كتاب عربي 21

محاولة أخرى متعثرة لعزل النهضة

1300x600

تتكرر المحاولات والهدف واحد: هو عزل حركة النهضة وابعادها عن الحكم. آخر محاولة في هذا الاتجاه ما سمي بتكوين جبهة برلمانية قد يتم الإعلان عنها هذه الأيام، وقد تضم أكثر من 50 نائبا ونائبة. ومن العنوان يُفهم السياق والغرض، حيث اختار أصحاب هذه المبادرة ان تكون هذه جبهة "وسطية تقدمية"؛ تهدف إلى إعادة التوازن السياسي داخل البرلمان وخارجه.

من السابق لأوانه معرفة إن كانت هذه الجبهة ستصمد أم سيكون مآلها الفشل، مثلما حصل لسابقاتها، لكن تكرار هذه المحاولات دليل واضح على استمرار المأزق السياسي الناتج عن فشل الأحزاب السياسية في تطوير أدائها وتجاوز خلافاتها التي لا تنتهي.

 

تأمل هذه الأحزاب في إخراج الإسلاميين
من السلطة عبر صناديق الاقتراع

 

أنظار الجميع متجهة نحو سنة 2019، موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وتطمح الأغلبية الواسعة من الأحزاب القائمة أن يكون لها موقع مؤثر في إدارة شؤون الحكم، وتأمل هذه الأحزاب في إخراج الإسلاميين من السلطة عبر صناديق الاقتراع، لكنها غير متأكدة من ذلك؛ بسبب حجم حركة النهضة، وقدرتها على إحكام صفوفها بفضل انضباط عناصرها، وخبراتها المتراكمة في مجال التعبئة والتوسع. فحركة النهضة تعتبر منافسا شرسا وعنيدا لبقية الأحزاب، القديمة منها والناشئة.

ليس أمام هذه الأحزاب لتعديل المشهد السياسي سوى تجميع صفوفها وبناء جبهة، أو جبهات، عريضة وقادرة على الصمود والبقاء. لكن بقدر وضوح الهدف، إلا أن الوصول إليه لا يزال صعبا ومعقدا. فكل حزب من هذه الأحزاب يرى في نفسه وفي قيادته المنقذ والقائد، ولهذا عندما تتقدم المشاورات بين هذه الأطراف تطفو النعرات الشخصية والتباينات الأيديولوجية وخلافات الماضي، فتسمم الأجواء، وتحول دون تكريس العمل المشترك وبناء تقاليد جديدة تعطي الأولوية لمصلحة الوطن على حساب مصلحة الحزب.

 

عندما تتقدم المشاورات بين هذه الأطراف تطفو النعرات
الشخصية والتباينات الأيديولوجية وخلافات الماضي

وفّرت انتخابات 2014 فرصة ذهبية لتحقيق التوازن الحزبي والسياسي؛ من خلال انتخاب حزب نداء تونس الذي كان قادرا يومها على الحد من هيمنة حركة النهضة على المشهد العام. لكن ما أن قرر الحزبان الدخول في تحالف بينهما لإدارة السلطة بصيغة مشتركة، حتى فزعت بقية الأحزاب وشعرت بالتهميش، واتهمت نداء تونس بالاستسلام للإسلاميين. وكان من نتائج ذلك تآكل الحزب الذي أسسه الباجي قايد السبسي، وانقسامه على نفسه، وخسرانه لأهم كوادره المؤسسة الذين وجدوا أنفسهم يبدأون الطريق من جديد، حيث أسس العديد منهم أحزابا جديدة متفرقة وطامعة في أن ترث ما قاموا بتجميعه من قبل. وهكذا عادت الهواجس من جديد، حيث حافظت حركة النهضة على وحدتها رغم حدة خلافاتها الداخلية، وأصبحت مرة أخرى توصف بالغول الذي تجب مواجهته بشكل جماعي، لكن دون الاتعاظ من دروس الماضي. أي استمرار الدوران في حلقة لا تزال الى حد الآن مفرغة وغير منتجة.

 

10 من نواب حزب نداء تونس في الجبهة الجديدة، إلا أن ذلك لم
يتم بعلم أو بموافقة قيادة الحزب التي سارعت بإدانة المبادرة

ورغم انخراط 10 من نواب حزب نداء تونس في الجبهة البرلمانية الجديدة التي يزمع الإعلان عنها، إلا أن ذلك لم يتم بعلم أو بموافقة من قيادة الحزب؛ التي سارعت بإدانة المبادرة والتبرؤ منها، وانتقادها. ولم تكتف بذلك، بل وجهت تحذيرا لكل من أعلن انخراطه في هذه الجبهة من نواب الحزب؛ بأنه سيتم فصله إن لم ينسحب منها. كما اعتبر أحد قادة الحزب أن هذه الجبهة البرلمانية قد ولدت ميتة.

تصرفت قيادة نداء تونس بهذه الطريقة الحادة والقطعية حتى تحافظ على اتفاقها السياسي مع حركة النهضة؛ لأنها في حاجة إليها، أيضا حتى توفر الدعم الضروري لرئيس الحكومة يوسف الشاهد؛ الذي لا يستطيع أن يمرر الميزانية المطروحة على البرلمان إلا بموافقة نواب حركة النهضة. يضاف الى ذلك؛ أن الرئيس السبسي لا يزال حريصا على حماية التوافق الذي أقامه مع الشيخ راشد الغنوشي، رغم بعض الغيوم التي تمر بين الحين والآخر في سماء العلاقات بين الرجلين.

 

تتجه النية نحو عقد تمديد التوافق بين النهضة والنداء؛ عساه يستمر
10 سنوات أخرى، وهو السيناريو الذي يثير مخاوف المعارضين

يفترض الكثيرون أن النهضة هي المستفيدة بشكل أساسي من هذا التحالف، وهو قول صحيح إلى حد كبير، لكن في الآن نفسه وجد حافظ قايد السبسي ومن معه؛ في حركة النهضة السند الذي يحتاجه لاستمرار حزبه في السلطة. فهو لا يثق في جميع الأحزاب الأخرى التي تشكك في أهليته السياسية، وتعمل على تهميشه وإبعاده عن شخصيات الصف الأول في البلاد، في حين أن قيادة النهضة اختارت أن تتعامل معه كشريك في الحكم، وانحازت له في صراعه مع خصومه الذين نازعوه في قيادة الحزب، وعملت بشكل غير مباشر على إضعافهم. وهكذا وجد كل من الحزبين مصلحته في دعم الآخر.

وعلى هذا الأساس تتجه النية حاليا نحو عقد اتفاق سياسي بينهما؛ بهدف تمديد هذا التوافق، عساه يستمر 10 سنوات أخرى على الأقل، وهو السيناريو الذي يثير مخاوف المعارضين ويزعجهم كثيرا؛ لأنهم يرون في هذا الاتفاق "قضاء على الحياة السياسية، ووأدا للديمقراطية الناشئة". وهم يقصدون بذلك أن تبقى اللعبة السياسية ممسوكة من قبل هذين الحزبين الكبيرين، مما يقطع الطريق أمام بقية الأطراف، ويحرمها من الوصول الى السلطة إلا بموافقة النهضة والنداء، وهو ما يعتبرونه موتا للسياسة.