قضايا وآراء

الأزمة الليبية ساحة للصراع بين إيطاليا وفرنسا

1300x600
بعد مرور أكثر من شهر على  توقيع ما عرف إعلاميا بـ"اتفاق باريس"، بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية "فائز السراج" واللواء المتقاعد "خليفة حفتر"، أعلن وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" من العاصمة الليبية طرابلس عن استمرار دعم دبلوماسية بلاده لهذا الاتفاق؛ الذي يبدو أن فرنسا تستشعر أنه في طريقه للانهيار جراء تسارع الأحداث في ليبيا وإصرار خليفة حفتر على ضرورة الحسم العسكري مع خصومه أينما كانوا على التراب الليبي، وهو ما يرفضه المجتمع الدولي الذي ما انفك مسؤولوه ودبلوماسيوه يعلنون في كل مناسبة أن الحل السياسي وليس العسكري هو الخيار الوحيد لإنهاء ما توصف إعلاميا بالأزمة الليبية؛ التي ليست في حقيقتها سوى صراع عنيف على السلطة أضاعت فيه ليبيا الكثير من الوقت حتى الآن.

فبيان باريس نص على تعديل الاتفاق السياسي الليبي الموقع بين فرقاء الأزمة الليبية في الصخيرات المغربية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015، وإجراء انتخابات برلمانية وتشريعية في ليبيا في ربيع العام المقبل، وهي تهيؤات فرنسية يعتقد وفقها الرئيس الفرنسي ماكرون أنها ستضع حدا نهائيا للأزمة.

وفي زيارته لمدن طرابلس ومصراتة وبنغازي يوم 4 أيلول/ سبتمبر الحالي، التقى وزير الخارجية الفرنسي أطرافا سياسية وعسكرية مؤثرة في المشهد الليبي؛ بدأت برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ورئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، وانتهت باللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي.

ووفق ما أعلن من فحوى اللقاءين اللذين عقدهما الوزير الفرنسي في طرابلس مع فايز السراج وعبد الرحمن السويحلي، فإنهما ناقشا كيفية الخروج بالأزمة الليبية من المختنق الذي تراوح فيه، في حين أن فحوى لقاء الوزير الفرنسي مع حفتر في مقره ببلدة الرجمة بضواحي بنغازي؛ ما زال طي الكتمان ولم يعلن بعد للإعلام.

زيارة الوزير الفرنسي لطرابلس هي الأولى من نوعها بعد لقاء فايز السراج وخليفة حفتر في باريس برعاية الرئاسة الفرنسية في أواخر تموز/ يوليو الماضي، وهي زيارة تأتي عقب إعلان المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا غسان سلامة قيادته مرحلة تعديل الاتفاق السياسي، علاوة على أنها سبقتها زيارات عدة من مسؤولين أوروبيين؛ كان آخرهم وزير الخارجية البريطاني "بوريس جونسون".

ففرنسا تدرك جيدا أن وتيرة الأحداث في ليبيا تتسارع كل يوم، مما يهدد اتفاق باريس الذي تحاول فرنسا إنقاذه من السقوط في ظل إصرار حليفها خليفة حفتر على تعنته في المشاركة لإيجاد سبل للحل في البلاد، علاوة على أن هذه الخطوة الفرنسية تزامنت مع إصدار فايز السراج لقرارات سيادية أثارت حفيظة معسكر خصمه خليفة حفتر، وهي تعيين رئيس أركان للجيش مناوئ لحفتر، وتعيين قيادي عسكري وأمني سابق بعملية الكرامة، وهو فرج اقعيم، وكيلا لوزارة داخلية حكومة الوفاق. وهاتان الخطوتان ستؤججان الصراع بالتأكيد بين حفترو السراج ولن يصبا أبدا في مصلحة تطبيق اتفاق باريس.

ورغم إعلانها المتكرر عن دعمها لاتفاق الصخيرات السياسي بين فرقاء الأزمة الليبية، إلا أن فرنسا تدعم خليفة حفتر الذي يعرقل تطبيق هذا الاتفاق، فلدى فرنسا علاقات سياسية وعسكرية بالمعسكر الذي يقوده خليفة حفتر في شرق البلاد، ويتمظهر في ذلك في مشاركة مستشارين عسكريين وطيارين حربيين فرنسيين خلال العامين الماضيين في مساندة قوات حفتر في حربها ببنغازي ضد مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي ومسلحي تنظيم الدولة هناك، إبان ولاية الرئيس "فرانسوا أولاند"، وهذا ما يؤهل فرنسا للتأثير على حفتر؛ شريطة رغبتها الحقيقية وليست المزيفة في إيجاد حل للأزمة الليبية.

ويتذكر الجميع ما أعلنه "أولاند"عن مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في حادث تحطم طائرة هليكوبتر غرب بنغازي، خلال ما وصفها بالمهمة التي تهدف لـ"جمع معلومات مخابراتية"، في حين أن حقيقة الأمر هي أن سقوط المروحية كان خلال تنفيذها غارة جوية استهدفت تمركزات لمقاتلين تابعين لسرايا الدفاع عن بنغازي المناهضة لحفتر.

ولاحقا، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية حينها، والتي كان يقودها في ذاك الوقت وزير الخارجية الفرنسي الحالي "جان لودريان"، أن مقتل الفرنسيين الثلاثة كان خلال تأديتهم "مهمة خاصة في ليبيا".

ووفقا لهذه المعطيات فإنه لا يمكن أبدا الوثوق بأي حال من الأحوال في أي دور تود فرنسا أن تلعبه في ليبيا؛ بحجة حياديتها ودعمها للحل السياسي، فمواقفها السابقة الداعمة لخليفة حفتر ومن ورائه دولة الإمارات العربية؛ يضعها دائما في دائرة الشك والريبة، كما أن تدخلها هذا لن يصب في مصلحة الليبيين، بل سيزيد من اتساع الهوة بينهم ويؤجج الصراع الذي تعاني منه ليبيا. وهذا يقود للتأكيد على أن الدور الفرنسي في ليبيا هو دور مشبوه دوما، فهي من جهة تعلن دعمها للحل السياسي وفق ما نص عليه اتفاق الصخيرات، ومن جهة أخرى تقدم الدعم لجنرال عسكري هو المعرقل الوحيد الذي تقف أعماله العسكرية حائلا دون استقرار البلاد.

وغير بعيد عن تفاعلات الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، فإن لفرنسا صراعا غير معلن مع إيطاليا بشأن ملف هذه الأزمة الذي توليه إيطاليا أهمية خاصة؛ لأنها البلد الأوروبي الأكثر تضررا من تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أراضيها، علاوة على أن الشركات الإيطالية النفطية لديها عقود استثمارية ضخمة موقعة مع مؤسسة النفط الليبية في طرابلس.

كما أن مذكرة التفاهم التي وقعها "السراج" مع رئيس الوزراء الإيطالي "باولو جينتيلوني" في شباط/ فبراير الماضي، نصت على مكافحة التهريب والهجرة في الجنوب الليبي، وهو منطقة شاسعة تجاور دولا إفريقية تقع ضمن النفوذ التاريخي والاستراتيجي الفرنسي، ما يعني أن فرنسا لن تترك بسهولة هذه المنطقة ملعبا لإيطاليا.