اقتصاد عربي

هذه صفقة الجيش المصري لتمرير قانون الاستثمار الجديد

تعديلات السيسي على قانون الاستثمار فشلت في جذب المستثمرين وأضرت بالاقتصاد- أ ف ب
آثار موافقة مجلس النواب المصري على قانون الاستثمار الجديد، ردود فعل متباينة في الأوساط الاقتصادية والاستثمارية، لا سيما بعد المشادات والمشاحنات بين النواب والحكومة، التي صحبت تمرير القانون.

وجاءت موافقة البرلمان المصري على القانون، بعد أكثر من عامين من تعديلات رئيس سلطة الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، على قانون الاستثمار، التي اعتمدها قبل ساعات من بدء مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس 2015.

ووصف الرئيس التنفيذي السابق للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، علاء عمر، تعديلات السيسي على قانون ضمانات وحوافز الاستثمار قبل 24 ساعة من بدء المؤتمر الاقتصادي بالفاشلة.

وقال في تصريحات صحفية، إن هذه التعديلات كانت سبب ضبابية وسوء مناخ الاستثمار منذ تعديلها وحتى الآن، مؤكدا أن إعداد قانون جديد للاستثمار يبعث بصورة سلبية للمستثمر ويشير إلى حالة من عدم الاستقرار.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي السابق، زياد بهاء الدين، في مقال له، أن تعديلات السيسي "المستعجلة" على قانون الاستثمار جلبت المزيد من التناقضات والصراعات بين الأجهزة الحكومية، وأدت إلى تدهور مناخ الاستثمار وضياع فرص ثمينة للاستثمار.

تحفظات

وقال بهاء الدين في مقال له اليوم تحت عنوان " قانون الاستثمار... تعليق أخير" بصحيفة الشروق المصرية،  إن تحفظي على القانون الصادر منذ يومين كان ولا يزال منصبا على أنه يعيد العمل بنظام المزايا الضريبية التي تفتح أبواب التلاعب والفساد، وتضيع على البلد  موارد ضريبية نحن في أمس الحاجة إليها لمواجهة تحديات التنمية في ظل عجز الموازنة العامة وفرض ضرائب باهظة على المواطنين.

وتابع: "القانون سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في نظام منح التراخيص وتخصيص أراضي الاستثمار بسبب التنازع في الصلاحيات بين الوزارات والهيئات المختلفة، كما أنه يغير من طبيعة هيئة الاستثمار بجعلها هيئة رقابية وتابعة لوزارة الاستثمار بعد أن كانت من قبل هيئة مستقلة ومعنية فقط بالترويج وتيسير المعاملات الاستثمارية".

وأكد أن العوائق والمشكلات الكبرى التي تعترض تدفق الاستثمارات إلى مصر ليست مما يمكن معالجته في إطار قانون الاستثمار بل تتعلق بقوانين وسياسات أخرى على رأسها عدم وضوح التوجه الاقتصادي للدولة، وضعف نظام التقاضي، والتدخل الواسع للدولة بأجهزتها المدنية والعسكرية في منافسة القطاع الخاص حتى فيما لا يمس الأمن القومي أو السلع الاستراتيجية.

مستثمرون بخلفية عسكرية

ومن ناحيته أرجع أستاذ الاقتصاد في الجامعة العالمية للتجديد بتركيا، أحمد ذكر الله، سبب تأخير إصدار قانون الاستثمار الجديد لما يزيد عن عامين إلى النزاع الحاد والقائم بين مؤسسات الدولة في الحصول على أحقية استغلال الأراضي، التي كان مبارك قد وضعها تحت تصرف القوات المسلحة المصرية.

وتابع في تصريحات لـ"عربي21" : "وبالتالي كان لا يمكن أن يمرر أي قانون جديد للاستثمار دون موافقة الأجنحة الفاعلة داخل القوات المسلحة خاصة المتربحة من تخصيص وبيع الأراضي للمستثمرين أو حتى للمواطنين العاديين، مؤكدا أن هذا التأخير في إصدار القانون أضر بسمعة مصر الاستثمارية على المستوى الدولي.

وانتقد ذكر الله ترويج الحكومة المصرية لإقرار قانون الاستثمار الجديد على أنه الفتح المبين الذي سيجلب الاستثمارات الأجنبية لمصر من كل حدب وصوب، قائلا أن هذا الترويج مشكوك في صحته ونتائجه.

ولفت إلي أن القانون الجديد يخاطب شريحة معينة من المستثمرين الأجانب الذين يتمتعون بسند عسكري أو مخابراتي من بلادهم، لأن الوضع الحالي في مصر –بحسب قوله- لا يشجع أي مستثمر عادي على المخاطرة بأمواله، وخير دليل على ذلك الهروب الجماعي لعدد كبير من شركات الاستثمار الدولية وخاصة في مجال الطاقة المتجددة. 

وأوضح ذكر الله أن الاستثمارات الأجنبية وحدها لا تبني تنمية اقتصادية ولا تساهم في بنائها إلا بالنذر القليل، مشيرا إلى أن الاستثمارات الأجنبية والمعونات التي دخلت مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد وحتى الآن تجاوزت 300 مليار دولار ورغم ذلك لم تؤدي تلك المليارات أي دور حقيقي في التنمية الاقتصادية.

تهرب ضريبي

وأكد أن قانون الاستثمار الجديد أعاد العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة، وهو ما كانت تعترض عليه وزارة المالية المصرية بشدة، وكانت سبب المشادات والمشاحنات بين النواب ووزارة المالية من ناحية ووزارة الاستثمار من ناحية أخري، لافتا إلى أن المالية تري أن مادة المناطق الحرة الخاصة باب خلفي للتهرب الضريبي.

وأشار ذكر الله إلى أن وزارة المالية وعدت صندوق النقد الدولي بتدبير حصيلة ضريبية تقدر بـ 460 مليار جنيه في العام المالي الجديد، وإقرار هذه المناطق الحرة الخاصة سيفوت على الدولة جزء لا بأس به من الحصيلة المستهدفة.

وأضاف: " القانون رغم أنه يعطي بعض الأمل من حيث الشكل، إلا أن مشاكل القانون الأساسية ستبرز عند التنفيذ خاصة في المادة التي تتعلق بضم أراضي الدولة إلى وزارة الاستثمار، لأن أراضي الدولة حاليا تحت سيطرة القوات المسلحة وكذلك الطرق الدولية، والتطبيق الفعلي لهذه المادة  سيكون الجيش المصري هو المتحكم فيها".

الصفقة الكبري

وتوقع ذكر الله أن يكون موافقة القوات المسلحة المصرية على تمرير هذه المادة له أبعاد أخرى مرتبطة بصفقة كبري مع تجار وحيتان وسماسرة الأراضي، وخاصة فيما يتعلق أراضي مطار النزهة وجزء من أراضي مطار القاهرة وأرض مستشفى العباسية، والتي تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات ويتجاوز سعر المتر الواحد فيها 100 ألف جنيها.

وأكد المستثمر المصري، ونائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية، فتحي الطحاوي، أن نجاح تطبيق القانون متوقف على العقليات التي ستتولى تنفيذه، لافتا إلى وجود عقليات بيروقراطية تحطم آمال أي مستثمر في العالم.

وقال الطحاوي، في تصريحات لـ "عربي21": إن القانون به العديد من الحوافز الجيدة، ولدي تحفظ واحد فقط على القانون هو إعادة العمل بالمناطق الحرة الخاصة، مضيفا أن هذه المناطق تعد باب كبير للفساد وتضيع على الدولة مليارات الجنيهات من الضرائب، فضلا عن ضرورة أن تكون المناطق الحرة تحت سيطرة الدولة نظرا لحساسيتها من ناحية الأمن القومي.

وأشار إلى أن قانون الاستثمار الجديد يمثل نقلة نوعية لتحفيز وتشجيع الاستثمار في مصر سواء للمستثمرين الأجانب أو المصريين، مؤكدا أن القانون الجديد سيحول مصر إلى مركز لجذب استثمارات العالم.