قضايا وآراء

إسرائيل اختبرت العرب والفلسطينيون يحمون الأقصى!

1300x600
في الوقت الذي يغرق فيه العرب في خلافاتهم ويتسابقون لإرضاء سيد البيت الأبيض بضخ الأموال له تحت حجة مواجهة الإرهاب، ويحاصرون قطر التي دافعت عن المقاومة واحتضنت قيادات من الثورات العربية التي طاردها نظام السيسي والأنظمة المتآمرة معه، سارعت إسرائيل بإغلاق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه لأول مرة منذ العام 1969 وكذلك إغلاق القدس القديمة إلا على ساكنيها الذين يحملون الهوية الصادرة عن الاحتلال.

تحججت إسرائيل هذه المرة بعملية فدائية جرت أمام باب الأسباط المؤدي للمسجد الأقصى لتقوم بفعلتها هذه، ولكنها في الحقيقة كانت تختبر ردود الأنظمة العربية على هذه الخطوة التصعيدية الجديدة التي تشكل مدخلا لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا وربما تمهد لهدم المسجد مستقبلا وبناء الهيكل المزعوم مكانه، كحلم يهودي لم يغب عن أنظار العدو منذ احتلال المدينة عام 1967.

تطبيع وتحالف مع الاحتلال

استغلت إسرائيل هذه الفرصة وهي تعلم أن الأعراب مشغولون بحصار قطر، والأهم من ذلك أن بعضهم بات يستعطف إسرائيل ويحاول كسب ودها في التصدي لإيران وتنظيم الدولة واعتبارها مدخلا للحصول على دعم أميركي لتثبيت خلافة أمراء وملوك في الحكم مقابل إعطائها وعودا بتطبيع العلاقات بإنجاز تسوية معها وعلى مقاسها بحيث يشمل ذلك تطبيع العلاقات حتى قبل حل القضية الفلسطينية وفق تصور السلام الإقليمي الذي ينادي به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي آخر تصريحاته بهذا الشأن، اعتبر نتنياهو أن التطبيع أو دفع العلاقات مع العالم العربي أولا، يمكن أن "يساعدنا في دفع السلام الأكثر وعيا واستقرارًا ودعمًا بيننا وبين الفلسطينيين"، مؤكدا أن العلاقات مع العرب في مرحلة تحول جذري. وأضاف أن "هذه الدول (العربية) باتت تدرك أن إسرائيل ليست عدوا لها، بل حليف وسند هام في وجه التيار الإسلامي المتطرف، وإيران اللذين يهددان الجميع، على حد تعبيره.

وهكذا، وباستثناء قطر والكويت وتركيا، لم تتجرأ أي دولة عربية على إدانة الخطوة الإسرائيلية في القدس ولم نسمع تنديدا من جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامي ولا من هيئة كبار العلماء في السعودية ولا من مفتيها الذين شنوا هجوما ساحقا على قطر بعد حصارها استجابة لتعليمات "ولي الأمر".

ووصل الحال بهذه الأمة أننا أصبحنا بعد التطورات الأخيرة في مواقف الدول العربية نبحث عن الإدانة لمواقف الاحتلال فلا نجدها، بعد أن كنا نعتبر أن الاكتفاء بالإدانة هو تخاذل تجاه فلسطين.

لا رادع للعدو

ويشجع هذا الانحطاط العدو على الاستمرار في خطوات تهويد القدس دون أن يخاف من الردود العربية.

ففي نفس يوم إغلاق المسجد الأقصى، صادقت اللجنة الوزارية للتشريعات في إسرائيل على مشروع قانون أساس "القدس الموحدة" الذي يمنع التنازل عن القدس الشرقية. وينص المشروع الذي قدمه الوزيران عن حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت وشولي معلم على أن أي مفاوضات على تقسيم القدس والانسحاب من شطرها الشرقي ستكون منوطة بتصديق غالبية تصل إلى 80 عضو كنيست من أصل 120.

وقال بينت عبر حسابه في تويتر بعد تصديق اللجنة الوزارية على مشروع القانون إن إقرار القانون سيمنع الوصول إلى الوضع الذي كان في عام 2000 عندما أراد إيهود باراك (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) تسليم المسجد الأقصى وثلاثة أرباع البلدة القديمة في القدس للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات!

 ورغم أن مشروع القانون سيحال للتصويت عليه أمام الهيئة العامة للكنيست بالقراءات التمهيدية الأولى والثانية والثالثة حتى يصبح نافذا بشكل نهائي، إلا أن العبرة في الموضوع هي أنه لم يعد هناك موانع لا دولية ولا عربية لاستيلاء العدو الكامل على القدس وبات التعويل الوحيد على الردود الشعبية الفلسطينية على مثل هذه الخطوات!

راية المقاومة صامدة

وقد واجه الفلسطينيون في السابق اعتداءات العدو على المسجد الأقصى، فكانت انتفاضة الأقصى عام 2000 إثر اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون للأقصى، كما جاءت انتفاضة القدس 2015 ولا تزال ردا على إجراءات التهويد والمصادرة الإسرائيلية في المدينة المحتلة.

ويشير ذلك إلى أن الشعب الفلسطيني لا زال متمسكا بحقه في القدس والأقصى وبمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بحقهما بصرف النظر عن هزالة الموقف العربي والفلسطيني الرسمي. وفيما تتزايد دعوات اليمين الإسرائيلي المتطرف لبناء الهيكل مكان الأقصى، فإن الشعب الفلسطيني يثبت على الدوام بذل الغالي والنفيس لمنع هذا المخطط والتصدي له بكافة الوسائل المتاحة. الأمر الذي يعني أن الصراع على الأقصى والقدس سيظل مستمرا دون توقف.

لقد انكشف الضعف والتخاذل الرسمي العربي والفلسطيني، ولكن الموقف الشعبي العربي وعلى الأخص داخل فلسطين لا يزال متحفزا ومتيقظا لم تثنيه مفاوضات السلام التي تلهث وراءها السلطة الفلسطينية بدعم عربي.

وفي الموقف الأخير اتضح حجم التخاذل العربي، حيث بررت الأنظمة ما تقوم به بالموقف الفلسطيني الرسمي الممثل للفلسطينيين متجاهلة أنها هي التي تضغط على القيادة الفلسطينية لتسوية القضية بثمن بخس لتمرير تطبيع هذه الأنظمة مع إسرائيل، وبشكل وصل حد تهديد القيادة باستبدالها إن لم تمرر مشروع التطبيع العربي، ومتجاهلة كذلك أنها هي التي تعمق الانقسام الفلسطيني برفضها مشاركة حماس في القرار السياسي الفلسطيني واتهامها بالإرهاب خدمة للعدو!

وهكذا أضحى سقف الموقفين العربي والفلسطيني الرسمي في انحدار دائم بشكل يفقد التعويل عليه أي معنى. ولكن الفلسطينيين لم يعولوا أبدا على هذا الموقف، فأخذوا منذ انتفاضة 1987 زمام المبادرة بأيديهم لمقاومة الاحتلال وعملية التهويد الإسرائيلية للقدس والأقصى، واستمروا بذلك جماهيريا وبالمقاومة العنيفة غير آبهين بخذلان المحيط العربي لهم وهو ما سيجعلهم الحصن المنيع أمام مخططات العدو، ويساهمون بصمودهم في كشف عورات الأنظمة التي تطبع مع العدو وتتهم قواهم الحية بالإرهاب أو حتى تتخاذل عن نصرتهم.

وإذا كانت القدس هي الصخرة التي ستتحطم عندها مخططات العدو، فإن صمود الفلسطينيين سيعجل بفضح الأنظمة العربية المتخاذلة، وسيظلون مركز الإشعاع لإعادة ثورات المحيط العربي التي تم التآمر عليها.