سياسة عربية

هل يخرج العمل الإسلامي من ضيق التنظيم إلى سعة التيار؟

هل يجب على حركات الإسلام السياسي تغيير طريقة عملها؟ - أ ف ب
هل يجب على حركات الإسلام السياسي تغيير طريقة عملها؟ - أ ف ب
"التحول من تنظيم مغلق إلى تيار واسع يستوعب كافة أطياف المجتمع" حلم داعب مخيلة عدد من مفكري وناشطي العمل الإسلامي منذ عقود، وفي كل مرة يصطدم العمل التنظيمي فيها بالقمع الأمني والعوائق السياسية كانت فكرة التيار تسترد بريقها و تكتسب رصيدا تنظيريا أكبر دون أن تنجح في شق طريقها في الواقع حتى الآن.

ويعرف المفكر الإسلامي القطري جاسم سلطان فكرة التيار بأنه يقوم على بناء كتلة حرجة تتوافق ضمنيا في الحدود الدنيا لمصالح المجتمعات وتتعاون في خدمة المسارات الكبرى المنتجة لليقظة.

ويذكر سلطان لـ"عربي21" ميزات التيار بأنه "لا يحتاج إلى شروط انتماء، ويتفاوت الناس فيه في العطاء كل بقدر ممكناته، ويتعاونون على إنجاز المهام بأريحية ودون حساسيات، وينظر فيه للأهداف وتحقيقها وليس إلى المكاسب الحزبية، كما أن التيار يدعم كل أوجه الخير ما دامت تصب في ذات الاتجاه".

ولا يعتقد جاسم سلطان أن فكرة التيار تتنافى مع الحياة الحزبية العادية، "لكنها تتنافى مع الحزب الشمولي أو التنظيم الموازي" وفق رأيه.

وفي ذات الاتجاه يرى الكاتب والصحفي المصري سمير العركي أن الشكل التنظيمي الذي اتخذته الحركة الإسلامية طيلة العقود الماضية تجاوزه الزمن، وأن على الحركة أن تسارع إلى تطوير نفسها للخروج من شرنقة التنظيمات والتحول إلى تيار عام.

ويرى العركي في حديث لـ"عربي21" أن العمل التنظيمي أدى إلى عزلة الإسلاميين عن بقية المجتمع، لأنه فرض على الأفراد الاختيار بين البقاء وسط المجتمع أو الانعزال داخل أسوار التنظيم، كما أن هاجس الحفاظ على "التنظيم" خلال العقود الماضية قد حال بين كثير من الإسلاميين وبين الالتحام بالشعب في معاركه المختلفة مع سلطة الاستبداد وخاصة فيما يخص قضايا الحريات وحقوق الإنسان.

ويجيب العركي على سؤال إن كان من الحكمة إلغاء أهمية العمل الجماعي أن أحداً لا يجادل في أهمية العمل الجماعي، إنما المطلوب اليوم هو تخفيف غلواء ما وصفها بـ"التنظيماتية" وإعادة بناء التيار الأساسي الذي يعمل على مقاومة الاستبداد والفساد وبناء دولة الحريات وحماية الأمة من التشرذم ومخططات التقسيم المرادة بها.

ويختم العركي بالقول إن النجاح الحقيقي هو أن يتحول العمل الإسلامي إلى تيار جامع للأمة بكل أشكالها وأطيافها الفكرية، وهو ما لن يحدث إلا بالخروج من أسوار التنظيم والتعامل مع التحديات الكبرى كما يجب أن تكون.

من جهته يرى أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية د. وصفي عاشور أبو زيد أنه ليس ثمة تعارض بين وجود التنظيم وصناعة التيار، لكنه يستدرك بأن استمرار فعالية أي تنظيم مرهون بإيجاد عدد من الأجهزة التي توفر أسباب الاستمرار.

ويعدد أبو زيد في حديثه لـ"عربي21" ثلاثة أجهزة يعتقد أنها ضرورية لبقاء صلاحية التنظيم وهي:

 - جهاز تقوية المناعة، ويتعلق بتقوية الجسد التنظيمي عبر توظيف الكوادر واستثمارها، وإبراز الكفاءات حتى لا يحدث هناك انزواء لها وإحداث مجموعات تغرد بعيدا عن القيادة التي يجب أن تكون لبقة وفاعلة وواسعة الأفق لتستوعب الجميع، وتعمل على صحة الجسد التنظيمي.

-جهاز النقد البناء والتقييم والتقويم، وهو الذي يختص بممارسة تقييم التجارب والممارسات، وتقويم الأساليب والوسائل، فهذه العملية وممارستها بشكل مستمر هو الذي يضمن الحيوية والفاعلية لأي تنظيم.

-أما الجهاز الثالث فهو جهاز التطوير والتجديد، وهو الذي يعنى بالبحث عن أفضل الوسائل لتحقيق الأهداف المرصودة، ويواكب أحدث الصيحات في الأنظمة الإدارية والهيكلية والتربوية الصالحة لبناء إنسان صالح، وعدم الجمود على وسائل عفا عليها الزمن، وهذا الجهاز هو الضامن لبقاء التنظيمات وحفظها لحيويتها واستمرارها وقوتها، وامتلاكها القدرة على مواجهة التحديات، والنجاح في تجاوز مشكلات الواقع بل القدرة على استشراف المستقبل والتعامل معه بكفاءة وفعالية.

ويعيد أبو زيد التأكيد بأنه يمكن الجمع بين وجود التنظيمات وبقائها وبين تكوين تيار خادم للأمة ومحقق لرسالتها وأهدافها.

أما الكاتب الأردني إبراهيم اليماني فيرى أن على الأحزاب الإسلامية إعادة إنتاج نفسها فكريا وسياسيا حتى تستطيع التعامل مع الظروف والمتغيرات الدولية، وأن عليها تغيير الأدوات والوسائل القديمة في التعامل مع الحكومات والمجتمعات.

ويدعو اليماني في حديث لـ"عربي21" إلى الفصل بين العمل التنظيمي والعمل السياسي، "حتى تتحقق السعة والمرونة لدخول المجال السياسي من أبوابه الكبيرة والاستفادة من ذوي الكفاءات، كما حدث في التجربة التركية وغيرها من التجارب الإنسانية الناجحة، التي لم يشترط فيها العمل السياسي بالقيود التنظيمية.
التعليقات (0)