قضايا وآراء

قراءة في انتخابات النادي الأهلي

1300x600

بداية، وعندما نقول النادي الأهلي نقصد المصري طبعاً، أو الأهلي سيد الاسم، أو مثلما يقول إخواننا في السودان "نادي القرن"؛ الذي سميت أندية عربية عديدة على اسمه عندما كانت مصر مدنية ديموقراطية منفتحة على نفسها وعلى محيطها.. عندما كانت المحروسة تمثل حلما لكل سكان المنطقة العربية الإسلامية، وعندما كان بإمكان المحامي المغربي نصير الفلاحين، عمر لطفي، أن يؤسس النادي الأهلي بمصر، وأن يؤسس الشوام جورجي زيدان دارَ الهلال، وسليمُ تقلا الأهرامَ، ويساهم أبو سليم القباني بنهضة المسرح، والأخوان لاما الفلسطينيان بنهضة السينما، ويتحول بيرم التونسي إلى أيقونة شعرية مصرية وعربية، ويبدع المطرب والملحن العربي فريد الأطرش أوبيرت؛ بساط الريح، متغنياً ومتغزلاً بالمدن والحواضر العربية، قبل أن تنغلق مصر على نفسها بفعل أنظمة الاستبداد العسكرية المتعاقبة؛ حتى على مستضعفي فلسطين في غزة وترحلهم بشكل مهين من معبر رفح إلى مطار القاهرة، بينما حولت أنظمة الاستبداد العربية التي قلّدت نظام الاستبداد الأصل في القاهرة؛ بساط الريح إلى أداة للتعذيب.

عبر تاريخه كان الأهلي أكثر من نادي لكرة القدم. فالنادي الذي تأسس كساحة لشباب الحركة الوطنية للتلاقي والتشاور وممارسة الألعاب الرياضية، كما للرد على الأندية الأجنبية أو المختلطة، كان حاضراً عبر مؤسسيه وأعضائه في ثورة 1919 التي أثمرت دستور 23 الشهير، وظل طوال تاريخه ممثلاً لروح الثورة المدنية الديموقراطية، ومستعصياً على حكم أو نفوذ أنظمة العسكر على امتداد تاريخها.. وهي (الأنظمة) حرصت دوماً على إضعاف أو تحجيم النادي المناقض لها شكلاً ومضموناً، دون أن تجرؤ حتى على امتلاكه أو السيطرة عليه، كما فعلت مع منافسيه من الأندية الأخرى.

 

النادي العريق يتجه الأسبوع القادم إلى انتخابات قد تكون مهمة مفصلية في تاريخه


 

النادي العريق يتجه الأسبوع القادم إلى انتخابات قد تكون مهمة مفصلية في تاريخه؛ يتنافس فيها ثلة من أبنائه الحقيقيين الرياضيين، بقيادة الأسطورة محمود الخطيب، في مواجهة مجموعة من أبنائه بالتبني غير الرياضيين الذين عانى النادي الأمرّين في وجودهم، عبر التخلي عن مبادئه التاريخية والعريقة، إضافة إلى فقدانه للقب الأكثر تتويجاً في العالم، وعجزه عن تحقيق البطولة الأهم في القارة السمراء، والتي فاز فيها النادي، عندما كان ملك أبنائه المخلصين، ثماني مرات، حتى في ظل توقف نشاط الكرة المصرية بعد مذبحة أو جريمة بورسعيد التي ما زال مخططوها ومنفذوها الحقيقيون طلقاء حتى اليوم.

وصل مجلس محمود طاهر الحالي إلى قيادة النادي العريق في ظل أجواء السعار التي اجتاحت البلد بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013، وهو كان نتاجا لتحالف عدة جهات لها علاقة بالانقلاب. فقد دعمه أحمد محجوب عبد الدايم أبو هشيمة، أحد أذرع الدولة العميقة في أبشع صورها ودعمها، كذلك نجيب سايروس عندما كان أحد أركان السلطة الانقلابية، وربما بغرض أو طمع حلم السيطرة على النادي العريق ودرة التاج في الرياضة المصرية والعربية، علماً أن رجله أو ذراعه السياسي الأيمن أحمد سعيد؛ كان نائبأ لمحمود طاهر في الانتخابات الأخيرة.

ورغم ذلك، فإن أحد أهم أسباب فوز محمود طاهر كان دعم ثلة أو مجموعة من أبناء الأهلي المخلصين والأصليين له، مثل وزير الرياضة السابق محمد العامري فاروق، وخالد مرتجى، وخالد الدرندلي، إضافة طبعاً إلى الصورة أو الانطباع الذي تم خلقه أو إشاعته لسنوات؛ عن اعتبار محمود طاهر أحد تلاميذ الراحل الخالد صالح سلي، وينتمي بالتالى إلى نفس المدرسة العريقة، رغم أن الممثل الرياضي الشرعي والوحيد لآل سليم، المرحوم طارق سليم، وقف ضد طاهر ولائحته في الانتخابات.

مع قانون الثماني سنوات الذي وضعه أو أخطأ فيه أولاً؛ العامري فاروق، ثم الموتور طاهر أبو زيد، بحجة إشاعة مزيد من الشفافية والنزاهة، وتداول السلطة في الساحة الرياضية، والذي حرم حسن حمدي والخطيب من الترشح في الانتخابات، فاز محمود طاهر بسهولة في الانتخابات، علماً أن كل العوامل السابقة ما كانت قادرة على وصوله هذا المنصب لو واجه أحدهما. وكان جوهر ما فعله طاهر أبو زيد، وحتى العامري، هو الهرب من مواجهة الأسطورتين حمدي والخطيب في انتخابات نزيهة حرة ومفتوحة.

بعد أربع سنوات تقريباً في قيادة الأهلي، قبل فيها طاهر وبعض رفاقه عار التعيين، وارتكب من الموبقات والخطايا بما لم يحدث في تاريخ النادي العريق. فدمر قطاع الناشئين بالنادي، مع تغييرات مزاجية وغير علمية أو محترفة أبعدت كل أبناء المخلصين من العمل داخل النادي. كما حصل مع علاء عبد الصادق ووائل جمعة، وعبد العزيز عبد الشافي، وعدلي القيعى، والمنيسي، لفترة طويلة، ثم غيّر طاهر الجهاز التدريبي ثماني مرات خلال ثلاث سنوات، وهو ما لم يحدث أيضاً طوال تاريخ النادي، أقله في النصف قرن الأخير.. واستقدم 38 لاعباً في أربع مواسم اتتقالات؛ كلفت الخزينة 600 مليون جنيه، معظمها كانت صفقات فاشلة لم تعمر، وعجزت عن الاحتفاظ بلقب النادي الأكثر تتويجاً بالعالم، أو الفوز بالبطولة الإفريقية الأغلى والأشهر.

بعد أربع سنوات، ما زال الهيكل الأساسي لفريق كرة القدم هو نفسه؛ من صنع مجلس الأسطورتين حسن حمدي والخطيب، والتغيير لم يتجاوز الثلث، رغم أن العكس هو ما كان يجب أن يحصل. والأسوا والأبشع؛ أن ملف كرة القدم يدار من خارج النادي وبإدارة موازية، كما قال الأسطورة عبد العزيز الشافي زيزو، فهي إدارة لا تضم أيا من أبناء الأهلي الأصليين أو خبراء كرة القدم، بل ضم مجموعة من غير الأهلوية وداعمي النادي المنافس.

أمر مماثل أحدثه طاهر في الإعلام. ومع انتماء التيار الرئيسي للنادي، أي لأبنائه وأساطيره، اضطر طاهر، بمشورة خبيثة من شخصيات إعلامية موتورة، إلى تعويم مجهولين وتحويلهم إلى ناطقين باسم النادي. ثم كانت الطامة الكبرى مع الاستيلاء بالبلطجة على قناة النادي وتسليمها لبريزنتيشن اللقيطة، والمغامرة بنزاع قضائي كلّف النادي من سمعته وهيبته، إضافة إلى غرامة مالية باهظة وصلت إلى 134 مليون جنيه.

الآن وبعد لعبة الثماني سنوات الرخيصة والموتورة، تعود المنافسة إلى صورتها الحقيقية بين الأسطورة الخطيب ورفاقه من أبناء النادي الأصليين؛ ممن استعادوا وعيهم أو اعترفوا بخطأ دعم طاهر في الانتخابات السابقة، مع تنوع في القائمة، لتضم خبراء رياضيين وإداريين، مقابل قائمة الطاهر التي تبدو رسمية جداً مع قرب بعضهم من السلطة البغيضة الحاكمة، وافتقادهم إلى خبرات رياضية حقيقية. وتبدو القائمة مناسبة لأندية مثل الجزيرة أو الصيد أو هليوبوليس، وليس لناد أسس ليكون للألعاب الرياضية، ومعبرا عن الطبقة الوسطى بكافة أطيافها.

 

ستكون انتخابات شريفة ديموقراطية تنافسية حرة مفتوحة مع حد أدنى من التلاعب والتزوير، وستتم إن شاء الله استعادة النادي لأبنائه الأصليين

 



كما هي العادة، يبقى الأهلي الاستثناء في مصر والعالم العربي أيضاً، وستكون انتخابات شريفة ديموقراطية تنافسية حرة مفتوحة مع حد أدنى من التلاعب والتزوير، وستتم إن شاء الله استعادة النادي لأبنائه الأصليين؛ ممن وصلوا إلى قيادته في غفلة من الزمن، وسيبقى محمود طاهر في مكانه الطبيعي، أي جملة اعتراضية قصيرة في تاريخ النادي العريق والممتد، ما سيكون إن شاء الله مقدمة، أو فأل حسن، لاستعادة أبناء البلد للبلد كله؛ من مغتصبي السلطة ومنتحلي الصفة..