذلك لولا هذا الابتزاز).

رابعا - غياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة وتحليل المعلومات

كان يتوفر للإخوان - من واقع التعامل المباشر بفئات الشعب المختلفة، ودون تكلف أو سعي – سيل من المعلومات والبيانات التي ربما لم تكن دقيقة بالشكل الكافي، إلا أنه من الممكن تجميعها ورسم صورة غير مشوشة أو موجهة أو مسيسة عن المجتمع، إلا أن التعامل مع هذه الأمور كان يتوقف عند سقف متدن جدا من التعامل، ربما لا يتجاوز مصدر المعلومة نفسَه، فكان الزهد - وفق هذا النسق - لا يحرك المعلومة خارج محيطها، وربما كان الحرص على وأدها في مهدها بحجج شتى.

فلو كانت هناك أوعية لتلك المعلومات المجانية لربما كان للجماعة شأن آخر، ولعلك ترى بعض الشركات الربحية تجني الملايين من مجرد العمل الإحصائي للمعلومات المتاحة لدى عملائها، بالإضافة للنظم المعقدة التي تصنع القرار لدى الدول أو مجموعات الضغط.

الخلاصة:

نتحدث هنا عن هذه المحاور الأربعة من زاوية التنبيه للقادم، فلو تعاملنا بالنمط نفسه، ولم نستدرك هذه الأمور (التي لا تمثل كل شيء بالطبع، فهناك جوانب أخرى لم يتم تناولها، لكن ربما كانت هذه الأبرز)، فربما ننتظر عشرات السنين حتى نحصد فرصة أخرى للعمل المجتمعي الممنهج الهادف الموجّه.

ربما يكون جانَبَنَا الصواب فيما مضى، لكننا عازمون على استدراك ما فاتنا، فمن لم يستطع التعاون معنا وفق هذه الغاية النبيلة؛ فليكن خصما شريفا يبحث عن أي مشترك بين ما نقول وما يستطيع هو إطفاء جذوة العداوة تجاهه؛ لأن الجميع في مركب واحد الآن وبعد الآن.

ثانيا: العلاقة مع الثورة

المقدمة

الحديث عن الثورة متصل منذ بدأت شرارتها الأولى في تونس وتبعتها مصر وليبيا واليمن وسوريا، ودوما ما كان يقترن الحديث الثوري بالإخوان؛ ثناء على مواقفهم أو نقدا لها أو سبا وشتما كما جرت عادة البعض.

وبدأت التصورات حول الثورة تتباين بين روادها وتدخلت على خط الثورة عدة مؤثرات داخل صفوف الثوار، وخارجية من معسكر خصومها المباشرين وغيرهم، فانحرفت تارة عن مبادئها وتارة عن طريقها الذي سلكته.

ويمكننا هنا أن نضع عدة عناصر تعد بدايات للحديث حول الثورة والثوار من وجهة نظر الإخوان، وكما هو الحال ليست جامعة للمواقف كافة، ولا مانعة من غيرها ولكنها تظل بداية لها ما بعدها.

العناصر الرئيسية:

أولا: ضعف التصورات الفكرية والسياسية تجاه الثورة

ثانيا: اضطراب الخطاب الإعلامي قبل وفي أثناء وبعد الثورة

ثالثا: عدم الاستفادة المثلى من الرموز الثورية وتقديم التنظيميين عليهم

رابعا: عدم الجاهزية السياسية لإدارة مرحلة الثورة الانتقالية

خامسا: عدم الانتباه لخطورة انفراد العسكر بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية

التفاصيل

أولا: ضعف التصورات الفكرية تجاه الثورة

بالرغم من كون الثورة حالة عشوائية مبهرة تتحرك بلا تنظيم، إلا أنها تحتاج لكثير من التصورات الفكرية تجاه حدوثها وكذا النظريات السياسية لحسن التعامل مع نتائجها وتفاعلاتها.

ومن الإنصاف القول بأن الثورة لم يكن يتوقعها أحد، كما أنه لم يدعُ إليها (كثورة) أحد، وإن عدنا لإرهاصاتها الأولى قبل الخامس والعشرين من يناير، سنجد الدعوات المطروحة على الساحة تتعامل مع يوم احتجاجي ضد الداخلية يوم عيدها، وإن وسعنا الدائرة قليلا سنجدها تشمل احتجاجا أعم على أوضاع التزوير الفج للانتخابات البرلمانية 2010 أو الاستمرار في جمع توقيعات مطالب الجمعية الوطنية للتغيير.

نقول هذا كمدخل لما نريد قوله هنا، وهو ضعف التصورات الفكرية للثورة لدى الجميع.

فيما يخص الإخوان المسلمين نسوق النقاط التالية:

1- أدبيات الإخوان مليئة بالفكر الثوري منذ نشأة دعوتهم وطوال فترة وجود المؤسس الإمام البنا، وكتابات البنا وجيله المؤسس وممارساتهم طوال هذه الفترة كانت تتسم بروح الثورة؛ فقد كانت تلك الفترة منذ التأسيس وحتى استشهاد البنا مليئة بالمظاهرات الحاشدة الضاغطة والاعتصامات، والمناداة بالعصيان المدني من الشعوب إذا لم تقف حكوماتها بقوة ضد اغتصاب فلسطين، بل تجهيز كتائب مسلحة لصد عدوان العصابات الصهيونية عن فلسطين عام 1948؛ استعدادا لمعركة التحرير ضد الإنجليز، وكان الإمام البنا يؤكد: "أن الإنجليز المحتلين واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة هي لغة الثورة والقوة والدم".

إذا، لم تكن الثورة غائبة عن الفكر الأصيل لجماعة الإخوان المسلمين لا في دائرة التنظير ولا التطبيق، وإنما غُيِبَت تلك الروح في الجيل التالي للإمام البنا، الذي خرج من سجون ناصر والسادات فانتهج آليات إصلاحية صرفة؛ اختيارا طوعيا منه لتلافي حالة الصدام بين الجماعة والنظام، واستمر ذلك اختيارا تنتهجه الجماعة ضمن ما أرسته أدبياتها، حتى أصبح بمرور الوقت الاختيار الأوحد لها وبدأت الجماعة كتنظيم تستبعد كل ما يؤدي إلى التلبس بحالة الثورة من المناهج والشعارات والتطبيقات والاختيارات، حتى أصبحت قراراتها متوقعة واختياراتها معلومة سلفا، وأصبح البطش الذي انتهجته النظم ضدها بمنزلة الحارس للخطوط الحمراء التي وضعتها الجماعة ابتداء قيودا على نفسها، ثم تحول لشيء من قبيل الاتفاق غير المكتوب بينها وبين نظم الحكم؛ فكان البطش الشديد يتم عندما تتخذ الجماعة قرارا أو اختيارا فيه أي مسحة ثورية على النظام.

وكان الخيار الإصلاحي الذي انتهجته الجماعة، يكتفي بالنزال السياسي المنضبط بشروط وحدود المساحة، التي يمنحها النظام في الانتخابات الطلابية والنقابية والمحلية والنيابية.

إذا، التصورات الفكرية للثورة كانت موجودة في فكر الإخوان الأصيل، لكنها أوقفت أو استبعدت في الفترة التالية للإمام البنا، وسار على ذلك التنظيم طوال فترة حكم مبارك حتى اندلعت الثورة عليه.

2- ساهم بشكل كبير في عدم انتصار حالة الثورة داخل الجماعة على حالة الإصلاح المتدرج، والمبالغة الشديدة لدى الجماعة في الحفاظ على التنظيم؛ فكانت الجماعة بعد كل ضربة لها يقوم بها النظام تنكفئ على نفسها وتسعى للملمة التنظيم والحفاظ عليه وإعادة ترتيب أوراقه.

حتى أصبح الاستثناء أصلا؛ فتحولت ضربات التنظيم لإجراء دوري يقوم به النظام الحاكم كل فترة ليعيد الجماعة إلى نقطة الصفر أو يعطلها كثيرا على سلم الإنجاز ووضعها دوما في خانة رد الفعل.

وفي ظل هذه الآلية في التعامل، قامت ثورة فكانت ردود أفعال الإخوان تسعى لوضع سياق تنظيمي يترجم حالة الثورة لإجراءات، وهذا ما يتنافى مع فكرة الثورة المتدفقة المتفاعلة الحاسمة.

3- وجود باقي أطياف الثورة في خانة الهجوم على الإخوان منذ اللحظة الأولى في سلسلة من الاتهامات من عينة "لم يشاركوا من أول يوم، ركبوا الثورة، خطفوا الثورة، باعوا الثوار"، وغيرها من الاتهامات التي أدت إلى عدم اطمئنان تنظيم الإخوان لرفقائه وقراءة الأمر في سياق رغبة الرفقاء في سير الأمور وفق نظرية (المخ والعضلات)، ووضع إطارين تسير داخلهما الأحداث؛ إطار (النخبة) المسيطرة والمتحكمة في القرار الثوري، وهذا ما يُستبعد منه الإخوان أو يُضيق عليهم فيه لأبعد حد.

وإطار (الحشد الثوري) الذي يطلب من الإخوان فيه النصيب الأوفى، من غير أن يكون لذلك أثر ملموس في مساحة إطار النخبة.

وكان النقد يتوجه للإخوان دوما في كلا المساحتين؛ فإن قَلّت مشاركة الإخوان في الحشد فقد باعوا الثورة، وإن طالبوا بنصيب من مساحة النخبة يوازي نصيبهم في الحشد، فإن لديهم نوايا لسرقة الثورة.
وهكذا ساهم رفقاء الثورة في انتصار فكر التنظيم داخل الجماعة على فكر الثورة، وكانت قرارات الإخوان دوما تنحصر في هذه المساحة المعقدة.

ثانيا: اضطراب الخطاب الإعلامي في أثناء وبعد الثورة

وفق ما أثبتناه في العنصر (أولا)، فقد أدى هذا إلى اضطراب في الخطاب الإعلامي، فبينما تصريحات وشعارات رموز الثورة من الإخوان في أيام الثورة الأولى تتسم بالثورية والوعي النابع من حرارة الميدان، تأتي تصريحات وقرارات التنظيم هادئة أو متوازنة تنظيميا أو ما زالت تراوح في قراءة المشهد.

وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى صدور تصريحات ثم نفيها وصدور تصريحات مغايرة، وكان الأولى حسم آلية التمثيل الإعلامي على أرضية الثورة بأن يكون متحدث الإخوان من البنية الثورية، التي بدأت تتشكل داخل الجماعة وتقود الميادين في كثير من الأحيان.

وأدى الحرص الزائد من الجميع على عدم إبراز الهوية الإسلامية في فاعليات الثورة إلى اضطراب في الخطاب الإعلامي للإخوان؛ فهم بين حرصهم على نجاح الثورة وألا يغلب عليها لون معين، وبين الرغبة في تمييز خطابهم عن خطاب غيرهم.

أضف لذلك الممارسة الطويلة للإخوان قبل الثورة التي تعتمد في أغلب الأحيان على (إماتة) الحدث وتركه؛ بحيث لا تصرح عنه أو تتحدث فيه إلا حالة الاضطرار وكون الحدث ملحا؛ وذلك لكونها تسدد الضريبة دوما تجاه ما تتخذه من مواقف وتصريحات، واستمر ذلك بعد الثورة مما سبب اضطرابا في الخطاب لتأخر الجماعة في التغطية المتفاعلة للأحداث، إما لمزيد من دراستها أو لمزيد من الوقت حتى تتضح، وكان يسبقها أطياف أخرى من الثوار الأفراد أو الكيانات الأخرى غير المضطرة إلى حسابات الإخوان المعقدة، التي كانت تصدر في بعض الأحيان مزايدة على الإخوان ذاتهم، وكان ذلك يجعل خطاب الإخوان في كثير من الأحيان متأخرا، فضلا عن كونه مضطربا.

ثالثا: عدم الاستفادة المثلى من الرموز الثورية وتقديم التنظيميين عليهم

وهذا الأمر صاحب أيام الثورة الأولى، وكذا مراحلها المختلفة حتى الانقلاب؛ فلا شك أن الحالة  الثورية أفرزت رموزا ثورية مبهرة في أيام الثورة، وكان ذلك امتدادا لبروزهم في مربع محاولات إصلاح التنظيم وممارسة لون مختلف طوال فترة ما قبل الثورة، وهذا ما أدى إلى معاملتهم وفق الخلفية التي رسخوها عن أنفسهم قبل الثورة، التي جعلتهم محل سهام النقد التنظيمي والتأخير في المكانة والدور والتسلسل القيادي، فلما أصبحوا رموزا ثورية لجاهزيتهم لهذا الدور وتوافق صفاتهم وخطابهم مع الحالة الثورية، تجددت حالة التخوف ومعالجة ذلك بتقديم التنظيميين عليهم مخافة حيادهم عن نهج الجماعة، وكان من نتائج ذلك خسارة مساحات كبيرة كانت هذه الرموز قد اكتسبتها من طريقة تعاملهم داخل الميدان، ورسوخ أقدامهم به وثقة كثير من أطياف الثورة بهم، وأدى ذلك إلى إحراجهم والمزايدة عليهم واهتزاز حالة الإجماع التي كانت عليهم.

واستمرت هذه الإشكالية في معظم قرارات الإخوان اللاحقة على الثورة، فكان الاختيار دوما لمصلحة التنظيم على حساب الرموز الثورية.

رابعا: عدم الجاهزية السياسية لإدارة مرحلة الثورة الانتقالية

دائما ما يتبع بدايات الثورات حركة سياسية واسعة توازي حركة الثورة، وتصنع المكاسب المرحلية وتفاوض باسمها، وهذه الحركة السياسية يجب أن تنتهج نمطا سياسيا ثوريا وليس إصلاحيا معارضا؛ لأن عقل الثورة غير عقل المعارضة، ومطالب الثورة مغايرة تماما لمطالب المعارضة.

ومن الأخطاء التي وقع فيها جميع أطياف الثورة هو العمل على قضايا مرحلية بآليات المعارضة السياسية، ولم يتم الاتفاق على ترتيب أولويات الثورة.

وإن كنا نتحدث عن عدم الجاهزية السياسية، فإن هذا الأمر يشمل الجميع وليس الإخوان وحدهم، وما الانقسام على فكرة الانتخابات أولا أو الدستور أولا منا ببعيد، فكلا الأمرين الانتخابات أو الدستور خيار دستوري، وليس كلاهما خيارا من خيارات الثورة ويستوي بأيهما نبدأ، مهما قيل من حجج متبادلة من طرفي المسألة.

وكان الأولى أن تعمل السياسة على الخطوات نفسها التي سارت فيها الثورة، وهذا ما لم يكن الجميع جاهزا له للأسف.

خامسا: عدم الانتباه لخطورة انفراد العسكر بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية.
لم ينتبه الجميع لخطورة قيام العسكر برسم أسس المرحلة الانتقالية، وهو الشيء الذي جعل المجلس العسكري مستفيدا بكل التباينات الموجودة بين القوى الثورية خبرة وعددا وحجما وتأثيرا، فلا القوى الثورية أبقت لبعضها البعض أي وجه من أوجه الندية سواء لفصيل قوي كالإخوان، أو أي ميزة نسبية لفصائل أخرى ليبرالية أو يسارية أو شبابية، وكان الكل يعطل الكل.

وكان الأولى من التوجه نحو قضية الدستور أو الانتخابات أولا، التفرغ لوضع إطار جامع لقضايا الثورة الكبرى التي يجب الحشد على أساسها، وعلى رأس ذلك إخراج الجيش من مساحة السياسة، ولكن الذي حدث هو مزيد من ترسيخ أقدام المجلس العسكري في البيئة السياسية المصرية؛ باعتبار أن (الجميع) اعتبره حامي الثورة والطرف المحايد من أطرافها، الذي يتم استدعاؤه على أرضية الحكم بين أطياف الثورة المختلفة.

هذه هي الحقيقة التي لا يجب أن نهرب منها، هذا الأمر يتحمل فيه الإخوان وقوى الثورة كافة الخطأ بالدرجة نفسها، ولا يدعي أحد لنفسه صوابا في هذا الأمر، فليست الشعارات التي رفعت في مراحل مختلفة هي التي تعفي أو تدين أصحابها.

فالثوري الذي رفع شعار "يسقط المشير" عنادا في منافسيه، والسلفي الذي رفع شعار "يا مشير إنت الأمير" يتساوون في كونهم أوجدوا قدما للمجلس العسكري بشكل أو بآخر، فالأول كان يرفع الشعار ويتوجه للمجلس باعتباره على الحياد، والثاني يستدعي المجلس ليستميله كطرف متحالف، وبين الصنفين يأتي الإخوان الذين اعتبروا الانتخابات هي الأداة التي بمقدورها حسم المعادلة وتسليم السلطة للثوار.

إذا، توافق الجميع دون أن يتفقوا على عدم الانتباه لخطورة انفراد المجلس العسكري بوضع أسس المرحلة الانتقالية؛ سواء اعتبره البعض محايدا أو حليفا أو مستأمنا على السلطة لحين استلامها دستوريا.

ثالثا: العلاقة مع الدولة

مقدمة

منذ بدء الخليقة وارتبط الوجود البشري في هذه الدنيا بالشكل التقليدي للمجتمعات الصغيرة في بادئ الأمر ثم الكبيرة بعدها، التي اتخذت أشكالا عدة منها القبيلة والعائلة والبلدة، التي قال فيها الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). صدق الله العظيم [الحجرات:13].

ومنذ أن عرفت هذه المجتمعات شكل التعاون والتحالف بدأت فكرة الدولة في التشكل، وفي الإسلام عرفت الدولة شكلا متميزا من دولة العدل والحرية والكرامة بقيادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت من بعده لتحكم في قارات العالم القديمة جميعها، فساد بها العدل والحق والمعرفة والعلم.
واستقرت في العلوم الحديثة أشكال الدول بين فيدرالية وكونفدرالية وبسيطة، أو ما سمي بالدولة القطرية.

وفي كل أحوال التاريخ وتقلباته كان شكل الدولة أو وظيفتها هو الهدف الذي تطمح إليه الجماعات ذات الغاية، التي ترغب في تحقيق أهدافها من خلاله لا سيما الجماعات التي تتسم أدبياتها وأهدافها بالشمولية.

وجماعة الإخوان المسلمون كأي جماعة من مبادئها وأهدافها ممارسة العمل السياسي، وذروة هذا العمل الحكم أو على الأقل المشاركة فيه أو معارضته الحقيقية بالآليات السياسية الموجودة، وزيادة رقعة هذه المعارضة شيئا فشيئا للوصول إلى الحكم في يوم ما، وهذا هو المفترض في عالم السياسة.

ولا شك أن تلك الأمور يجب أن تنضبط بشكل ما مع الدولة القائمة، وتظهر في حجم العلاقات بين الجماعة والدولة كعلاقات مشاركة أو منافسة أو حتى تصادم.

وهذه هي الورقة التي نطرحها في إطلالاتنا على الماضي، ومراجعات السنوات الست التي تلت الثورة وسيكون محورها (العلاقة مع الدولة).

العناصر الرئيسية:

أولا: العمل السياسي تحت السقف والأفق الذي فرضته الدولة وعدم محاولة رفع سقف ذلك أو تجاوزه.
ثانيا: الرضا بكون جماعة الإخوان ملفا أمنيا طوال الوقت، وعدم السعي لنقله إلى ملف سياسي.
ثالثا: غياب أي مؤشرات للطموح السياسي عمليا أو في مساحة تطوير الفكر السياسي أو التنظير له في مجالات (التعلم والتدريب الأكاديمي والتأليف).

رابعا: عدم انتهاز فرص الانفتاح والتمدد فيها؛ أبرزها برلمان 2005 حال ضغط النظام واضطراره لإدارة عملية انتخابية شبه شفافة.

خامسا: عدم العمل الجاد لجعل (حرمان منتسبي جماعة الإخوان المسلمين من الوجود في المؤسسات العامة للدولة)؛ كقضية رأي عام ضاغط أو مطلب عادل والاستسلام في ذلك للواقع.

التفاصيل

أولا: العمل السياسي تحت السقف والأفق الذي فرضته الدولة وعدم محاولة رفع سقف ذلك أو تجاوزه
منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين علي يد مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا في مطلع القرن العشرين، والقاصي والداني يعلم ما تنادي به في جانب الدولة وما تسعى إليه في شأنها، وتفننت النظم الحاكمة سواء في عهد الملك أو في عهد الجمهورية في إبعاد الإخوان عن دائرة الحكم، بل عن دائرة ممارسة السياسة ذاتها من الأصل، وكانت تتراوح التدابير التي تتخذها الدولة في ذلك بين التزوير الفج للانتخابات والاستبعاد والتعطيل، بل والسجن للحيلولة دون وصول الإخوان إلى المجالس النيابية، التي تستطيع من خلالها فيما بعد تشكيل الحكومة أو المشاركة فيها أو معارضتها حقيقة .

ولعل النموذج الأوضح في تلك العلاقة هو الانقلاب الذي جرى على الدكتور محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب، إذ كانت الدولة واضحة جدا في التعامل الإقصائي لجماعة الإخوان من المساحة السياسية، أو في بعض الأحيان التضييق الذي يضع سقفا متدنيا جدا للمشاركة الهامشية التي تعطي الإخوان فرصة المشاركة البرلمانية، والتي كانت ذروتها في برلمان 2005 بــ 88 برلمانيا (لا يشكلون الثلث).

ولكون الجماعة لم تكن تطرح نفسها بديلا للحكم القائم، لم تسع لنيل العدد اللازم بالبرلمان عن طريق الترشح المناسب، الذي يستطيع تشكيل الحكومة بشكل مستقل أو عن طريق التحالف مع غيرها من الكتل داخل البرلمان، (حتى لو من قبيل المناكفة السياسية أو جس النبض أو المغامرة المحسوبة)، (ولعل البطش الأمني الشديد الذي تمارسه الدولة هو الحائل دون ذلك).

إلا أنه كان من الواجب التعامل في تلك المساحة التنافسية بأي شكل، لا سيما عندما تتاح الفرص كما سنوضح في العناصر التالية.

ثانيا: الرضا بكون جماعة الإخوان ملفا أمنيا طوال الوقت وعدم السعي لنقله إلى ملف سياسي

ظلت جماعة الإخوان المسلمين ملفا أمنيا مخابراتيا طوال الوقت، وكان هذا هو المسار الأسهل للدولة المصرية طوال تاريخ صراعها الثنائي مع جماعة الإخوان.

ولم تفلح الجماعة – رغم رغبتها في ذلك – في تحويل ملفها مع الدولة المصرية إلي ملف سياسي حتى في الفترات التي نجحت فيها الجماعة في الوصول إلى البرلمان، يستوي في ذلك التمثيل المتدني في برلمانات ما قبل عام 2000 أو التمثيل المرتفع نسبيا في برلماني 2000 و2005، وكان البطش الأمني هو الأداة الوحيدة تجاه المواقف السياسية البحتة التي تتخذها الجماعة، سواء في القضايا الداخلية مثل احتجاجات القضاة واحتجاجات الغلاء، أو قضايا الأمة كالتظاهرات ضد العدوان علي فلسطين أو غزو العراق.

وظلت العلاقة الأمنية على حالها حتى قامت الثورة في 2011 فوجدت الجماعة نفسها وجها لوجه مع الدولة في علاقة سياسية مباشرة، سواء في أثناء أيام الثورة الأولى مع المجلس العسكري كأكبر فصيل سياسي، أو بعد إنشاء حزب الحرية والعدالة، وقد بدأت الجماعة نجاحا نسبيا في التحول نحو الندية السياسية مع الدولة، إلا أنها لم تكن مستعدة لهذه المرحلة استعدادا كاملا، وظهر ذلك في الخيارات السياسية والتحالفات الانتخابية والاختيارات للمهام السياسية.

ولعل من أسباب ذلك طول أمد التعامل الأمني الذي حرم أبناء الجماعة من الانخراط في الوظائف السيادية داخل الدولة؛ في الشرطة والقضاء والقوات المسلحة والمخابرات العامة والسلك الدبلوماسي، ولم يترك لهم إلا  هامشا بسيطا من الوجود النقابي والوظائف الجامعية، وأي عملية سياسية لا تكتمل إلا بالمعارف المتحصلة من العمل بمثل هذه الوظائف، فلما دخل الإخوان إلى العملية السياسية ووصلوا لأعلى سلمها الوظيفي في الرئاسة والمشاركة في الحكومة والأغلبية البرلمانية (وبالرغم من النجاح النسبي الذي يحسب لهم رغم هذه الظروف)، إلا أن اختياراتهم السياسية تأثرت كثيرا بغياب تلك الحنكة السياسية الناتجة عن الاحتكاك المباشر بالوسط السياسي والتعامل على أرضية سياسية مباشرة طوال الفترة الماضية؛ منذ الضربة الأولى في أواخر عهد الملكية وأوائل عهد عبد الناصر، حتى نهاية عهد "مبارك" وقيام الثورة، وذلك بالرغم من أن نشأة الجماعة شهدت طفرة في التعامل السياسي مع الحكومات المتوالية في عهد الملك.

ثالثا: غياب أي مؤشرات للطموح السياسي عمليا أو في مساحة تطوير الفكر السياسي أو التنظير له في مجالات (التعلم والتدريب الأكاديمي والتأليف)

نتج عن طريقة التعامل الإقصائي من جانب الدولة المصرية تجاه الإخوان، غياب عملي عن الطموح السياسي قسرا أو رضا بتلك المساحة المتدنية في المشاركة السياسية، التي احتفظ فيها الناظم بنصيب الأسد.

إلا أن الجماعة غابت أيضا من مساحة مهمة في صناعة الطموح السياسي وتهيئة الأجواء له، وهي مساحة التنظير أو تطوير الفكر السياسي أو التنظير له في مجالات (التعلم والتدريب الأكاديمي والتأليف).

وهذا كان متيسرا رغم التضييق، ولكن تركت هذه المساحة للاجتهاد الشخصي دون غطاء مؤسسي، وكان المفترض الانتباه لملء هذه المساحة بالإيفاد الخارجي للتعلم المتخصص، أو التوجيه نحو الانتساب في التخصصات الخادمة لذلك داخليا في الدراسة النظامية أو الحرة؛ (ولعل الحرمان من بعض التخصصات كان حائلا دون ذلك، إلا أن التغلب على هذا الحجب كان واجبا أيضا).

الدراسة والمناهج الداخلية الإخوانية غاب عنها أيضا صناعة التكامل من هذه الزاوية، فاقتصرت على تغذية الجوانب التربوية والوجدانية والأخلاقية، (ولعل هذا متسق مع الوظيفة الدعوية الأولى في الجماعة)،  إلا أنه كان من الواجب تمتين الجوانب الفكرية التي لها علاقة بالجوانب السياسية، وصناعة بيئة مناسبة لتخريج الرموز السياسية التي احتاجتهم الجماعة عند قيام الثورة، وقد ألجأها غياب ذلك لتعويض النقص من الرموز المجتمعية أو الدعوية، الذين يحتاجون إلى زمن ليس بالقصير لإدراك الخبرة والحنكة السياسية المطلوبة لمهامهم، (وذلك بالرغم من نبوغ بعض من تصدروا في مساحة الحكم أو البرلمان أو المهام السياسية المختلفة؛ سواء كان ذلك راجعا لاهتمام الجماعة بتدريبهم وتمتينهم على عجل، أو لجهد شخصي قاموا به، إلا أننا هنا نتحدث عن البيئة العامة والبنية المطلوبة).

أيضا غابت المحاولات التنظيرية في التأليف والكتابة التي تقدم المفاهيم والدراسات المرجعية والأدبية لعرض فكرة الإسلام السياسي (كما يطلق عليه)، والاجتهاد في عرض المشروع بشكل أكاديمي، يخفف من حدة الانتقادات المتعمدة لهدمه أو تشويهه من قبل المشروعات المنافسة او خصوم الثقافة الإسلامية بوجه عام، الذين نجحوا إلى حد بعيد في تشويه المعاني الراقية للفقه الإسلامي السياسي، واستطاعوا ترسيخ الحكم على الحضارة الإسلامية السياسية من زاوية الممارسات العملية والتجارب السياسية المبتورة هنا وهناك، سواء في الداخل ومشاركاته الضعيفة للإسلاميين أو الخارج في تجارب الحكم الخاطفة؛ فأصبح الحكم على التجربة الإسلامية السياسية متعسفا؛ لا سيما في غياب حركة التنظير والتأليف الأكاديمي المتخصص بإنشاء المراكز المتخصصة ورعايتها، أو حتى التوجيه الفردي (الاستكتاب) لصالح المؤسسة كمرجعيات .
التعليقات (2)
الاشعث الكبريتي
الخميس، 23-03-2017 06:25 م
هذه تقيمات الجماعه وليست شبابيه فقط فيهم الكبير والصغير منهم قيادات كبيره ايضا
ماجد السيد
الإثنين، 20-03-2017 05:18 م
سرقة مجهود غيرك ونسبته اليك كمنشق عن جماعة يطعن فيك وفي طريقك