قضايا وآراء

المعارضة السورية أمام مفترق طرق

1300x600

مع اقتراب المعارك ضد "تنظيم الدولة" في سوريا من نهايتها، ومع وصول استانا إلى خواتيمه، تتهيأ روسيا إلى اجتراح مسار سياسي يكمل مسارها العسكري.

لكن البدء بعملية سياسية وفق البنى السياسية القائمة لدى المعارضة من جهة، والمرجعيات السياسية المعتمدة من جهة ثانية، لا يستقيمان مع التغيرات العسكرية والسياسية التي طرأت على الملف السوري خلال الأشهر الماضية.

بعبارة أخرى، لا بد من إعادة تدوير الزوايا، وإعادة إنتاج معارضة مغايرة للمعارضة القائمة الآن، ومن نافلة القول، إن تغيير بنى المعارضة وتشكيلاتها سيؤدي بالضرورة إلى تغيير في المرجعيات السياسية القائمة، فالقرار الدولي 2254 الذي يشكل المرجعية السياسية للحل في سوريا لم يعد من وجهة نظر موسكو كافيا لتلبية شروط الحل.

وبدا واضحا منذ جولات جنيف السابقة واستانا أن الروس يحاولون ببطء شديد إحداث انعطافة في المرجعية السياسية المعتمدة دوليا للحل في سوريا.

هكذا وجدنا محاولات موسكو أكثر من مرة في تمرير مسودة دستور جديد في اجتماعات استانا، ووجدنا المبعوث الدولي يقترب شيئا فشيئا من الرؤية الروسية للحل، إما لقناعة ذاتية بأن المسار الروسي هو الأقرب للحل، أو لأن الرجل يبحث عن إنجاز سياسي يضاف إلى رصيده.

بكل الأحوال، اعتمد دي ميستورا منذ الجولات السابقة صيغ أقرب للطرح الروسي، فتحدث الرجل عن الحوكمة بدلا من الحكم، وعن إمكانية الوصول إلى الحكم الرشيد عبر إجراء إصلاحات سياسية وإدارية وأمنية...إلخ.

بعبارة أخرى، لم يعد بالإمكان الحديث عن هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة كما تطالب المعارضة، ولم يعد بالإمكان بالتالي الحديث عن رحيل الأسد في المرحلة الانتقالية، وربما بعدها بسنوات.

وللوصول إلى هذا الواقع الحالي، تقاسمت موسكو وواشنطن الأدوار، فتسلمت الأولى زمام المبادرة العسكرية التي تُوجت بمناطق خفض التوتر، مع ما تعنيه من تدجين المعارضة المسلحة بما يسمح لها الانخراط في عملية سياسية للحل لا تتوافق مع رؤيتها الأصلية، فيما تسلمت الثانية زمام المبادرة السياسية، أي تدجين الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري وبعض الدول الأوروبية، بضرورة القبول ببقاء الأسد، والقبول بحل سياسي معقول للأزمة السورية.

وما التراجع الحاصل لدى عدد من الدول الأوروبية وفي مقدمتهم فرنسا، والتراجع الحاصل في الموقف السعودي إلا تتويج للضغوط الأمريكية.

أمام هذا الواقع قيد التشكل، تبدو المعارضة السورية، سواء الائتلاف الوطني أو الهيئة العليا للمفاوضات، أمام مفترق طرق، في ظل خطاب سياسي لم يستطع إلى الآن مراعاة المتغيرات العسكرية والسياسية الحاصلة.

والحقيقة أن المعارضة لا تحسد على الوضع الذي هي فيه، فمن جهة يصعب التنازل عن مبادئ الثورة وقيمها بعد كل هذه التضحيات، ومن جهة ثانية، لا يكمن الحل بأيدي السوريين أنفسهم، وليس بالإمكان أفضل مما كان.

وعليه، لن يكون لها خيارات سوى الإبقاء على الخطاب السياسي المتزمت وتحمل تكلفة الخروج من الحلبة السياسية، أو تغيير خطابها وفق إطار الممكن، وتحصيل مكتسبات سياسية معقولة، لكنها لا تسلبها حضورها السياسي.

هذه الإشكالية خيمت بوضوح على الاجتماع الأخير للهيئة العليا للمفاوضات، وبدا أن الأعضاء منقسمين بين خطاب متمسك بمبادئ الثورة، وأخر يدعو إلى تمثل المرحلة الحالية والعمل في إطارها.

لكن هذا الانقسام السياسي سرعان ما تحول إلى انقسام إداري، بين من يطالب بتوسيع الهيئة عبر ضم منصة القاهرة وربما منصة موسكو مع شخصيات من الداخل السوري، وبين من يدعو إلى تغيير الهيئة العليا بكاملها، لصالح هيئة جديدة.

هنا عادت مسألة التنافس بين المكونات على مرجعية السلطة والنفوذ، وهي إعادة خطيرة في هذه المرحلة، ومن شأنها أن تفجر الصراعات بين مكوناتها، وتضعف من قوة المعارضة في وقت تتجهز روسيا إلى صناعة معارضة داخلية واسعة تضم أطياف من الذين دخلوا في المصالحات وبعض المجالس المحلية، إضافة إلى الإدارة الذاتية الكردية.

الخطوة الروسية فيها الكثير من الخطورة على المعارضة، لأنها تحاول تقديم تشكيلة من المعارضة الداخلية متواجدة على الأرض في مناطق سيطرة المعارضة، ومحاولة إدخال القوى الكردية التابعة لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" بوصفها جزءا من المعارضة، وهذه خطوة ستلقى دعما أمريكيا وأوروبيا قويا.