قضايا وآراء

جمال الاستقلال ومرارة الواقع

1300x600
في لحظةٍ هادئة طفتُ بخيالي نحو الأفق، ثم حلقتُ في السماء الأنيقة التي طالما حدقتُ بها لأستمتع بصفاء لونها، وعلو مكانتها، وعزت نفسها، وجميل عطائها، وتمردها في بعض الأحيان. 

في تلك اللحظة تخيلتُ نفسي أستيقظ من النوم في يوم جميل، خالٍ من نشرات الأخبار المزعجة، وتقلبات السياسة الكاذبة، وغطرسة المحتل المتتابعة، ثم أستقبل إشراقة الشمس الجميلة بقبلةٍ أطبعها على جبين أبي وأمي، وبابتسامة زوجتي الرائعة، وبجمال أولادي الصغار، ثم أنطلق بصحبتهم في رحلةٍ كنا قد أعددنا لها مسبقاً نحو شمال فلسطين، بسيارة حديثة، بيضاء اللون، تحتوي على سبعة مقاعد، وتحتمل صعود الجبال ونزولها..

في طريقنا؛ لم نر حاجزاً عسكرياً واحداً يطلب منا أن نقف لساعات طويلة ويفتش أغراضنا الخاصة، أو يعبث بها، أو يسرق من كرامتنا الكثير قبل أن تمتد يده نحو لعبة ولدي عبد الرحمن الذي ادخر مصروفه الخاص حتى يستمتع باللعب بها.. لم نر ذاك الجندي الذي يضع قدمه فوق الأخرى، ويتلذذ بالمشروبات الباردة تحت ظل السقف الذي يحميه من حرارة الشمس التي كوت بشدتها عشرات الكبار والصغار؛ انتظاراً لحركة أصبعه حتى يسير الناس لقضاء حوائجهم الضرورية.. ولم نر أيضاً تلك الصور التي ما زالت ماثلة أمام أعيننا من اعتقالٍ همجي للصغير والكبير، دون احترام وتقدير.

قطعنا مسافة الساعة في الطريق تقريباً، ثم توقفنا لتناول طعام الإفطار عند مطعمٍ فاخر على ساحل مدينة يافا، تميز المطعم بجمال المكان، وسحر الإطلالة، ومهارة طهي السمك الطازج الذي خرج لتوه من مياه البحر الذي تتلألأ مياهه بأشعة الشمس الذهبية، استمتعنا بالوجبة الصباحية اللذيذة، والتقطنا بعض الصور التذكارية، وانطلقنا..

وبعد ساعة أخرى من الوقت تقريباً، وصلنا إلى مكاننا المقصود، وبغيتنا المرجوة.. خيّمنا هناك، واستنشقنا أنقى الهواء، وقضينا أجمل الأوقات التي تخللها إعداد الطعام المشوي، والشراب المختلف، والرياضة المفيدة، والمسابقات الفكاهية، وتعرفنا على طبيعة المكان الذي حُرمنا منه لسنوات طويلة. وفي المساء، حزمنا أمتعتنا وعدنا إلى بيتنا، بعد أن صلينا العشاء دون أدنى مشاكل. وما كدتُ أن أستلقي على الأريكة التي صُنعت من خشب الزان والإسفنج المريح، حتى قرصتني زوجتي وهي تصرخ في وجهي: "لي أكثر من ساعة بنادي عليك لتخبرني عن أخبار معبر رفح، مش قالوا اليوم بدو يفتح متزامناً مع ذكرى الاستقلال الفلسطيني 15/11/1988م"؟ حينها استيقظت من خيالي الجميل إلى واقعنا الأليم، وقلتُ لها: للأسف لم يفتح المعبر، ولم نستقل بعد، فما زال الاحتلال الصهيوني يُحكم قبضته على فلسطين الجميلة.