صحافة دولية

أوبزيرفر: هل الشرق الأوسط على حافة حرب إيرانية سعودية؟

أوبزيرفر: هناك تآمرات جارية بين قوتين إقليميتين خرجت من الغرف الخلفية إلى العلن- أ ف ب

قال مراسل صحيفة "أوبزيرفر" مارتن شولوف، في تقرير له من بيروت، إن عدم عودة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بعد استقالته المفاجئة في الرياض، يعد آخر حركة من حركات السياسة الخارجية السعودية

وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن الحلاق حسين خير الدين  في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، قوله إنه وعائلته تعودوا على التوتر خلال العقود الماضية، إلا أن الأزمة الأخيرة "مختلفة"، و"قد تصل إلى كل واد وقمة جبل، وإن بدأت فلن تتوقف".

ويعلق شولوف قائلا إن حالة الفزع لا تقتصر على الضاحية الجنوبية فقط، التي لا تزال آثار حرب 2006 واضحة عليها، بل يمتد الخوف إلى جميع أنحاء البلد، الذي وجد نفسه فجأة في قلب أزمة إقليمية غير عادية، حيث أن الاضطرابات تختمر منذ سنوات، إلا أن الأزمة الأخيرة بدأت يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، أثناء مأدبة غداء في بيروت، أقامها سعد الحريري على شرف وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسن، حيث تلقى في منتصف الغداء مكالمة غيرت مزاجه، واعتذر مغادرا إلى المطار، ودون مساعديه. 

وتبين الصحيفة أنه بعد ساعات من وصول الحريري إلى الرياض، فإنه أعلن استقالته بشكل أنهى تحوله من رئيس وزراء لبناني إلى موفد سعودي، تاركا الجميع في حالة من الدهشة. 

ويجد التقرير أن "الرحيل السريع، والنقاش الحاد الذي جرى خلال الأسبوع الماضي عبر الشرق الأوسط، وربط عدد من الأحداث المتعددة، هي عبارة عن أعراض حالة تعيشها المنطقة منذ مدة، وانفجرت للعلن بسرعة، فأحداث مثل سقوط مدينة كركوك وهزيمة الاكراد فيها، وتجويع الشعب اليمني، والصاروخ الباليستي على الرياض، واستقالة سعد الحريري، كلها جزء من تآمرات جارية بين قوتين إقليميتين، التي خرجت من الغرف الخلفية إلى العلن". 

ويعلق الكاتب قائلا: "تحاولان اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تصفية الحساب، حيث السباق على التأثير وصل ذروته من بيروت إلى صنعاء، وأدت المواجهة إلى غزو مناطق جديدة، والتخلي عن تحالفات لم يكن من المتخيل التخلي عنها، ومخاوف من مواجهة مدمرة بين عدوين، اللذين اعتمدا في الماضي على حروب الظل والجماعات الوكيلة". 

وتعتقد الصحيفة أن التحول بدأ من الرياض، التي يحاول النظام الجديد فيها وضع السعودية على أرضية مختلفة من الناحية المحلية والإقليمية، ويحاول تغيير الصورة التي تعكس فيها المملكة نفسها إقليميا وعالميا.

ويلفت التقرير إلى أن الأمير الشاب محمد بن سلمان حصل على تفويض من والده للقيام مع حليفته الإماراتية بمواجهة ما يراه سيطرة إيران على كل زاوية مهمة في العالم الإسلامي.

ويقول شولوف: "يبدو أن طموحاته على الجبهة الداخلية لا تعرف الحدود، وتشمل إصلاحات ثقافية، وإعادة تأهيل اقتصادي، وقلب الأشكال التقليدية في الحكم، بالإضافة إلى عملية التطهير التي طالت أثرياء أمراء كانوا بعيدين عن العقاب، وتركت المجتمع السعودي في حالة من الاهتزاز". 

وتفيد الصحيفة بأنه بعد ستة أشهر في منصبه، يشعر الأمير محمد وولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد أن الوقت قد حان لمواجهة إيران، وكلاهما يصران على أن نفوذ الهلال الإيراني غزا دمشق وغزة وبيروت وبغداد، ويحقق تقدما في اليمن والمنامة، ولم تعد إمارة أبو ظبي ودبي بعيدتين عنه، مشيرة إلى أنه بعد استقرار الحريري في الرياض، فإنه  تمت دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي وقعت إدارته اتفاق مصالحة مع حركة حماس. 

 

وتنقل التقرير عن دبلوماسي أوروبي تعليقه على التطورات قائلا: "من أين تبدأ هذه القصة، فهي تعتمد على وجهة نظرك.. وبالنسبة للسعودية فهي الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ويقولون إنها أجبرتهم على التصرف بطريقة غير طبيعية، ويقومون الآن بالعودة لحياتهم وممارساتهم الماضية، وقد تكون هناك حقيقة لهذا، كما أن هناك حقيقة بأن عام 2003 فتح الباب أمام هذا كله، وربما عاد بعض الإيرانيين إلى ما قبل 1500 عاما"، أي الخلاف بين السنة والشيعة، الذي قد يكون بداية لتفسير الخلاف الحالي، الذي يقوم على خطوط سياسية حديثة للتأثير، لكنه أصبح أكثر شدة بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين. 

ويورد الكاتب نقلا عن سياسي لبناني قدم النصح للرئيس العراقي السابق، قوله: "كان صدام حاجزا للسنة"، وأضاف: "وهذا ما فهمه السعوديون الآن، وهم يحاولون وضع أنفسهم في أعقابه، وبعد هذه السنين كلها". 

وتنقل الصحيفة عن سياسي بارز ترك المملكة العام الماضي، قوله: "ترددوا في أي مكان وضعت قيه إيران موطأ قدم لها"، وأضاف: "في الوقت الذي اعتقدوا فيه أن أمريكا تقوم بالواجب، فإنها كانت تساعد السيطرة الإيرانية، التي اكتملت الآن، وهم محقون في التعبير عن الخوف، هكذا الجميع، حيث تغير الحال في الشرق الأوسط لعدم تحركهم".

ويذكر التقرير أن إيران ساهمت في العام الماضي بتقوية نظام بشار الأسد في سوريا، وبمليشيات عراقية قاتلت في صفوفه، وأسهمت إيران في هزيمة تنظيم الدولة، وفعلت هذا عبر جماعات وكيلة، بما في ذلك استعادة مدينة كركوك، التي كانت تحت سيطرة الأكراد، وساعدت في فتح الطريق في المناطق الحيوية بين سوريا والعراق، لافتا إلى أن إيران تسيطر اليوم على الممر البري بين طهران ومدينة طرطوس السورية، بحيث يعطيها ممرا مهما للغرب، وبعيدا عن مياه الخليج العربي، ويمر الطريق من وسط العراق وسوريا، ويعرج نحو الحدود اللبنانية، ويغطي مناطق كانت مركزا للحرب الأهلية السورية، التي أصبحت تحت سيطرة النظام الآن. 

ويورد شولوف نقلا عن مسؤول أمني في المنطقة، قوله إن الإيرانيين أمامهم شهران لاستكمال الممر،  الذي "سيغير كل شيء، وسيعطيهم منطقة إمداد، والتحرك في أي مجال يريدونه، وسيعطيهم عمقا استراتيجيا، وهذا أمر مهم". 

وتشير الصحيفة إلى أن حزب الله يعد الأهم من بين الجماعات الوكيلة التي يعتمد عليها النظام الإيراني، حيث أسهم مقاتلوه في الحرب الأهلية السورية، وقتل فيها 1500 مقاتلا تقريبا، ودعم المليشيات العراقية واليمنية، واهتم الأمين العام لحزب الله بالحرب السعودية في اليمن، حيث تعتقد السعودية أن ناشطي حزب الله كانوا فعالين في مساعدة الحوثيين في اليمن على إطلاق الصاروخ الباليستي باتجاه الرياض.

وبحسب التقرير، فإنه لطالما نظر السعوديون للحريري على أنه رجلهم في لبنان لتحدي حزب الله وتقوية سلطته على المؤسسات اللبنانية، و"يبدو أن صبرهم قد نفد عندما انهار القطاع الإنشائي في السعودية، بشكل أدى إلى تأثر شركة الحريري، ومنذ ذلك الوقت كان هو والسعوديون في خلاف حول مليار دولار دين، ويبدو أنها وضعت الخلاف جانبا، ودعته إلى الرياض  لدفع الثمن". 

وتختم "أوبزيرفر" تقريرها بالإشارة إلى قول مدير مشروع العراق وسوريا هايكو ويمين: "إن تفكير القيادة السعودية بقدرة الحريري على مواجهة حزب الله أمر خيالي"، وأضاف: "من غير المعقول تفكيرها بأن استقالته ستجبر حزب الله على تغيير طرقه، فلا يمكن تشكيل أي حكومة دون موافقته".