قضايا وآراء

هل بدأ صدام الكرد مع النظام السوري؟ ولصالح من؟

1300x600
اشتباكات متقطعة بين حواجز النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي تحدث كل فترة في الشمال السوري، وإغلاق طريق حلب عفرين (ذات الغالبية الكردية) بعد طلب حزب الاتحاد الديمقراطي (النسخة السورية لحزب العمال الكردستاني) من السيارات التي تحمل لوحات سورية تبديلها للسماح لها بدخول عفرين، إغلاق للمدارس الحكومية في المناطق ذات الغالبية الكردية ومنع التدريس باللغة العربية أو المنهج السوري، ومحاولة طمس كل ما يشير للعروبة.

هذه التطورات والممارسات وغيرها كثير؛ تشير إلى أن ثمة شيء ما سيحدث، فمن وصفهم وليد المعلم بالوطنيين تصفهم مواقع النظام اليوم بالخونة!

فهل انتهى زواج المصلحة بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي بعد أن أخذ كل طرف بغيته من الآخر؟

تنذر التطورات الداخلية والإقليمية بقرب الصدام، ولا سيما بعد انفراط عقد المصالح، وزوال معظم الأسباب التي جعلت الأعداء حلفاء. فالكردُ (نقصد بالكرد في هذا المقال حزب العمال الكردستاني الإرهابي الذي يمثله في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي) يسعون لدولة قومية كردية تتنافى وتتناقض وتتصادم مع الدولة القومية العربية التي ينشدها حزب البعث في سوريا، على الأقل نظريا.

اجتمع الطرفان على مائدة المصالح والمنافع المقدمة من كل طرف للآخر. فالطرفان جمعهما أعداء مشتركون تمثلوا بـالثوار وداعش وتركيا.

فقد استثمر النظام السوري حزب الاتحاد الديمقراطي في تصفية معارضيه الكرد قبل العرب، فأبعد حزبُ العمال الكردستاني القوى الوطنيةَ الكردية عن الساحة الثورية، فحيّد بذلك الكرد وعزلهم عن الثورة، وجعلهم طرفا ثالثا له مشروعه المستقل المختلف تماما عن المشروع الوطني السوري الجامع الذي قامت من أجله الثورة السورية، واستثمرهم الأسد بندقية في وجه الثوار حينا وداعش حينا، وأفاد منهم في تخفيف وطأة الحصار عن مدينتي نبل والزهراء المواليتين للنظام، واستغل حالة العداء والخوف (فوبيا تركيا) الملازمة للكرد في مواجهة تركيا، فالكرد مستعدون للتحالف مع الشيطان ضد تركيا، وتهديدهم تركيا بتسليم تل رفعت والقرى العربية في الشمال السوري للنظام السوري في حال أي هجوم تركي يوضح ذلك.

وفي المقابل، استفاد الكرد من الدعم الاستخباراتي والعسكري والمادي في السيطرة على الساحة الكردية بداية، وقتال الأعداء المشتركين ثانيا، ناهيك عن تحييد المناطق الكردية عن القصف الجوي، وغض الطرف عن الممارسات الكردية، سواء بسياساتها الداخلية أو تحالفاتها الخارجية.

وتظهر المنافع المتبادلة عبثيّة الموقف الحزب الكردي وسطحيته، إذ جعل نفسه أداة في يد نظام الأسد، إيمانا منه بأنه يستطيع سلوك طريق ثالث يمكّنه من بناء دولة الحلم، متناسيا حقائق التاريخ والواقع الديمغرافي والجغرافي والظروف السياسية والاقتصادية المتحكمة بقيام الدول وزوالها.

سيكتشف الكرد قريبا مقدار الخطأ التاريخي. فالصدام لن يكون مع النظام السوري وحده، وسيكون بداية النهاية لدولة الحلم، وقد يكون سببا في حرمان المكوّن الكردي حقوقا أصيلة كان يمكن أن يحصّلوها لو سلكوا مسلكا آخر.

وفي خضم التطورات، قد يسارع النظام بالدفع نحو الصدام، فلم يعد ثمة خدمات جديدة يقدمها الكرد. فحلب المدينة تحت سيطرته، وخطر داعش بات بعيدا، كما أنّ التحالف الدولي يتولى قتال داعش، والثوار لم يعودوا يشكلون خطرا بعد أن تفرق شملهم وغدا بأسهم بينهم، وتخلى عنهم من تخلى، ناهيك عن المكاسب التي سيجنيها النظام من هذا الصِّدام، حيث سيظهر النظام السوري في حربه مع الكرد حريصا على وحدة التراب السوري ضدّ الانفصاليين الذين يسعون لتقسيم سوريا، وسيحاول استقطاب العرب السنة الذين هجّرهم الكرد من قراهم التي دمروا وحرقوا عددا منها، ومارسوا ضدهم سياسة عنصرية ومعاملة مذلة، وسيوظِّف الصدام في تحويل ما يجري في سوريا من ثورة على الاستبداد إلى صراع بين القوميتين العربية والكردية، ناهيك عن إبعاد تهمة الطائفية، إذ سيستخدم صراعه مع الكرد للترويج لنفسه بأنه النظام العروبي القومي المحارب للاستكبار العالمي المتمثل بالولايات المتحدة، فالكرد الذراع التي يجب قطعها لهذا المشروع في المنطقة وفق دعاية النظام.

وما يعزز خسارة الكرد في الصدام (الصراع) القادم التحالف الإقليمي المانع والمعارض لقيام الحلم الكردي، ولا يستبعد هنا تقارب تركي سوري في حال بدأ الصراع فعليا، فالمصالح الاستراتيجية والجهود الإيرانية والروسية قد تدفع الطرفين للالتقاء حول نقاط معينة، رغم بقاء الخلاف في النقاط الأخرى.

ويمسك الكرد بورقة التحالف مع أمريكا كورقة وحيدة رابحة، وهي في الحقيقة قد تكون ورقة خاسرة؛ لأن الأمريكان قد يخذلون الكرد بعد إنهاء داعش، ولن يدخلوا أنفسهم في صراع عرقي طويل الأمد يكلفهم كثيرا، ولا سيما أن الدول الإقليمية متفقة على منع ولادة دولة كردية، ناهيك عن المعارضة الروسية.

فهل يعي الكرد هذه الحقائق، ويدركون أن الغرب الذي يدعم انفصالهم لا يريد خدمتهم وتحقيق حلمهم إنما يريدهم خنجرا مسموما في خاصرة تركيا ودول الإقليم، وبالتالي فإن مشروعهم لا يبني وطنا إنما يصنع أعداء؟

وهل يعيد الكرد رسم سياستهم في الإطار الوطني للدول الإقليمية، وبما يحفظ للكرد حقوقهم القومية وحقوق وواجبات المواطنة كاملة؟