كتاب عربي 21

مأزق حماس.. الكعكة المسمومة

1300x600
(1)
أفرح بخوف، وأرفض بفرح، الخطوة الميمونة الملعونة، التي تأخذ حماس إلى معسكر عباس، فكعكة التوحد وأمل إنهاء الانقسام مغموسة في سم "صفقة القرن" وملوثة بعار الاستسلام للشروط الصهيونية والأمريكية، التي تستهدف تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إعاشة لشعب جائع ومسكين، وليس إلى قضية شعب حر يقاوم من أجل استرداد أرضه وحياته.

(2)
عودة حماس منكسرة إلى نفق المخابرات المصرية (بعد انحرافها الثاني)، هو الخطوة الأولى لجر "حركة المقاومة" نحو حظيرة كامب ديفيد، حيث يتم ذبح القضايا العربية، وسلخها، وشيها على السفود الإسرائيلي، كي يتغذى وحش التوسع على الأرض قطعة قطعة، فيمسخ هوية السكان والتاريخ والجغرافيا ليتمدد كل يوم خطوة باتجاه هدف "إسرائيل الكبرى"، وهو هدف معلن لا تخفيه إسرائيل عن العالم ولا عن الأذلاء العرب!

(3)
من الغباء أن نتعامل مع مثل هذه التحولات الكبرى كأحداث، أو كأخبار يومية، فنكتفي بالتعليق السريع لسد جوع نشرات الأخبار وبرامج التليفزيون، أو بالتراشق  على مواقع التواصل بعبارات الغضب، وكلمات الإشادة، وانتظار الأمنيات، أو بالتبرير والتبشير و رش "ملح الحسد" حتى يمن الرعاة علينا ببركة إنهاء الانقسام، لنصبح جميعا مجرد قطعان من الحملان في حديقة إسرائيل الخلفية، أو عمالا ننظف قاذورات سكان المستوطنات التي شُيدت على أرض الآباء  والأجداد..!، مثل هذا التعامل القاصر لتحولات حماس  يرفع درجة اليأس من قدرة هذه الأجيال على تحرير فلسطين، بل على تحرير عقولهم، بحيث بات المشهد العربي بالنسبة لي أشبه بلاعبين يجلسون في الاستوديو التحليلي، يتناقشون ويختلفون حول الأداء في مباراة تليفزيونية، ولا تؤثر كلماتهم بشيء في الملعب، حتى وصولوا إلى حالة من الاندماج الكاذب فيهللون للأهداف المعادة، وينقلون انتماءاتهم بين الفرق على قاعدة "اللعبة الحلوة"، فلا تجد غضاضة بعد ذلك أن يضحك اللاعب ملء شدقيه فرحا بالتصوير مع نتنياهو وهو يسجل الأهداف في مرماه، بل يتطوع "الهداف الخائن" بالوقوف كحارس مرمى للخصم، لكي يدافع عن أمن "المواطن الإسرائيلي" بينما هو متهم بالتنكيل بشعبه "الفقير أوووووي".

(4)
لكي أقترب معكم من الملعب، علينا أن ننظر للمباراة في سياقها التاريخي، وعلينا أن نتذكر الهدف منها، وهي ببساطة أن هذه القوى الدولية التي ندور في ساقيتها، ساعدت مجموعة من المغامرين على احتلال فلسطين، وبذلت كل الجهود للمساعدة في تأسيس دولة عدوانية توسعية اسمها "إسرائيل"، وأن العرب بتفككهم وضعفهم و"عمالتهم" انهزموا أمامها في كل الحروب (أقول كل الحروب، لأن الحروب تنوعت في أسبابها واشكالها، لكنها انتهت إلى نتيجة واحدة الهزيمة العسكرية أو السياسية)، والمفارقة المبكية أن هزائمنا العسكرية كانت أقل خطرا من الهزيمة السياسية التي أعقبت نصر أكتوبر العسكري، لأن نتائجها لا تزال تتصاعد وتتواصل، وتحقق المكاسب اليومية لإسرائيل على كل الأصعدة، وهنا أطرح سؤالي الأول:

(س1)
إذا كانت مصر بكل ثقلها الإقليمي ودروها التاريخي قد خرجت من الصراع العربي الصهيوني، وإذا كان العرب مجتمعين لا يقدرون على مواجهة "الدولة العصابة"، فهل تقدر حماس أو فصائل المقاومة المحاصرة بين الخنجر والجدار.. خنجر إسرائيل وجدار المعابر المغلقة مع مصر، وجمع كلمة "معبر" هنا مقصود منها الإشارة إلى إغلاق التواصل بين غزة ومصر على المستويات المعيشية والثقافية والسياسية، وسد كل المسارات التي تساعد على استمرار المقاومة والحياة.. يعني باختصار المساعدة في تطبيق الهدف الإسرائيلي الذي أعلنه شارون قبل موته، والذي يتمثل في سياسة "خنق غزة"، لكي تسلم بندقيتها وتجلس منكسرة على "مائدة الإذعان" ولا أقول "مائدة التفاوض"، ومن هذه النقطة يمكننا أن ننظر إلى خطوة حماس بنظرة أوسع، فنعرف لماذا كانت خطوة مقاطعة ومحاصرة قطر في هذا التوقيت، ولماذا ظهر على السطح اتهامها بالإرهاب، ولماذا استمرت مصر في إغلاق المعابر، ولماذا توقفت الدول المانحة، وتوقفت إمدادات الوقود، وانقطعت الكهرباء، ونقصت الأدوية وتعطلت الأجهزة الطبية في المستشفيات؟، وإلى أي مدى يمكن أن تصمد حماس وغزة كلها تحت هذا الحصار؟

(س2)
لماذا عادت حماس إلى مصر بالذات؟، ولماذا عدلت وثيقتها قبل شهور بما يتلاءم مع المزاج الحاكم في القاهرة؟، ولماذا تضمن بيانها الأخير ما يوحي باعتذار "مُذل" لجهاز المخابرات العامة في مصر تحديدا، وليس لمصر الشعب والدور؟، وولماذا كانت المبالغة في التسليم لصالح معسكر (مصر/دحلان) تحت ستارة شفافة لم تحجب جريمة اغتصاب إرادة المقاومة، بل زورتها بمسمى "إنهاء الانقسام، بينما هي تستهدف "الوحدة في التسليم والخنوع" وليس "الوحدة في المقاومة واستعادة الحق"؟

(إجابتي)
كل الطرق تؤدي إلى سيناء.. تعالوا نتأمل موقف الإدارة الأمريكية التي أظهرت علنا تهافت الدور الإقليمي لمصر، واتخذت منحى الاستغناء عن القاهرة وخفض المعونات الموجهة لها كأجر نظير خدماتها الإقليمية، لماذا تسمح اليوم بحضور إقليمي لمصر في القضية الفلسطينية؟، هذا الحضور ليس احتراما من واشنطن لدور مصر التاريخي أو تحسبا لقدرات عسكرية أو سياسية تساوي وزنا في المرحلة المقبلة، لكنها تستحضر القاهرة كطرف لابد منه في بند مبادلة الأراضي الذي اقترحته المبادرة الفرنسية لتطعيم "حل الدولتين" الأمريكي.. ولهذا تحرص واشنطن وتل ابيب معا على حضور مصر مثلما حرص العمدة في فيلم "الزوجة الثانية" على حضور الفلاح الأجير أبو العلا ليبصم على زواج العمدة من زوجته، لكن "ابو العلا في الفيلم كان محباً ومخلصاً.. صحيح أنه كان فقيرا وضعيفا أمام جبروت العمدة وحاشيته، لكنه لم يكن خائنا ولا ديوثا.

(انتباه)
كما قلت قبل 18 شهرا: تيران لا، أقولها اليوم في مواجهة معسكر الخيانة: سيناء لا.

فهل نبدأ المواجهة؟ أم نتخاذل ونترك الخائن يخلي السكان ويهيئ الأرض خطوة جديدة لتمكين الصهاينة من النيل إلى الفرات... ولا تنسوا أن تبحثوا وتتأملوا ما يحدث هناك على الطرف الشرقي من توغل صهيوني لشراء الأراضي، والترتيبات المتسارعة للتفكيك وطرح مشروع إنشاء الدولة الكردية، والسعي لتغييرات ديموجرافية كبيرة في الموصل وما حولها.

انتبهوا.. رعب أكثر من هذا على الأبواب.

#سيناء_لا.