مقالات مختارة

هذا التعاطف المفاجئ مع الرئيس مرسي

1300x600
بطبيعة الحال لا أقصد هنا تعاطف أعضاء جماعة الإخوان أو ما يسمى بتحالف أنصار الشرعية، فتعاطفهم مع الرئيس الأسبق محمد مرسي مفهوم وقديم منذ لحظة إطاحته، وهو مبني على ولاء تنظيمي أو ولاء عقدي في أغلبه، ولكني أتحدث عن الظاهرة الجديدة التي تنتشر تدريجيا بوضوح في كتابات خصوم محمد مرسي وخصوم الإخوان في مصر، فخلال الشهر الأخير يمكن رصد عشرات المقالات والتصريحات من شخصيات سياسية وقانونية وإعلامية بارزة ممن أيدوا إطاحة مرسي وإبعاده، كلها تتحدث بلغة جديدة عنه، لا تخطئ التعاطف مع قضيته، خاصة المظالم التي قال أنه يتعرض لها في سجنه.

وكانت الكلمة الأخيرة التي قالها الرئيس الأسبق في جلسة محاكمته في القضية التي تعرف بإهانة القضاء، حيث اشتكى من أنه منذ أربع سنوات لم يقابل أحدا من أهله ولم يجتمع بأحد من محاميه وأنه يتعرض لانتهاكات داخل سجنه، بل إن القضية التي يحاكم فيها لا يعرف اتهامه فيها ولا حيثياته ولا أي شيء عنها، كانت تلك الكلمات صادمة بالفعل، ومن الصعب تفسيرها، والغريب أنه لا توجد أي جهة رسمية عقبت عليها، فلا المحكمة صدر عنها شيء في حدود علمنا، أو قرار واضح بتمكينه من الاجتماع بمحاميه أو إلزام الجهة التنفيذية بتمكينه من مقابلة أهله في الزيارات المقررة قانونا، ولا وزارة الداخلية قالت شيئا عن حقيقة اتهامه لها أو أسباب حرمانه من تلك الحقوق البديهية التي يضمنها القانون، ولا مؤسسة الرئاسة عقبت ولا الحكومة، وهو ما أعطى انطباعا واضحا بصحة كلامه، وبالتالي تأكيد مظلوميته.

هل هذا التعاطف الذي يتسع تدريجيا مع محنة الرئيس مرسي تنحصر أسبابه في أبعاد إنسانية وحقوقية محض، أم أنه مؤشر على تحولات سياسية جديدة في مصر يمكن أن يبنى عليها تصور مستقبلي، بطبيعة الحال، من الصعب أن تكون هناك إجابات حاسمة وقطعية على مثل هذا التساؤل في تلك المرحلة، ويحتاج الأمر إلى رصد الفترة المقبلة وتطورات الوقائع على الأرض وفي فضاء الإعلام لاستشفاف الإجابة.

ولكن بعض المقدمات قد تكون كاشفة على أن هذا التحول ليس حالة إنسانية مجردة، وإن كان البعد الحقوقي والإنساني واضحا فيها ومقطوعا به، ولكن تلك التجاوزات حدثت كثيرا مع الدكتور مرسي وغيره من الإسلاميين طوال السنوات الأربع السابقة، ومنذ إطاحة نظامه في 3 يوليو، ولم يكن التوقف عند مسألة "الحقوق" الإنسانية له أو لأنصاره ذات حضور، فضلا عن أن تصدر بشأنها بيانات وتكتب مقالات من أقلام متنوعة المشارب السياسية، وكلها كانت مواقفها ضد الإخوان ومرسي على طول الخط، لم يبرز هذا التعاطف والبعد الإنساني والحقوقي رغم كل تلك الانتهاكات، لكنه بدأ في الظهور مؤخرا بعد موجات من الإحباط السياسي العام في مصر، والاصطدام بحقيقة أن دوامة التجاوزات تطال الجميع ولا تستثني أحدا بدرجة أو أخرى، وأن التساهل في أمرها كان خطأ، وأن الحقوق لا تتجزأ، وأن الإيمان بالحريات العامة والضمانات القانونية عندما تتسامح مع إهداره فإنه يصل إليك حتما، وقد أثبتت الأحداث وتواليها تلك الحقيقة، وهذا ـ في تقديري ـ ما جعل هناك تحولا واضحا في تلك المسألة.

التهاون في الانتهاكات إذا كانت لخصمك السياسي هو خطأ سياسي كما هو خطأ أخلاقي بطبيعة الحال، لكن المشكلة هنا أن الجميع وقع في هذا الخطأ، مرسي وأنصاره وخصومه أيضا على حد سواء، وتجربة السنوات الست الماضية منذ تفجر ثورة يناير أعطت هذا الدرس للجميع، ويفترض أنها حقيقة توجب التواضع السياسي على الجميع، وتفرض على الجميع المراجعة السياسية والأخلاقية لكل المواقف السابقة.

إلى أي مدى تصل تلك الموجة من "التضامن" مع الرئيس الأسبق والانتهاكات التي يعاني منها، وإلى أي وجهة يمكن أن تترجم سياسيا، هذا هو ما سوف تكشفه الأيام المقبلة، ولكن المؤكد أن المزاج السياسي العام في مصر تغير بصورة كبيرة، والكثير من شقوق وتناقضات المجتمع السياسي تراجعت، وأجندات المستقبل القريب أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات. 
 
المصريون المصرية