كتاب عربي 21

متى نتائج التحقيق التونسي في قضية الزواري؟

1300x600

تمت جريمة اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري أمام منزله في مدينة صفاقس.. تقع صفاقس بطبيعة الحال على أراضي الجمهورية التونسية، ومن البديهي أن المعني أساسا بالتحقيق، والأهم إعلان نتائج التحقيق في قضية ذات طابع سياسي واضح، هي السلطات التونسية. غير أنه بعد مرور حوالي العام من عملية الاغتيال؛ لم تكن تونس هي التي أعلنت نتائج تحقيقاتها بل منظمة سياسية لا تحوز على مقدرات الدولة..

فإعلان "حماس" عن نتائج التحقيق إزاء غياب أي تصريح رسمي للسلطات التونسية عن تحقيقاتها، منذ آخر ندوة صحفية في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2016، يعكس اختلالا واضحا في المعايير. لمَ تمتنع السلطات التونسية عن إعلان مسار تحقيقاتها؟ أليس ذلك تعبيرا ليس عن محدودية قدرات الأمن التونسي، بل عن عجز سياسي من قبل منظومة الحكم الحالية على إعلان "الموساد" كطرف أساسي وراء العملية؟

 

 

غير أنه بعد مرور حوالي العام من عملية الاغتيال؛ لم تكن تونس هي التي أعلنت نتائج تحقيقاتها بل منظمة سياسية لا تحوز على مقدرات الدولة..

قبل حوالي العام، عقدت وزارة الداخلية التونسية ندوة صحفية "للكشف عن ملابسات اغتيال محمد الزواري". وجاء فيها أساسا تأكيد وزير الداخلية آنذاك، الهادي المجدوب  أن "التخطيط لعملية الاغتيال بدأ منذ بداية 2016، إلى أن جاء يوم التنفيذ. وقد عثرت وحداتنا على الضحية مقتولا في سيارته قرب منزله، وتم العثور على سيارة رينو ترافيك عليها آثار دماء، وعلى حقيبة فيها مسدسان عليهما سائل يستعمل لإخفاء البصمة. وهذه السيارة تابعة لشركة كراء اكتراها تونسيان، أحدهما من زغوان والآخر من تونس، كما تم العثور على سيارة أخرى من نوع كيا؛ وجدت فيها شرائح هاتف باسم تونسي ثالث تم أيضا إيقافه".

وبيّن المجدوب أن الفتاة التي لعبت دور المساعدة الصحفية "على علاقة بالشركة الأجنبية الإعلامية منذ كانون الثاني/ يناير 2016، حيث عثرت على عرض عمل مع الشركة عبر الإنترنت. وقد أخبرتها الشركة أنها تعد برامج وثائقية لقناة ماليزية، ثم حددت لها شخصا أجنبيا من أصول عربية تتعامل وتعمل معه، وهو الذي استدعاها الى فيانا في أيلول/ سبتمبر 2016. وقد أخبرها هذا الشخص بأنهم يريدون عمل تلفزيوني مع شخص تونسي في مجال الطيران، اسمه محمد الزواري، واعدا إيّاها بمقابل يبلغ 100 يورو يوميا. فقامت بذلك في مرحلة أولى عن طريق تقرير، وأعجبه عملها ومكنها من أموالها الموعودة، ثم كلفها بمتابعة نشاط الجمعية التي يرأسها محمد الزواري، وإجراء حوار معه.

كما بيّن المجدوب أن "العملية خطط لها بفرقتين لا تعرفان بعضهما حتى إذا فشل فريق ينجح الآخر، مع الاعتماد على تونسيين لتأمين العملية والمساعدة فيها". أما عن الأجنبيين، فقد أكد الوزير أنهما من أصول عربية، وقد خططا جيدا للعملية وخارج تونس، مبينا أن الوزارة الآن تملك كل التفاصيل حولهما، وتتكتم على التفصيل من أجل الأبحاث. وأكد المجدوب أنه، "بحكم ارتباط الضحية بفصائل المقاومة الفلسطنية، فيمكن أن يحيل ذلك إلى تورط جهاز أجنبي في عملية الاغتيال، لكن نؤكد أنه إلى حد الآن لا توجد أي معطيات تؤكد ذلك.. والأبحاث جارية".

 

 

 

التحقيق التونسي الأولي قبل عام؛ هو صورة ضبابية وغير مكتملة عن هوية الفاعلين وتفاصيل التنفيذ، والأهم امتناع عن الحسم بوضوح بالاتهام المبدئي للموساد

 


ملخص التحقيق التونسي الأولي قبل عام؛ هو صورة ضبابية وغير مكتملة عن هوية الفاعلين وتفاصيل التنفيذ، والأهم امتناع عن الحسم بوضوح بالاتهام المبدئي للموساد؛ نظرا لطريقة التنفيذ، وأنه المستفيد الأول من العملية، إلى جانب زيارة الصحفي الإسرائيلي لمسرح الجريمة ومن أمام الوزارة، والابتهاج في الإعلام الإسرائيلي بها.

في المقابل، كانت منهجية "حماس" في الندوة الأخيرة واضحة وبلا لبس. فقد أشار عضو المكتب السياسي لحماس، محمد نزال، بوضوح؛ إلى "نحن في حماس نتهم جهاز الموساد الإسرائيلي اتهاما رسميا بالوقوف وراء عملية اغتيال الشهيد الزواري، بتعاون لوجستي من جهات أمنية أخرى".

وأضاف: "شكلنا لجان تحقيق من جميع الجهات بالحركة، وقررنا الوصول لكل الخيوط التي تكشف الجهة الفاعلة لجريم الاغتيال. وأردنا أن نثبت بالأدلة القطعية تورط الموساد في اغتيال الشهيد الزواري، وتوصلنا من خلال تحقيقاتنا وأبحاثنا؛ إلى أن الموساد هو من اغتال الشهيد محمد الزواري في تونس؛ بتعاون لوجستي من جهات أمنية أخرى. بدأ التحضير لعملية الاغتيال قبل عام ونصف من وقوعها. ومرت بثلاث مراحل، أولها جمع المعلومات للشهيد عبر شخص مجري الجنسية، ورفض الشهيد التعامل مع جامع المعلومات المجري وأبلغ الجامعة بشكوكه حوله. المرحلة الثانية من عملية الاغتيال؛ تمثلت في الاقتراب أكثر للشهيد عبر الصحفيين، وبدأ التحضير للعملية قبل أربعة أشهر من تنفيذ العملية، وتم استخدام أسماء شركات وهمية تعمل في أوروبا".

وحسب نزال، وهنا عنصر جديد لم يتم ذكره من قبل السلطات التونسية، فقد "وصل المنفذان بجوازات سفر بوسنية عبر المطار بتونس، وجلس المنفذان في مقهى قريب من منزل الشهيد. استأجر المنفذان سيارتين بلوحات عادية، وهناك مجموعة ثانية رصدت المطاعم والفنادق الفاخرة، واستأجرا ايضا شقتين بالعاصمة التونسية وبصفاقس؛ للمنفذين. وخُصصت ثلاث مجموعات ميدانية في مكان عملية الاغتيال".

يشير نزال إلى أن الموساد قام بـ"مراقبة دقيقة للشهيد الزواري قبل أربعة شهور من اغتياله. وأطلق المنفذان النار على الشهيد الزواري من مسدس كاتم صوت، وأصابت فكه العلوي ورقبته وقلبه وكتفه الأيسر بثماني طلقات"، ليضيف أيضا أن "بحارين أوروبيين وصلا لميناء صفاقس لنقل منفذي عملية الاغتيال".

 

 

ما نتوقعه أن تبادر السلطات التونسية بإعلان نتائج التحقيقات بوضوح للرأي العام، بعد مرور سنة، والقيام بما هو بديهي أي توجيه أصابع الاتهام بوضوح إلى الطرف الإسرائيلي

الخلاصة أن ثلاث مجموعات شاركت في عملية الاغتيال، موزعة بين الدعم والتنفيذ والانسحاب. وشدد نزال على الاستعانة "بخبراء في القانون الدولي، وسنعرض عليهم كافة المعلومات حول الاغتيال".

الحقيقة ما يجب أن نتوقعه أن تبادر السلطات التونسية بإعلان نتائج التحقيقات بوضوح للرأي العام، بعد مرور سنة، والقيام بما هو بديهي أي توجيه أصابع الاتهام بوضوح إلى الطرف الإسرائيلي. ففي إطار سيادتها تمت عملية الاغتيال ضد مواطن تونسي، وهي المعنية بتعقب الجناة دوليا قبل غيرها. وهذا قرار سياسي، فليس لدينا شك بأن الأمن التونسي قادر على فك شيفرة العملية، لكن نشر نتائج التحقيقات والاتهام تعود للسلطات التونسية التي تمتنع بوضوح عن القيام بذلك.