صحافة دولية

"ميدل إيست أي" يحذر من "ثورة" بالسعودية.. لهذا السبب

السياسات الاقتصادية السعودية الأخيرة مثيرة للجدل- أ ف ب
انتقد تقرير لموقع "ميدل إيست أي" البريطاني السياسات الاقتصادية الحكومية في السعودية التي وصفها بأنها "غير مسؤولة"، مشيرا إلى أن أعدادا متزايدة من المواطنين السعوديين ومن العمال الأجانب يواجهون صعوبات اقتصادية غير مسبوقة، محذرا من أنهم لن يبقوا صامتين طويلا.

وحذرت السعودية من المساس بالسياسات التي تخص المواطنين بشكل مباشر، مشيرة إلى أن "مثل هذا المصير سيعني شيئا واحدا، ألا وهو الثورة، فعندما يفقد الناس كل شيء، فإن رد فعلهم الوحيد سيكون الخروج إلى الشارع للتعبير عما وصلوا إليه من إحباط".

وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن صناع السياسة في دوائر صنع القرار في السعودية "يفشلون في رؤية أبعد من القيمة الاسمية لمبادراتهم". 

وأضافت الصحيفة: "صحيح أن مثل هذه الرسوم على المواطنين والمقيمين ستزيد من الدخل المباشر، ولكنها ستدمر الحرفيين ومشاريع التجارة الصغيرة ومتوسطة الحجم. فهذه المشاريع تقوم في العادة على ميزانيات صغيرة، وتعتمد على موارد محدودة". 

وقالت: "بدلا من المبادرة بدعم هذا القطاع المجهد، ستفاقم الإجراءات الجديدة من الضغوط التي يتعرض لها".

وفي ما يأتي نص التقرير كاملا بعنوان "الحل الوحيد أمام النظام السعودي هو الانفتاح السياسي":
  
هذه هي المدينة السعودية التي لطالما زخرت بالنشاط، وشكلت المركز الاقتصادي للبلاد، لكن ليس بعد الآن، حيث باتت أشبه بمدينة أشباح هذه الأيام. 

لم تعد الحياة مبهجة وواعدة كما كانت من قبل. إلا أن الملاحظ أن هذه الحالة لا تقتصر على مدينة جدة، بل باتت المؤسسات التجارية ومشاريع الأعمال في كل مكان في البلاد تجد صعوبة بالغة في الوفاء بالتزاماتها المادية، بما في ذلك النفقات الثابتة والتشغيلية مثل الرواتب والإيجارات والرسوم والمتطلبات الحكومية التي تستمر في التصاعد.
 
ترى الحكومة أن الأجانب الذين يشتغلون في سوق العمالة فيها مصدر شرعي لاستخلاص الدخل المستمر. 

وبحسب تقرير صادر عن البنك السعودي الفرنسي في شهر يوليو / تموز، نشر في وسائل الإعلام السعودية، هناك ما يقرب من 11.7 مليون أجنبي في المملكة العربية السعودية يعمل 7.4 ملايين منهم وأما الباقون وهم 4.3 ملايين فهم مرافقون.
 
في الأول من تموز/يوليو، بدأت السلطات بجني رسوم فرضت على المرافقين، تحصل منهم لدى تجديدهم لبطاقات الهوية، وهي بمثابة تصريح إقامة يتجدد سنوياً. من الآن فصاعداً سيدفع المرافقون 100 ريال (26.66 دولارا) كل شهر. 

وبحلول عام 2020، بحسب ما يقوله البنك، سوف يرتفع الرقم إلى 400 ريال (106.66 دولارات) ويتوقع أن يعود ذلك على خزينة الدولة بما يقرب من 20 مليار دولار.
 
يبدو أن صناع السياسة في دوائر صنع القرار يفشلون في رؤية أبعد من القيمة الإسمية لمبادراتهم.
 
صحيح أن مثل هذه الرسوم ستزيد من الدخل المباشر، ولكنها ستدمر الحرفيين ومشاريع التجارة الصغيرة ومتوسطة الحجم. 

فهذه المشاريع تقوم في العادة على ميزانيات صغيرة وتعتمد على موارد محدودة. وبدلا من المبادرة بدعم هذا القطاع المجهد، سوف تفاقم الإجراءات الجديدة من الضغوط التي يتعرض لها.
 
ولهذا السبب، كان رد فعل كثير من أرباب العمل هو تحميل هذه الرسوم الجديدة على كاهل موظفيهم وعمالهم. وبناء عليه، ستوجب على الغالبية العظمى من العمال الأجانب دفع هذه الرسوم من أجورهم هم. بعد أسابيع قليلة من فرض الرسوم، اختار عشرات الآلاف من العمال الأجانب بدلاً من دفعها ترك البلاد والعودة إلى ديارهم، ويتوقع أن يسير على خطاهم كثيرون.
 
ونتيجة لذلك، يتعرض سوق العمالة إلى الانكماش يوما بعد يوم، بينما ترتفع بمعدل هائل تكاليف استئجار العمال وتكاليف الخدمات. وسترتفع لا محالة أسعار كثير من السلع والخدمات التي توفرها المؤسسات المتضررة من الإجراءات الأخيرة.
 
تذكروا أن كل هذا يحدث في بلد يعاني اقتصاده أصلاً من الانكماش.
 
الأضعف منذ حرب الخليج
 
ستؤدي الضغوط المتصاعدة على هذه الشركات صغيرة إلى متوسطة الحجم إلى أن يعلن كثير منها إفلاسه في وقت باتت فيه القوة الشرائية للسعوديين في أضعف أوضاعها منذ عقود، وتزداد سوءا يوما بعد يوم.
 
في تقرير صدر عام 2016، صرح البنك التجاري الذي يتخذ من جدة مقرا له أن السحوبات النقدية في شباط/ فبراير 2015 انخفضت بمعدل 13.3 بالمئة (مقارنة بالوقت ذاته من العام السابق)، وتراجعت قيمة معاملات البيع بمعدل 9 في المئة سنويا، وكان ذلك هو الانخفاض الأكبر منذ عام 2009.
 
وأضافوا: "نعتقد بأن الدخل الصافي الذي يتآكل بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمياه بالإضافة إلى المؤثرات السلبية على المال الناجمة عن الانخفاض السنوي في تداول سيضعف الإنفاق على المواد الاستهلاكية".
 
وقال التقرير إن إجمالي الإيداعات في النظام البنكي السعودي في 2015 نما بنسبة 1.9 في المئة، "الأضعف منذ حرب الخليج".
 
ويقول التقرير: "تعتمد البنوك السعودية بشكل أساس على الإيداعات لتوسيع جداول الموازنات من خلال تمديد خطوط الائتمان إلى القطاعات الخاصة والعامة. ونتيجة لذلك، فقد تراجعت مطالبات النظام البنكي ككل، بما في ذلك سندات الحكومة، إلى 8.9 في المئة للعام 2015".
 
لاحظ أن هذا التقرير صدر في عام 2016. معظم الارتفاع في أسعار المياه والطاقة، وكذلك الرسوم الجديدة التي فرضتها الحكومة لم تؤخذ آثارها بالاعتبار بعد. 

ولكن حينما يبدأ الإحساس بآثارها هذا العام ومطلع العام المقبل، فستتعرض المؤسسات التجارية السعودي الصغيرة والمتوسطة -التي تشكل ما يقرب من 90 في المئة من قطاع التجارة والأعمال في المملكة- إلى المزيد من الدمار.
 
لماذا قد يثور السعوديون؟
 
قد يسأل البعض، ما الذي جرى حتى يثور السعوديون؟

ليست المصاعب الاقتصادية بالضرورة عاملا حاسما يحفز الناس على الوقوف في وجه حكومتهم. 

فهناك العشرات، وربما المئات، من البلدان حول العالم أوضاعها الاقتصادية أسوأ من المملكة العربية السعودية. ولك أن تأخذ بالاعتبار دول أفريقيا ما تحت الصحراء، ودول أمريكا اللاتينية أو كثير من الأماكن التي تستمر فيها الحكومات المتجبرة بغض النظر عن الواقع الاقتصادي.
 
الأمر يختلف قليلا في المملكة العربية السعودية. 

تصور لو كان لك بيت عائلة، بيت أصبحت قادرا على شرائه فقط بعد سنين طويلة من العمل الشاق، عشت فيه لأجيال ثم فجأة توشك أن تفقده. كيف ستشعر حينها أو كيف سيشعر أي إنسان يجد نفسه في مثل هذا الموقف؟ 

تصور خيبة الأمل: تنزلق عائلتك نحو الفقر والتشرد، بعد أن ظنت لعقود أنها نجت من ذلك المصير وإلى الأبد. في حالة الأفراد، يمكن بسهولة تصور أن مثل هذا الأمر قد يدفع المرء نحو الجنون وقد ينتحر، بينما سيسعى آخرون إلى البدء من جديد، ومن الصفر.
 
أما بالنسبة للمجتمع السعودي ككل، فإن مثل هذا المصير سيعني شيئا واحدا، ألا وهو الثورة. عندما يفقد الناس كل شيء، فإن رد فعلهم الوحيد سيكون الخروج إلى الشارع للتعبير عما وصلوا إليه من إحباط.
 
لم يصل الاقتصاد السعودي إلى قاع الحضيض بعد، ومازال أمامه مسافة حتى يتفاقم. على سبيل المثال، هناك إشاعات بأن الحكومة، بعد أن أعلنت رسميا عن تجميد التوظيف في القطاع العام، تدرس الآن بشكل جدي البدء في تسريح عشرات الآلاف من موظفي الحكومة.
 
بمعنى آخر، إضافة إلى الصدمات النفسية والمالية للتراجع الحاد والشديد في النمو، سنجد الآن أعدادا متزايدة من العائلات تنزلق نحو الفقر بسبب البطالة الجماعية.
 
وإلى جانب الخسارة المفاجئة للثروة، الفرق الأخير الذي يميز الحالة في المملكة العربية السعودية هي أن الفقراء في المملكة، وربما إلى حد بعيد بقية السكان، يتركزون في المدن. 

وبذلك، فهم لا يعانون من الحواجز البنيوية التي عادة ما تؤثر على النشاط الفعال للفقراء في أماكن أخرى من العالم الثالث.
 
فمثلما أظهر الفقراء في تونس ومصر في ثورات بلدانهم، يتمتع فقراء السعودية ببنية تحتية صلبة من وسائل الاتصال، ولا تنقصهم وسائل المواصلات الجيدة جغرافيا، ولذلك، فإن بإمكانهم بسهولة التنظيم والتجميع.
 
والعامل المهم الآخر هو المال في السياسة السعودية، فلطالما كان المال أداة لمد النفوذ ونشر الاستقرار من خلال الإنفاق الداخلي على التوظيف وعلى عقود الإنشاءات. 

أما وقد بدأت مصادر المال تجف، فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى فقدان المملكة للاستقرار في المستقبل القريب.
 
رفض 2030
 
كما أن اندفاع المملكة المفاجئ والمكثف والملتزم باتجاه استنزاف الاقتصاد ينتتج عنه تدمير شرعيتها. لم يعد الشعب السعودي يرى الحكومة جزءاً من الحل، بل باتوا يشعرون بأنهم طعنوا في الظهر. 

وللتغلب على الأزمة الكبيرة التي تنال من صدقيتها، يتوجب على الحكومة أن تعمل بكل جد ومثابرة خلال الشهور والسنوات القادمة.
 
من الأمثلة الدالة على ذلك انعدام شعبية رؤية 2030 -برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تقدم به محمد بن سلمان في العام الماضي- والرفض الذي تقابل به من قبل الناس الذين أفاقوا على واقع قاس وغير متوقع ويذهلهم أن يجدوا الحكومة -التي كان من المفروض أن تسهر على مصالحهم- تتصرف فعلياً بطريقة غريبة ولا مسؤولة في خضم أزمة اقتصادية وحرب استنزاف في اليمن.
 
أثناء الزيارة الأخيرة إلى المملكة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقعت الحكومة اتفاقية قيمتها 350 مليار دولار على مدى عشرة أعوام، وهي صفقات تشكل انطباعا عاما لدى عامة الناس في السعودية أنها مهينة. كما زودت الحكومة حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمليارات الدولارات على صورة وقود ونقدا وغير ذلك من المنح.
 
يتصاعد الغضب الشعبي ولا يعلم أحد متى سيصل إلى نقطة الانفجار، فالناس لم يعودوا يحتملون سلوك الحكومة في الإنفاق ويطالبونها بتخصيص الأموال اللازمة للخدمات المطلوبة بإلحاح في القطاع الصحي وفي الإسكان وفي المبادرات التوظيفية.
 
كيف يمكن للحرب الأهلية أن تبدأ
 
لكي تشتعل الحرب الأهلية، فإنها بحاجة إلى شرارة.
 
غدت العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاجها الحرب الأهلية قائمة. كما أن المجتمع تنقصه التعددية الثقافية التي كان يمكن أن تشكل حائطاً منيعاً يحول دون عسكرة أي اضطراب سياسي. 

بالإضافة إلى ذلك، أداء الحكومة السياسي والاقتصادي يؤدي إلى مستويات غير مسبوقة من الإحباط.
 
وهذا ما تشعر به من خلال ما يتزخر به وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الوسط الوحيد المتاح للتعبير السياسي داخل البلاد. يمكن لهذه الوسائل أن تؤدي أيضاً مهمة وسط للتواصل والاستنفار عندما يصل الناس نقطة الانفجار.
 
لن يتطلب الأمر أكثر من بضعة آلاف ينتقلون بغضبهم إلى الشوارع وأن ترد عليهم قوات الأمن بالعدوان حتى تنزلق الأمور إلى ما يمكن أن يسمى المراحل الأولية من الحرب الأهلية.
 
ولك أن تفكر بليبيا وسوريا في هذا السياق. فخلال الربيع العربي، ردت الأنظمة الدكتاتورية المتوحشة على المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بتغيير النظام باستخدام القوة المفرطة. يقود ذلك في العادة إلى عصيان بعض عناصر القوات الأمنية، ومع الزمن تبدأ الانشقاقات الضخمة. كانت تلك هي الطريقة التي تكون من خلالها الجيش السوري الحر.
 
وما أن يحدث ذلك حتى تصبح البلاد مفتوحة أمام احتمالات التدخل الخارجي. ولذلك من الأفضل للحكومة السعودية أن تتحرك الآن وتحتوي غضب الشعب قبل أن يفوت الفوت.
 
العلاج الوحيد
 
المخرج الوحيد أمام الحكومة هو الانفتاح السياسي. لم يعد ذلك خياراً أخلاقياً، بل بات بشكل متزايد استراتيجية للبقاء السياسي.
 
ثمة حاجة ماسة إلى مجلس تشريعي منفتح وشفاف وفعال ومنتخب لضمان توزيع المسؤوليات السياسية. فالناس بوصفهم ناخبين سيتحملون حصتهم من المسؤولية وكذلك ممثلوهم في تشكيل السياسات وفي مخارجها. من المفروض أن يخفف ذلك بعضا من الضغوط الداخلية والتوترات التي تواجهها الحكومة السعودية اليوم.
 
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للحكومة السماح بحرية التعبير، فهي ليست مجرد حق إنساني، بل هي أيضاً حاجة إنسانية. من الناحية النفسية، يحتاج الناس في كافة السياقات لأن يتمكنوا من التعبير عما يجول في أذهانهم، وإذا ما فعلوا فإنهم سيشعرون بطبيعة الحال بالارتياح.
 
في المحصلة، تمر المملكة العربية السعودية اليوم بمرحلة حاسمة من تاريخها. فإما أن تحدث نفسها فتبقى أو تقاوم التحديث فتتلاشى. ولا يمكن للتحديث الاقتصادي أن يتحقق في غياب المساءلة والمحاسبة، لأنه في غياب الشفافية ينحسر بالاهتمام بالصالح العام لحساب الفساد وسوء الإدارة.
 
في مثل هذه الأوقات، عندما تعاني البلاد من أزمات مالية، فإن مشاركة الشعب في إدارة شؤون البلاد وفي صناعة القرار ليس ترفاً بل ضرورة ملحة إذا ما أراد القادة احتواء الغضب الشعبي واغتنام الفرصة.
 
تغذي العوامل الاجتماعية الاقتصادية العداء للحكومة، ويمكن علاج ذلك في الحكم الرشيد. وأي تأخر في تبني هذا العلاج من شأنه أن يفاقم من الأوضاع ويزيدها سوءاً ويجعل السيناريو الأسوأ مصيراً لا مفر منه.