كتاب عربي 21

هكذا يوظف حكم العسكر الفنانات!

1300x600
يتطور الكون، ولا يتطور أداء النظم العسكرية. يتقدم العالم، بينما حكم العسكر "محلك سر"، فهو يستخدم نفس الأدوات البالية والعقيمة رغم فشلها، فعندما يرتكب حماقات في الحكم، فإنه يسعى لصرف الأنظار، بذات الأفلام القديمة، حتى وإن تجاوزها الزمن، وعافتها النفوس!

لا يخرج عبد الفتاح السيسي من "حفرة" إلا ليقع في "دحديرة"، فقد وحد الناس ضده، حتى أولئك الذين سبق لهم الانحياز له، وكانت قضية الأرض هي الجامعة، عندما فرط في سيادة "تيران" و"صنافير" لصالح إسرائيل، وفي نفس الوقت قام برفع الدعم بشكل كبير عن المحروقات، فاستحق أن يعلنه الشعب دبر كل صلاة، فجرى استخدم الفنانة "غادة عبد الرازق"، في محاولة بائسة لشغل الرأي العام، بصورتها شبه العارية، وفي محاولة ليكون ما ظهر منها هو حديث الناس، وليشغلهم عن مرحلة عموم البلوى التي يمثل فيها السيسي حكم العسكر في أوضح معانيه، وأكثرها بؤسا!

هذا الاستدعاء القسري، للمذكورة "عبد الرازق"، كان بعد حضور الفنانة "وفاء عامر"، التي كتبت "تغريدة" ركيكة، تندد بها بارتفاع أسعار الوقود، وقد تجاوز نشطاء "السوشيال ميديا" الركاكة في الصياغة وانشغلوا بالمعنى، ففنانة مقتدرة مالياً ومع ذلك، تندد بزيادة أسعار الوقود، هو موقف يُذكر لها فيُشكر، لاسيما وأن "وفاء عامر" ليست من الفنانات اللاتي دخلن حلبة السياسة بعد الثورة، وصرن يصدرون الفتاوى السياسية، "إلهام شاهين نموذجا"!

الاستخدام السياسي للفنانات، بدأ في مصر مع حكم العسكر، فعندما يتأزم الحكم يتم الإعلان عن شبكة دعارة من الفنانات، ولست هنا أناقش صحة الانخراط في هذه الشبكات من عدمه، لأن عملية إلقاء القبض وتفجير هذا النوع من القضايا إعلامياً، يكون بهدف التغطية على أزمة، أو أزمات، تسبب فيها سوء الإدارة، ومنذ شبكة "ميمي شكيب"، وذلك لصرف الأنظار بعيداً، وعندما يصدر القضاء حكمه بالبراءة في الأغلب، يكون الهدف من القضية قد تحقق، ولا معنى للإدانة!

ولم يقتصر أداء العهد الناصري، في مجال استخدام الفنانات على قضايا الآداب فقط، فقد استخدمهن في مجالات أخرى أطلق عليها "السيطرة"، على الهدف، وإن قدم من قاموا بذلك للمحاكمة، في معركة تكسير العظام بين أطراف الحكم، فيما عُرف بقضية "فساد المخابرات"، وقد أثبتت التحقيقات فيها أن الجهاز أنشأ قسم السيطرة. وعندما تطالع التحقيقات التي جرت مع وزير الإعلام ورئيس مجلس الشورى فيما بعد الرائد صفوت الشريف، يمكنك الوقوف على معنى انحطاط الأنظمة العسكرية!

لقد قام أداء قسم "السيطرة" على استخدام نزوات الفنانات للسيطرة عليهن، ثم استخدامهن للسيطرة على القادة العرب، ويروي الرائد صفوت الشريف واسمه الحركي "موافي"، كيف جرى إنشاء كمين لفنانة معروفة من خلال دفع عنصر بالمخابرات لإقامة علاقة معها، استغلالا لملامحه الأجنبية وتقديم نفسه لها على أنه "أجنبي"، وفي "الساعة الموعودة"، كانت الكاميرا التي يقف وراءها صفوت الشريف ورجاله ترصدها في غرفة النوم، والذي التفت حوله ليجد رئيس الجهاز "صلاح نصر" قد حضر بدون دعوة لكي يتفرج، ثم كان اقتحام غرفتها واصطحابها لمقر الجهاز، بحجة أنها تقيم علاقة مع جاسوس تم رصده أمنياً، والحال كذلك – فقد انهارت- ومن هنا تم الاتفاق معها على العمل معهم مقابل حفظ هذه القضية!

ويروي صفوت الشريف في التحقيقات الرسمية أن الأوامر صدرت له بعدم التواصل معها، ولم يشاهدها بعد ذلك سوى في الإسكندرية على الكورنيش بالقرب من فندق ينعقد فيه مؤتمر القمة العربية!
وليس بالضرورة أن يكون رأس الدولة هو من يقف وراء الاستخدام السياسي للفنانات، فيكفي أن تعرف الأجهزة الحكومية والأمنية المعاونة أن هذا الاستخدام هو من أدوات النظام المتعارف عليها لتمارس المهمة، وفي عهد مبارك كانت هناك قضيتان أثارتا الرأي العام، وفي اعتقادي أنه لم يكن على علم بتفاصيلهما.

تمثلت الأولى في شبكة الآداب التي ضمت "عايدة رياض"، وإذ قامت جريدة "الأحرار" حينئذ بنشر تحقيقات النيابة، لأن رئيس تحريرها "وحيد غازي" كان يميل للإثارة، فقد أدان مبارك في خطاب علني هذا النشر، لقضية لا تزال معروضة على القضاء وبما ينال من سمعة الأسر، فهل كان في حكم من يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟.. يجوز!

أما القضية الثانية فقد كانت عن شبكة الفنانات التي ضمت "وفاء عامر" وبعض الفنانات، وكان واضحاً أن القضية على مستوى وزير الداخلية، وكجزء من مهامه في حفظ الأمن الداخلي بعد قرارات اقتصادية مؤلمة لمحدودي الدخل!

وقد حدث في لقاء رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزوري مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، أن أدان أحدهم عملية القبض على الفنانات، واعترف رئيس الوزراء أنه عندما طلب "الملف" وجدها قضية ملفقة ومن هنا فقد طلب من النائب العام حفظها، وقد حدث هذا فعلاً، ولم تدافع الوزارة عن موقفها، وكان ما نشر أن أدلة القضية هى عبارات غير واضحة في التسجيلات، بعد مراقبة هواتفن، فتسأل إحداهن الأخرى هاتفياً عن سعر أحد الأجهزة الكهربائية، فيتعامل بوليس الآداب على أنها "شفرة" تعبر عن أسعار الليالي الحمراء! فلم يكن هناك تلبس، وهذا الكلام لا يقيم له القاضي الجنائي وزنا!

ولا أعرف إن كان تدخل "الجنزوري" هو للانتصار لسمعة الأسر، وصونا لأعراض الناس، أم للانتقام من وزير الداخلية اللواء حسن الألفي وتقديمه للناس على أنه يلفق القضايا، وكان بينهما خلاف، سعى بسببه رئيس الوزراء لتعيين مدير جهاز أمن الدولة "أحمد العدلي" وزيراً للداخلية، فكانت خطوات الوزير أسرع إذ أمكنه التخلص من "العدلي" عبر "مبارك"، وجاء بشخص كان طوال خدمته مثار سخرية زملائه لتواضع قدراته الذهنية هو "حبيب العادلي"، الذي رشحه الجنزوري وزيراً للداخلية بعد حادث الأقصر الإرهابي الذي أطاح بـ "الألفي". "تكون في فمك وتقسم لغيرك"!

ومهما يكن، فكل ما نشر، ويبدو أنه كل ما في التحقيقات، لم يؤكد وجود دليل متماسك على صحة الاتهامات الموجهة لشبكة الفنانات!

وقد كان العسكر يدركون قبل انقلابهم في 3 يوليو 2013، قيمة أهل الفن عند الناس فاستدعاهم السيسي مبكراً في لقاءاته سواء وهو وزير للدفاع في عهد الرئيس محمد مرسي، أو بعد ذلك، فالاستدعاء كان لخلق رأي عام مؤيداً له، ويبدو أنه بالتجربة تبين له أن شعبية أي فنان في مجاله، ولا تتعدى حدوده إلى مجالات أخرى، فكان الاستدعاء على ذات القواعد القديمة، بظهور "غادة عبد الرازق" في فيديو شبه عارية!

لقد قالت الفنانة المذكورة، أن صورتها مزورة، فلم تطل على الناس بهذا الشكل، ليكون السؤال المناسب، من فعل هذه الجريمة إذن، وهل يعقل أن تكون أجهزة السلطة في مصر هي من تقف وراء التلفيق والتزوير؟!

أعترف بأن الفيديو شغل النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الانشغال به تم ليوم واحد، وفي اليوم التالي كان السؤال عن الفشل الذي أنتج ارتفاع أسعار الوقود، وعن التفريط في التراب الوطني!
فمهما كان ذكاء الأجهزة الأمنية، وقدرتها على خلق الإثارة، فلا يمكن أن تُنسي المواطن المصري همومه، التي هي أكبر من أن يتم التعامل معها بجرعة مخدرات، فما بالنا وهذه الوسائل بالية وتمضمض عليها الزمان واستنشق!

لا يعقل أن يتطور العالم بينما العسكر "على قديمهم" محلك سر!