كتاب عربي 21

أين حمرة الخجل؟!

1300x600
تأتي الأحداث لتحرك الشجون والمواجع بعد الانقلاب الفاجر الذي قام به السيسي في الثالث من تموز/ يوليو، مدعيا أن هذا ليس إلا ثورة جديدة، محاولا بشكل أو بآخر أن يجعل من 30 يونيو بوابة لانقلاب الثالث من يوليو. 

تتحرك تلك المواجع حينما يتفق نفر بعضهم من الأكاديميين، وبعضهم من النخبة السياسية المحنطة التي تقلبت في أدوارها، فانقلبت من كونها محنطة إلى أن تكون منحطة في أدائها، حينما جعلت من حالة الاستقطاب السياسي امتدادا لحالة الاستقطاب الاجتماعي. 

فأدت إلى تمزيق المجتمع بلا هوادة، وبدا التصدع واضحا في تماسك الجماعة الوطنية، وصارت المسألة ضمن صناعة فرقة وصناعة كراهية ودفع الأمور إلى حالة اقتتال أهلي، أو دعوة كاملة لحرب أهلية شاملة تتخذ من التحريض الإعلامي أسلوبا وطريقة، وتقوم بتحريض الشعب على بعضه، في سياق "إنتوا شعب واحنا شعب"، لتقدم حالة انقسام شديدة لا يمكن جبرها في المدى المنظور، ولا يمكن التئامها عبر سنين طويلة. 

ذلك أن استهداف المجتمع عبر عن حالة استخفاف واستهانة وصلت بالأمر إلى طلب تفويض بالقتل وممارسة القتل من خلال مذابح متتالية ومتعاقبة.

والحال هذه، يقال إن العلماء إنما يشكلون رمانة ميزان المجتمع، فإذا كانت للنخب مصالح ضيقة وللأحزاب رؤى لا تعبر في حقيقة الأمر عن كل المجتمع، فإن المشكلة الحقيقة صارت في هذا التفتيت الذي أصاب المجتمع والشق الطولي الذي أحدث أثرا كبيرا لا يمكن محوه إلا بمرور فترات طويلة، تعبأ الناس ضد بعضهم البعض. 

وبدت لغة التحريض اليومية عزفا منفردا وجماعيا تعبر عن حالة مأساة اتخذت ثوب الملهاة، نال من كيان المجتمعات ومن جوهر الجماعات الوطنية. 

وبدا التيار الأساسي في الأمة في حالة يرثى لها، فاقد البوصلة لا يتعرف على وجهة. 

إلا أن انفكاك عرى وتنابذ مكوناته وتصارع مقوماته، كان أمرا عجيبا حينما يجعله الانقلاب استراتيجية تقوم على تصنيع الفرقة وزراعة الكراهية، وانطلاق أبواق التحريض من كل مكان. 

العلماء الأكاديميون للأسف الشديد، انزلق الكثير منهم كراهية في الدين والتدين وثأرا مع الإخوان فصارت كراهيتهم للإخوان أكبر بكثير من حبهم لمصر، فانزلقوا في أتون الفرقة يصطنعونها ويزكونها دون أي اعتبار لآثارها ومآلاتها الاجتماعية.

ها هم دكاترة السلطان كجزء من علماء السلطان، ظهير ديني في ناحية، ومظاهرة أكاديمية في ناحية أخرى، تفتقد في حقيقة أمرها إلى كل عناصر الموضوعية واللغة العلمية الصارمة والمنهجية الواضحة التي لا تعرف تلونا.

ولكن هؤلاء يفضلون أن يسلكوا كل طريق ملتو، رغبا ورهبا من سلطة الانقلاب، فها هم في معظمهم لا يجرؤون منذ البداية أن يتحدثوا عن أن الذي حدث في مصر وقطع الطريق على مسار ديمقراطي، وأتى بقوى سياسية مهما اختلفنا معها عن طريق صندوق الانتخاب في استحقاقات متوالية. 

ومع ذلك، تجد أحد هؤلاء أستاذا في العلوم السياسية حينما أتى الدكتور مرسي ثانيا يتحدث عن أنه يجب عليه أن يتنازل لحمدين فيكون حمدين ثانيا، هل هذا مما يقبل في عقل السياسية وفي عقل السياسيين. 

وإذا قالت بعض النخب ولم يعجبها هكذا ادعت أداء الرئيس مرسي فتحدثت عن ضرورة أن يكون هناك انتخابات رئاسية مبكرة، وادعى أستاذ للعلوم السياسية أن هذا مما تعرفه التقاليد السياسية المعتبرة، وهي لعمري مغالطة لا علمية يحاول هؤلاء أن يجعلوها من طرق التغيير، وهي ليست كذلك ويضربون الأمثلة من غير تدقيق أو تحقيق.

وهذا أستاذ في العلوم السياسية وكنت على الهواء في الفضائية المصرية ومعي أحد الشيوخ الذي كنا نعتقده حكيما، فإذا به يبارك عمل العسكر ويكرس كلامه عن أنها ثورة وحينها تحدثت وعلى الهواء مباشرة أن ذلك انقلاب متكامل الأركان. 

خرجت الصناعة الإعلامية لتأتي وتستجلب من يسبونني ويهجونني ويتهمونني بتلقي الأموال من جهات مختلفة، وكان أغلبهم من اللواءات وبعضهم أسمى نفسه خبير! 

لم يؤلمني ذلك، فإنني أعرف أن هؤلاء لا يتمتعون إلا بضحالة في العلم والتفكير، ولكن ما آلمني حقا أن أستاذا في العلوم السياسية استدعي ليعقب ويؤكد أن هذا ليس بالانقلاب، ولم يكن أمامي في ذلك الوقت إلا محاورته. 

وأنا أعلم أنه قد دَرس ودرَس السياسة في العالم الثالث وتطرق إلى ظاهرة الانقلابات العسكرية، ومع ذلك آثر السلامة، وطفق يتحدث مع المتحدثين عن ثورة شعبية، وأن هذا ليس بانقلاب عسكري. 

وهذا أستاذ آخر في العلوم السياسية صار متفرغا وهو من أكبرهم سنا وقد استوزر لمبارك من قبل يتحدث عن أمور مقلوبة ليس لها أصل ولا فصل في السياسة، يبرر للمستبدين، وعلى رأسهم المنقلب السيسي ثم يدخل إلى قاعات الدرس ليلقي محاضراته عن الثورة المصرية والتحول الديموقراطي. 

أين حمرة الخجل من هؤلاء؟! دكاترة السلطان الذين اخترعوا علوما "سيسية"، وتركوا كل ما تعلموه أو علّموه من علوم سياسية، وهذا أستاذ آخر فضل صفة مقدم برامج تلفزيونية على أن يكون محاضرا في الجامعة، وصار أستاذا في مادة النفاق السياسي، يعبر عن أغاليط لا تتعلق بالسياسة بصلة، وإن كان يتلمس وصلا، محاولا أن يغطي ذلك بزخرف من قول سياسي لا يمكن بأي حال أن ينطلي على من عرف لغة العلم.

ثم يأتي أحدهم ليدخل ضمن مجموعة ليطالب بجمع توقيعات لمنع تعديل الدستور خاصة فيما يتعلق بمد الفترة الرئاسية. 

وسبقهم قبل ذلك بعض هؤلاء الذين طالبوا بالقيام بحملة للتوقيعات تطالب السيسي المنقلب بأن لا يصدق على اتفاقيات ترسيم الحدود بصدد تيران وصنافير، ماذا يمكن أن نسمي هؤلاء إلا أنهم مزيفو وعي الناس والمضللين للرأي العام. 

وكأن هؤلاء الذين يطلبون جمع التوقيعات لا يعرفون أن السيسي هو أس البلاء وقائد الانقلاب، وقاطع طريق على مسار الديمقراطية، وأيضا ربما يتجاهل هؤلاء أو يتغافل عن عمد أن من يطالبه بعدم التوقيع بالتصديق على اتفاقية ترسيم الحدود هو من باع الأرض، ومن فرط في الجزر رغم وجود حكم قضائي بات من أعلى محكمة إدارية في السلم القضائي. 

يطلبون التوقيع على عدم تعديل دستور لم يطبقه واضعوه في يوم من الأيام، بل ينقضه السيسي المنقلب بفعله ليل نهار، وأفعاله بصدد حقوق الإنسان والحق في التعبير والاحتجاج، إنما تشكل انتهاكا صارخا للدستور. 

ثم بعد ذلك، يطلبون التعديل على الدستور. 

أين الدستور أصلا في الواقع حتى لا يتم تعديله، ألا يرى هؤلاء أن مشيئة المستبد هي التي تفعل كل شيء وهي التي تحدد أي أمر، وأن مسألة تعديل مدة الرئاسة في الدستور ليست أول انتهاك فاضح للدستور؟

إلى كل هؤلاء، إلى النخبة المنحطة، وإلى دكاترة السلطان الذين طلقوا وظلموا الأكاديمية، وصاروا يتمسحون بقشورها، وإلى هؤلاء السياسيين الذين مارسوا كل خطيئة في حق المجتمع والجماعة الوطنية، أين حمرة الخجل؟!