قضايا وآراء

هل ما زالت "إسرائيل" هي العدو؟!

1300x600
أوقف جهاز الأمن العام اللبناني قبل أيام في مطار بيروت مخرجا سينمائيا لبنانيا، بتهمة زيارة دولة عدوة هي "إسرائيل" قبل ثلاث سنوات، خلال تصوير أحد أفلامه. اقتيد المخرج إلى المحكمة العسكرية، حيث عُقدت له جلسة تحقيق عاجلة استمرت ساعة ونصف، أخلي بعدها سبيله لمرور الزمن على الجرم الذي ارتكبه. بعد انتهاء المخرج من التحقيق خرج لمقابلة وسائل الإعلام، مزهوا بما فعل رافضا الاعتذار، كاشفا أن رسالته الفنية سلمية تصالحية ولا علاقة لها بالخلافات السياسية.

ملابسات ما حصل مع المخرج أعادت إلى الواجهة جدلا لبنانيا أزليا حول العداء مع "إسرائيل"، خاصة أن المخرج حين تم توقيفه حظي بحملة تضامن كبيرة، شملت وزراء ونوابا وسياسيين استاؤوا من التضييق على "مبدع عالمي"، رغم مخالفته الصريحة للقانون. بل إن البعض طرح سؤالا يعتبره كثير من اللبنانيين بديهيا، هل "إسرائيل" هي "العدو" فعلا؟!

من يطرحون هذا السؤال، لا ينتظرون جوابا مباشرا، إنما يطالبون بتقديم معيار ثابت وواضح يشكل إطارا دائما لاتهام دولة أو طرف أو جهة بأنهم أعداء. فإذا كان معيار العدو هو الذي يمارس البطش والظلم والإرهاب، فهذا يعني أن  أنظمة عربية أخرى ينطبق عليها هذا المعايير، فهل يمكن تصنيف هذه الأنظمة بأنها العدو؟! وإذا كان المعيار مرتبط بعدد الضحايا من القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين، فإن هذا كذلك يطال أنظمة وأحزابا وحشودا شعبية يجب أن يكونوا جميعا على ضفة العداء إلى جانب إسرائيل. أما إذا كان المعيار هو حداثة الجرم الذي يُرتكب، فإن الجرائم التي تُرتكب من أطراف وأنظمة وأحزاب بحق شعوبها أكثر حداثة مما ارتكبه ويرتكبه الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

تعاني منطقتنا العربية والإسلامية انقساما عموديا، بين فريق يطلق على نفسه "محور الاعتدال"، ومحور مقابل أطلق على نفسه اسم "محور المقاومة" على اعتبار أن مشروعه هو مقاومة الاحتلال. لكن هذا الاختلاف يقابله اتفاق  على أن "إسرائيل" دولة عدوة ومحتلة. هذا التوافق الشكلي الظاهري لا يعني أن الموقف الضمني يؤكد على هذا العداء.

على ضفة "محور الاعتدال" لم يعد سرا أن "إسرائيل" لم تعد على لائحة الأعداء، وهي تزحف شيئا فشيئا علّها تجد مكانا لها قريبا على لائحة الأصدقاء. وبات أمرا مسلّما به لدى هذا المحور أن ما يصفونه بحركات الإسلام السياسي وإيران هما اللذان يحتلان صدارة لائحة الأعداء. ووصلت الحرارة والود مع إسرائيل حدا دفع برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى التصريح والمفاخرة بأن علاقة بلاده مع دول عربية أفضل من أي وقت مضى. ما يؤكد على كلام نتنياهو؛ هي تصريحات أدلى بها وزير الخارجية السعودي اتهم فيها دولة قطر بدعم حركة حماس(!!)، فدعم حركات المقاومة ومساندتها تهمة تستحق العقاب.

على الضفة الأخرى الوضع ليس أفضل حالا، والتساؤل حول العداء لإسرائيل بالنسبة لمحور المقاومة لم يعد بديهيا كذلك، رغم الكثير من الشعارات والخطب الرنانة التي تزأر بها حناجر قادة هذا المحور. فشعار حربا حربا حتى النصر زحفا زحفا نحو القدس، تم استبداله عمليا بزحف زحف نحو دير الزور وإدلب والموصل وتلعفر وربما صنعاء والرياض. وفي حين أخبرنا قادة هذا المحور أن مشروعهم في المنطقة انتصر، فإنه لم يبذل أي جهد تجاه "إسرائيل"، ومحاولة استئصالها، وهي التي طالما وصفها هذا المحور بالغدة السرطانية. محور المقاومة الذي يشعر هذه الأيام بفائض ثقة وقوة والذي صدع رؤوسنا بمقولة "ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات"، وأن إسرائيل "أوهن من بيت العنكبوت" لا يجد أن الوقت موات للمساس بإسرائيل.

لا تكمن المشكلة في أن أنظمتنا العربية أزاحت إسرئيل من قائمة العدو واستبدالتها بالقوى الحية من أبناء شعبها، المشكلة في أن هذه الأنظمة احترفت استهبال شعوبها والإيحاء لهم أنها تعادي إسرائيل في الوقت الذي تعمل على التطبيع معه.