مقالات مختارة

هل انتهت المهمة الأمريكية الموكلة لإيران في المنطقة؟

1300x600
كل الدول، حتى العظمى منها، هي دول وظيفية بالنسبة لأمريكا. وإذا كان الأمريكيون يوظفون دولة كبرى مثل روسيا شرطيا جديدا في الشرق الأوسط، فمن الطبيعي أن كل الأدوار التي أدتها إيران على مدى العقدين الماضيين في المنطقة كانت بضوء أخضر أمريكي. 

من السخف الاعتقاد بأن إيران نافست أمريكا على النفوذ في العراق، فلولا المباركة الأمريكية للتدخل الإيراني في بلاد الرافدين، لما حلمت إيران بالهيمنة على بغداد. وكذلك الأمر في سوريا ولبنان.

من هو المغفل الذي سيصدق أن إيران وصلت إلى الجولان على حدود إسرائيل مع سوريا بدون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي؟ 

هل كان قاسم سليماني وشركاؤه ليتجولوا في القنيطرة وبعض مناطق حوران على مرمى حجر من إسرائيل، لو لم يحصلوا على إيماءة إسرائيلية؟ 

هل كانت المليشيات الإيرانية العراقية واللبنانية تحلم بدخول الأراضي السورية لولا الموافقة الإسرائيلية، والأمريكية ثانيا؟ بالطبع لا. 

وكذلك في اليمن المحاذي للقواعد الأمريكية في الخليج. تحركت إيران في عموم المنطقة بناء على التوجيهات الأمريكية، وليس بناء على المشروع الإيراني المزعوم. 

وحتى لو كان هناك مشروع إيراني في المنطقة فعلا، فهو مستمر بمباركة أمريكية أولا وأخيرا، ولا شك أنه سينتهي عندما ترى أمريكا أنه استنفد مهامه الموكلة إليه.

باختصار، فإن كل ما فعلته إيران في المنطقة على مدى السنوات الماضية كان دورا وظيفيا أسندته لها أمريكا لفترة محدودة، تخدم المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. 

ويبدو الآن أن المهمة الأمريكية في الشرق الأوسط أوشكت على الانتهاء، بدليل أن الرئيس الأمريكي الجديد بدأ ولايته الرئاسية بالتحريض على إيران، وتقليم أظافرها في المنطقة، واعتبارها أكبر خطر إرهابي يهدد العالم. 

هكذا يتصرف الأمريكيون عادة مع أدواتهم، يتركونها تتحرك طالما هي تخدم المشروع الأمريكي، لكن عندما يرون أنها استنفدت دورها، ينقلبون عليها كما فعلوا مع الجماعات الجهادية من قبل في أفغانستان، حيث كان الأمريكيون يعتبرون المجاهدين مقاتلين من أجل الحرية عندما كانوا يواجهون الخطر الشيوعي. 

لكن عندما زال الخطر الشيوعي، تحول المجاهدون في نظر أمريكا إلى إرهابيين لا بد من ملاحقتهم وسحقهم، في كل أنحاء العالم.

ويجادل الكاتب ماجد كيالي أنه "لا يمكن إحالة صعود نفوذ إيران في المشرق العربي إلى قوتها العسكرية، إذ إنها أخفقت في حربها مع العراق (1980ـ 1988)؛ ولا إلى قوتها الاقتصادية، إذ ثمة دول إسلامية -مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا- أكفأ منها وأفضل اقتصاديا، ولا إلى نموذجها في الحكم. 

إذ هي دولة دينية طائفية ومذهبية منذ قيامها (1979) وفق وصفة الولي الفقيه.. ولا شك أن العامل الرئيس الذي مكن إيران من التغلغل في المنطقة هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق واحتلاله عام 2003، الذي تم بالتوافق مع حكام طهران مثلما حصل في الغزو الأمريكي لأفغانستان 2001". 

بعبارة أخرى، كان ثمة عوائد أمريكية -وتاليا إسرائيلية من السماح لإيران بالتدخل في المنطقة- أهم وأكبر وأعمق تأثيرا من ضرر تلك الادعاءات، أو تلك المقاومة. 

ويضيف كيالي:

"لقد ثبت في ميدان التجربة -وليس فقط بالتحليل السياسي- أن ذلك السماح الأمريكي والإسرائيلي كانت غايته تحديدا استدراج إيران للتورط والاستنزاف في البلدان المذكورة، وتاليا توظيف هذا التورط في تقويض بنية الدولة والمجتمع في بلدان المشرق العربي، الأمر الذي قدم خدمة كبيرة لإسرائيل. 

ففي المحصلة؛ أدت السياسات التي انتهجتها إيران في المنطقة إلى إثارة النعرة الطائفية المذهبية، وشق وحدة مجتمعات المشرق العربي بين "شيعة "و"سنة"، وإضعافها وزعزعة استقرار دولها. 

وهو الأمر الذي لم تستطعه إسرائيل منذ قيامها.. والأهم من ذلك، أنها استطاعت -عبر تلك الاستراتيجية- إفقاد إيران نقاط قوتها بكشف تغطيها بالقضية الفلسطينية، وفضح مكانتها دولة دينية ومذهبية وطائفية في المنطقة، بعد أن استنفدت دورها في تقويض وحدة مجتمعات المشرق العربي، وإثارة النزعة الطائفية المذهبية بين السنّة والشيعة. 

إذ لم يعد أحد ينظر لإيران باعتبارها دولة مناهضة لإسرائيل، أو دولة يجدر الاحتذاء بها. 

وفوق ذلك؛ نجحت الولايات المتحدة في تأمين بيئة إقليمية آمنة لإسرائيل عقودا من الزمن، بعد تفكّك الدولة والمجتمع وخرابهما في أهم دولتين في المشرق العربي، أي في سوريا والعراق".

لاحظوا كيف انقلب الرئيس الأمريكي الجديد على سياسة أوباما تجاه إيران، وفي واقع الأمر هو ليس انقلابا بقدر ما هو مرحلة أمريكية جديدة للتعامل مع إيران، بعد أن أدت مهمتها. 

وتأتي زيارة ترامب إلى السعودية واجتماعه مع 16 زعيما عربيا وإسلاميا في إطار الخطة الأمريكية الجديدة للتعامل مع إيران، وإعادتها إلى حجمها الطبيعي.

هل نجح الأمريكيون في توريط إيران في المستنقعات العربية كما نجحوا من قبل في توريطها في الحرب مع صدام حسين؟ 

لو بدأ الأمريكيون والإسرائيليون العمل فعلا على قص أجنحة إيران في المنطقة، فهذا يعني حتما أن الإيرانيين بلعوا الطعم الأمريكي مرتين، الأولى عندما خاضوا حربا ضد العراق لثماني سنوات، والثاني عندما تغلغلوا في سوريا ولبنان واليمن وتبجحوا باحتلال أربع عواصم عربية. 

وعلى ما يبدو، فإن تحجيم إيران ليس مطلبا أمريكيا وإسرائيليا فقط، بل بات مطلبا دوليا وإقليميا بحسب كيالي؛ فهو يتوافق مع رغبة روسية وتركية أيضا، لا سيما أن روسيا تعتبر سوريا ورقة في يدها، لا في يد إيران التي تنافسها على ذلك.

باختصار، ليس هناك دول مقدسة في المفهوم الأمريكي، فالجميع بمن فيهم إيران مجرد أدوات وظيفية تؤدي دورها بحسب المصلحة الأمريكية، ثم تتنحى جانبا. 

فهل انتهى الدور الإيراني في المنطقة يا ترى، أم أن الأمريكيين مازالوا قادرين على استغلال البعبع الإيراني لتحقيق مزيد من الأهداف قبل أن يقصوا أجنحته تماما؟

(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية)