قضايا وآراء

خيانة وإن تعددت الروايات

1300x600

تعددت التأويلات وتنوعت التحليلات في أعقاب مجزرة الواحات؛ التي راح ضحيتها مجموعة من كبار ضباط الأمن الوطني المعروفين بقسوتهم وجبروتهم، ومشاركتهم في تعذيب المعتقلين وقتل الأبرياء في رابعة وغيرها من المجازر التي سجلها التاريخ في أعقاب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، لكن إقالة محمود حجازي رئيس أركان الجيش ومحمود الشعراوي (رئيس جهاز الأمن الوطني)، أي رئيس أركان وزارة داخلية النظام، بعد أسبوع تقريبا من المجزرة؛ ربما قدم تفسيرا جديدا لما جرى في الواحات.

 

من الصعب تخيل عزل محمود حجازي، ليس لأنه الرجل القوي باتصالاته

وعلاقاته في المؤسسة العسكرية، ولكن لأنه صهر السيسي


من الصعب تخيل عزل أو إقالة محمود حجازي رئيس أركان الجيش، ليس لأنه الرجل القوي باتصالاته وعلاقاته في المؤسسة العسكرية، ولكن لأنه صهر الجنرال السيسي. فأحد أبناء السيسي متزوج من ابنة محمود حجازي، وبالتالي هناك علاقة نسب يصعب التضحية بها. وناهيك عن النسب، فهناك علاقة ارتباط مهني بين الرجلين منذ أربعين عاما، وارتباط سياسي أيضا منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإبان حكم المجلس العسكري، ثم تجلى هذا الارتباط في الإعداد لانقلاب 3 يوليو 2013. فقد قام حجازي بجهود ضخمة من أجل إتمام الانقلاب العسكري، ناهيك عن أن حجازي هو عين السيسي داخل المؤسسة العسكرية، وقد قام فعليا بعزل وزير الدفاع صدقي صبحي. وقد قمنا في برنامج مع زوبع بحصر زيارات ومقابلات محمود حجازي الخارجية والداخلية، ووجدنا أنها تفوق بكثير ما قام به وزير الدفاع نفسه، مع أن الأخير من المفترض أنه الأكثر سيطرة بحكم موقعه، وبالتالي الأكثر حركة وسفرا. لكل ما سبق، كان خبر عزل أكبر قائد عسكري في القوات المسلحة مثيرا للقلق وللتساؤلات أيضا.

ما علاقة عزل هؤلاء القادة العسكريين بمجزرة الواحات؟

 
الجيش ربما ترك ضحايا الشرطة يسقطون دون
تقديم أي دعم عسكري في معركة مفتوحة


في معرض تحليلنا للحادث، ذكرنا أن تسلسل الأحداث يثبت إلى حد كبير أن الجيش ربما ترك ضحايا الشرطة يسقطون دون تقديم أي دعم عسكري، في معركة مفتوحة يمكن للقوات المسلحة أن تقدمه في مثل هذه المعارك، كما لم يقدم الجيش أي دعم للمصابين وترك بعضهم ينزف حتى الموت باعتراف الطبيب الضابط، وهنا ثارت الشكوك وبعد يومين من المجزرة اجتمع السيسي بوزيري الداخلية والدفاع وبرئيس المخابرات الحربية ورئيس سلاح القوات الجوية، وبدا للجميع أن ثمة أزمة حقيقية بين الأطراف جميعها.

كما نشرت صحيفة العربي الجديد خبرا نسبته لمصادر؛ أن هناك وساطة من رئيس المخابرات بين الداخلية والدفاع، وبدا للجميع أن الشكوك حول تورط الجيش في مجزرة الواحات لم تعد مجرد شكوك؛ بل حقائق ينقصها نشر التفاصيل.

سافر الجنرال السيسي إلى فرنسا وعاد بخفي حنينا بعد مواجهة عاصفة مع الإعلام الفرنسي رغم قيام السلطات الفرنسية بحماية السيسي سياسيا وإعلاميا، ومنع المظاهرات ضده، إلا أنه تلقى سؤالا عن حقوق الإنسان تركه يهذي كالمجنون؛ مفصحا عن وهم إنجازاته التي تم الترويج لها قبل سفره تحت شعار "عشان تبنيها"، ووقع السيسي في أزمة إعلامية كبيرة، وهو يتحدث بلا رابط ولا ضابط عن بلده التي تعاني تحت حكمه من قلة التعليم وزيادة البطالة وعدم جودة الخدمات الصحية، فبدا أمام العالم عاريا بلا إنجاز يفخر به أمام العالم وهو يتحدث من باريس.. في الوقت نفسه كانت المعلومات تشير إلى أن جهات لها علاقة بالقوات المسلحة تجري استطلاع رأي عن السيسي والحكم والانتخابات.

عاد السيسي من باريس بينما كان محمود حجازي رئيس الأركان في أمريكا مجتمعا مع قادة الأركان في المنطقة، ومن بينهم رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني والجيش السعودي والجيش الإماراتي والأردني، وغيرهم.

 

الرواية الأكثر شيوعا أن السيسي أُبلغ عن طريق

الموساد أن محمود حجازي التقى بقيادة الـCIA

 

انتظر السيسي عودة محمود حجازي من أمريكا، ثم خرج على العالم بقراراته التي بدأت بعزل حجازي، ثم القرارات الأخرى المتعلقة بقيادات وزارة الداخلية؛ للتغطية على قراره الخطير وهو عزل رئيس الأركان، فما هي العلاقة؟ ولماذا هذا التوقيت؟ الرواية الأكثر شيوعا أن السيسي أُبلغ عن طريق الموساد؛ بأن محمود حجازي التقى بقيادة الـCIA، أي المخابرات المركزية الأمريكية، وأن المقابلة تناولت الشأن السياسي المصري واستطلاع الرأي المشار إليه أعلاه، ومدى قابلية الوضع للتغيير في مصر، ودور حجازي في الموضوع.

والذي يؤكد أو يدعم هذه الرواية؛ هو تصريح أحمد شفيق المرشح الرئاسي الهارب والخاسر في انتخابات 2012 الذي اعتبر ما جرى في الواحات خيانة، ولم يشر إلى من خان من، ومتى، وكيف.. ولكن الجزء الآخر من القصة هو أن شكوكا حول دور حجازي في ترتيب ما جرى في الواحات، بحيث يسافر السيسي إلى فرنسا وهو مكسور الجناح وفاشل في حماية جنوده في سيناء، أو حتى داخل القاهرة الكبرى، وبالتالي اجتمعت لدى السيسي مجموعة من الشكوك التي تصل إلى حد اليقين بأن حجازي يلعب بـ"ديله" أو مستعد للعب بـ"ديله"، وهو أمر يعرفه السيسي جيدا، فقد قام بالانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، بمساعدة حجازي وصدقي صبحي، وزير الدفاع حاليا. وبناء عليه، قرر إخراج حجازي من داخل المؤسسة العسكرية، ولو من باب الاحتياط، لعلمه بخطورة بقاء حجازي، صاحب السمعة والعلاقات الجيدة بين قيادات الجيش، وهي سمعة اكتسب بعضها قبل استلامه رئاسة الأركان، وتعززت بوجوده داخل مؤسسة الجيش بصفته رجل السيسي القوي فيها.

 

ربما ربط السيسي بين خيانة الجيش للشرطة في موقعة

الواحات وإجراء استطلاع رأي داخل المؤسسة العسكرية

 

في الغالب، ربما ربط السيسي بين خيانة الجيش للشرطة في موقعة الواحات وإجراء استطلاع رأي داخل المؤسسة العسكرية، ثم جاءته أخبار لقاء حجازي بالمخابرات المركزية الأمريكية لتمثل القشة التي قصمت ظهر بعير العلاقة بينهما، وكان قرار السيسي التضحية بالعلاقات بكل أبعادها وإقصاء أقوى رجل في المؤسسة العسكرية؛ حتى يضمن بقاءه في السلطة.


أما إقالة رئيس جهاز الأمن الوطني؛ فليس فقط لأن سمعة الجهاز السيئة تطارد السيسي في كل مكان يذهب إليه بسبب ممارساته غير الإنسانية، من خطف وتعذيب وإخفاء قسري وتصفية وقتل داخل السجون والمعتقلات، بل لأنه ربما اعتقد السيسي أن ثمة شيئا يرتب في الخفاء بين الأمن الوطني وبعض قيادات في الجيش، وهو ما تسبب في مجزرة الواحات التي لا يمكن أن تقع بعيدا عن عين رئيس أكبر جهاز للأمن السياسي في مصر. ولو كان السيسي يريد إقالة أحد لأقال وزير الداخلية نفسه، أو لأقال رئيس جهاز الأمن الوطني في أعقاب المجزرة وليس بعد عشرة أيام كاملة.

 

السيسي جاء برئيس الأركان الجديد من بين كوادر
وزاة الدفاع وليس من بين قادة الأسلحة الحاليين

السيسي جاء برئيس الأركان الجديد من بين كوادر وزاة الدفاع وليس من بين قادة الأسلحة الحاليين، وهو أمر يوحي بأن السيسي لا يثق تماما في قادة الأسلحة، أو أنه يستعين بالزملاء القدامى لثقته فيهم أو لمعرفة كيفية ترويضهم لاحقا، أو ربما أنه يبحث دائما عن الطرطور.

يبقى السؤال: هل أصبح السيسي اليوم يشعر بحق أنه على خطر عظيم.. وأن أيام الحب والثقة باتت جزءا من الماضي؟ لعل الأمر يحتاج إلى بعض الوقت.