قضايا وآراء

جماعة الإخوان الليبية

أبو بكر بلال
أبو بكر بلال
أبو بكر بلال
غني عن القول والبيان أننا بمجرد سماع كلمة الإخوان فإنه يقفز إلى أذهاننا ذلك التنظيم أو تلك الجماعة الفكرية التي تنتشر في غالبية الدول العربية والإسلامية، حيث نستطيع القول بأن اللفظة ذات مدلول اصطلاحي، وإن كان المدلول اللغوي للكلمة لا يزال قيد الاستعمال.

ومع صعود الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي وتصدرهم لقوائم الانتخابات لا سيما في مصر معقل جماعة الإخوان ومحل تأسيسها أصبح الاسم الذي يدل على الجماعة يعنى به في أوساط العامة كل متدين أو كل من ينتمي لهذه الثورة أو يحمل وجهة نظر إسلامية، وصار الانتماء إلى الإخوان يعرف بمجرد الشكل والهيأة والحديث.. قاد إلى ذلك عدة عوامل أهمها إعلام الثورة المضادة.

ينسحب ما تقدم على كل فروع الجماعة في هذه الدول لكنه يتأكد بقوة في ليبيا؛ ذلك أن إعلام الثورة المضادة فيها عمل على ترسيخ ذلك وقرر أن يوسع من مدلول كلمة الإخوان لتنتقل من مدلولها السابق الدال على التنظيم الإسلامي المعروف إلى كل متمسك بالثورة ومبادئها سواء كانت تيارات سياسية ودينية أو كتائب عسكرية وشخصيات مستقلة ومحللين سياسيين؛ بل تعدى الأمر أكثر من ذلك ليشمل غير الليبيين ممن ينافحون عن الثورات وينظرون لها ويقفون ضد الانقلابات ويصطفون إلى جانب الحريات، ولا زلت أذكر كيف رسخ هذا الإعلام المضاد للثورة بعيد ثورة فبراير كيف أن قناة الجزيرة ومن يمولها ويرأسها ويخرج على شاشاتها من تنظيم الإخوان المسلمين كعزمي بشارة والمحامية المصرية المدنية نيفين ملك وغيرهم، وليس بعيدا عن ذلك ما فعله إعلام الثورة المضادة بعد الانقلاب في مصر الذي وصل به الأمر إلى جعل الرئيس السابق لأمريكا باراك أوباما من الإخوان المسلمين.

وبعد الانقسام السياسي في ليبيا وبسط خليفة حفتر سيطرته على معظم الشرق الليبي وفشل انقلابه في أجزاء واسعة من الغرب الليبي والعاصمة طرابلس حافظ إعلام الثورة المضادة على مدلول كلمة الإخوان التي تواضع عليها؛ فالإخوان في نظر حفتر وانقلابه وبرلمانه وحكومته وقاعدته الشعبية هناك هو كل منتمٍ إلى ثورة فبراير ويقف ضد مشروع الانقلاب في ليبيا؛ فالمؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ والتيارات السياسية بما فيها جماعة الإخوان والشخصيات المستقلة والمحطات الإذاعية كلها خارجة من عباءة الإخوان المسلمين، بينما ظل مدلول كلمة الإخوان لدى تيار الثورة في الغرب الليبي مقتصرا على  الجماعة أو التنظيم الإسلامي الذي يحمل لافتة جماعة الإخوان المسلمين الليبية.

ظل تيار الثورة في ليبيا متماسكا حتى التوقيع على اتفاقية الصخيرات المغربية التي تفضي إلى تشكيل مجلس رئاسي وحكومة وفاق وطني ليدخل تيار الثورة لحظة التوقيع في انقسام بين أطرافه، فطرف مصطف خلف المؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ؛ وطرف مصطف خلف المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة المنبثق عن الاتفاق السياسي.

كان حزب العدالة والبناء المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين الليبية والمنفصل عنها في قراراته السياسية وإلإدارية أهم مكوّن مناصر للاتفاق ومخرجاته، بينما ظلت الجماعة في بياناتها السياسية واقفة على الحياد داعية بحسب تعبيراتها إلى مخرج سياسي للأزمة الليبية وأنها تشجع كل الجهود المبذولة في سبيل ذلك.

 لكن ذلك لم يكن كفيلا بحياديتها في أعين شركاء الثورة بل جعلها مؤيدة للاتفاق السياسي ومخرجاته لارتباط أفرادها بحزب العدالة، فعضو الجماعة هو عضو في الحزب أيضا، وإذا عزف عضو الجماعة عن الانضمام إليه فإن عزوفه لا يمكّنه من الانضمام إلى حزب سياسي آخر، ولمناصرة عدد من أعضاء الجماعة البارزين لمواقف الحزب وخياراته السياسية الداعمة لاتفاق الصخيرات، غير أن ذلك لا يعني أن عددا كبيرا من أعضاء الجماعة داعمون للاتفاق لا سيما من بنغازي والمنطقة الشرقية التي تطحنها رحا حفتر طحنا أمام مرأى ومسمع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.

هذا الموقف المحير وصعوبة الفصل بين الجماعة والحزب في مواقفهما السياسية جعل من مدلول كلمة الإخوان يأخذ منحى آخر لدى تيار الثورة وهو أن لفظ الإخوان لا يشمل الجماعة أو التنظيم فحسب؛ بل جعله يشمل الجماعة وحزب العدالة معا حتى إن كثيرا من شركاء الثورة أصبح ينعته بحزب الإخوان رغم الفصل السياسي والإداري بينهما.

أراد حزب العدالة بمواقفه الداعمة للاتفاق أن يفك الاشتباك مع التشدد الثوري والديني في المواقف السياسية والانحناء أمام إرادة المجتمع الدولي الذي أيد الانقلابات على الربيع العربي ودعمها، لذلك رأيناه يتقارب مع تيارات ضد التشدد الثوري لم يكن في يوم من الأيام يخطر على بال أحد أن يتقارب معها، لكن هذه التيارات نراها تتوجس من حزب العدالة لمرجعيته الإخوانية فهي في أكثر من موقف وفرصة لطالما رفضت الإخوان ورفعت شعارات مناهضة لهم.

أهم هذه التيارات التي أراد حزب العدالة التحالف معها المجلس البلدي لمدينة مصراتة الذي يتهم بصلته بدولة الإمارات وعدد من التيارات والشخصيات المدنية المحسوبة عليها، لكن التطورات الأخيرة التي حدثت في مدينة مصراتة كان لها شأن آخر في تعريف كلمة الإخوان وضبط مدلولها.

فبعد قيام المجموعة الرافضة لاتفاق الصخيرات بإعلان إسقاط المجلس البلدي وخروج مظاهرتين في المدينة إحداهما مؤيدة لإسقاط البلدي والأخرى رافضة له رُفِعَت في كلا المظاهرتين شعارات تندد بالإخوان المسلمين، فالمظاهرة المؤيدة لإسقاط المجلس البلدي والرافضة لاتفاق الصخيرات تعني بالإخوان حزب العدالة والبناء الداعم للاتفاق السياسي.

أما المظاهرة الأخرى المؤيدة لبقاء المجلس البلدي فإنها تعني بالإخوان أصحاب التشدد الثوري المناهضين لاتفاق الصخيرات ممن لا يفرطون بالثورة ومبادئها ويرون بعدم الدخول في مشروع توافقي يكون حفتر جزءا منه، وهؤلاء بهذا التعريف للإخوان يقتربون قليلا من تعريف الانقلابيين للإخوان الذي يشمل كل تيارات الثورة.

وكان المهندس خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر الوطني العام قد صب جام غضبه على الإخوان في أكثر من تصريح صحفي وبيان لحكومته فتارة يقرنهم بمشروع الصخيرات وهو في ذلك يقصد حزب العدالة والبناء وتارة يحملهم مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها البلاد وهو بذلك يقصد شخصيات تتولى مناصب سيادية في البلاد يحسبهم على الإخوان وهم ليسو كذلك كمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير وكرئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك.

ويرجع السبب في هذه الضبابية التي تعتري لفظ الإخوان وفهم مدلولها في المجتمع الليبي إلى عدة أسباب من أهمها تعمد الثورة المضادة إلى جعل لفظ الإخوان نقيصة تلحق بكل من يراد حرقه أو إبعاده عن المشهد السياسي الليبي والهدف الاستراتيجي من ذلك هو تشويه هذا التيار الإسلامي العريض المعتدل الذي بزغ نجمه بعد أول عملية انفتاح أتيحت منذ عقود أطلقت العنان للمواطن العربي أن يلبي إرادته وينفذ رغباته.

أضف إلى ذلك سببا آخر يختص بالحالة الليبية وهو أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا ليس بالتيار العريض والقاعدة الحزبية الواسعة مقارنة بالإخوان في الأقطار الأخرى وقد أخذ إعلام الثورة المضادة في توسيع حجمهم وإعطائهم هالة أكبر من واقعهم مما جعل الكل خصوما وأصدقاء يتيهون في وصفهم وفيمن ينتمي إليهم أو المحسوب على صفهم.

الأهم من ذلك هو ردة فعل جماعة الإخوان المسلمين واتخاذ مواقفهم تجاه التيارات والشخصيات المختلفة شرقا وغربا والتي تتطرق إليهم بسوء كلٌّ حسب تعريفه للفظ الإخوان ومدلولها؛ فجماعة الإخوان الليبية عادة ما تدين في بياناتها ومواقفها هجمات البعض عليها وإن كان بعض من هذا البعض لا يقصدون إدانة التنظيم أو الجماعة إنما يقصدون إدانة الإخوان المعرّفين في معاجمهم وقواميسيهم.

تبقى هذه الهجمة الشرسة على الإخوان بتعريفاتها المختلفة التي أسلفنا الحديث عنها عائقا وسدا منيعا أمام عمل جماعة الإخوان الليبية وممارسة دورها الدعوي والاجتماعي والخدمي مما يحتم عليها التفكير بشكل جدي في مخرج حقيقي لهذه الأزمة التي تعصف بهم، ومن بين الحلول المطروحة في هذا الصدد هو حل تنظيم الإخوان المسلمين أو استبدال الاسم والشعار، ولربما قاد هذا الحل إلى هدم كل ما تقدم من تعريفات للإخوان ومفاهيمها وظفها كل طرف من الأطراف المختلفة لمصالحه وأهوائه السياسية.
0
التعليقات (0)