صحافة دولية

ستريت جورنال: لهذا لا توجد معارضة سياسية في السعودية

ستريت جورنال: في السعودية حرية اجتماعية مقابل التنازل عن المعارضة السياسية- أ ف ب

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالا للصحافي ياروسلاف تروفيموف، يقول فيه إن ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، في محاولته لفرض نفسه على الساحة، فإنه يفرض مقايضة تبدو جذابة للشباب السعودي. 

 

ويقول الكاتب: "ما يعرضه الأمير في جوهره هو أنه يوسع الحريات الاجتماعية، مقابل إغلاق الحريات السياسية القليلة، التي كانت موجودة في المملكة السعودية".

 

ويعلق تروفيموف قائلا إن "هذه سياسة نجحت في ملكيات الخليج الأخرى، وبالذات في الإمارات العربية المتحدة، حيث لا يسمح بأدنى معارضة سياسية، لكن القواعد الاجتماعية والدينية فيها استرخاء نسبي، وتتمع النساء بحقوق عديدة تحرم منها في السعودية، وتوفر وسائل الترفيه والتسوق على نطاق واسع تبقي صانعي المشكلات المحتملين مشغولين".  

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "السعودية تعد أحد أكثر مجتمعات العالم محافظة، حيث تفرض بصرامة تفسيرا ضيقا لتعاليم الديانة الإسلامية، لكن المملكة سمحت بدرجة من الانفتاح السياسي، وحتى هذا العام شعر المعارضون الليبراليون والمحافظون بحرية نسبية في الحديث للمراسلين الأجانب، منتقدين في بعض الأحيان سياسات حكومية مهمة، وكان رجال الدين الكبار ينشرون آراءهم مستعينين بالإعلام الاجتماعي، وكذلك فعل كبار الأمراء من آل سعود، ولم يكن أي من هذا مسموحا به في الإمارات أو قطر أو عمان".

 

ويفيد تروفيموف بأن "تلك الحقبة انتهت الآن بتحركات الأمير محمد لتعزيز سلطته قبل أن يتسلم الحكم من أبيه الملك سلمان، وقام الأمير محمد بسجن العديد من المعارضين الليبراليين والمحافظين وعدد من رجال الدين والأمراء في حملة اعتقالات شنها في أيلول/ سبتمبر، وذلك بعد أن تخلص من ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف في حزيران/ يونيو".

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "تبعت ذلك حملة التطهير غير المسبوقة في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث تم اعتقال العديد من كبار الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال في وقت واحد، كجزء من التحقيق في الفساد، وكون هذه الحملة وصلت إلى مئات رجال النخبة في المملكة، لا يجرؤ أحد هذه الأيام على انتقاد النظام ولا حتى خلف الأبواب المغلقة".

 

وينقل تروفيموف عن الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد، الأستاذة الزائرة في مدرسة لندن الاقتصادية، قولها: "خلقت هذه الاعتقالات جوا من الخوف حتى تمنع الناس من مناقشة ما يدور في البلد".

 

ويورد الكاتب نقلا عن مؤيدي الأمير محمد، قولهم إن "هناك حاجة لهذه السياسة القوية لتحطيم سلطة المتدينين المحافظين، ولتحويل المملكة في وقت لا يستطيع فيه اقتصادها مماشاة تنامي المجتمع الشاب".

 

وتنقل الصحيفة عن المدير التنفيذي لمعهد الجزيرة العربية (أريبيا فاونديشن)، وهو مركز فكري على علاقة وثيقة بالسعودية، علي شهابي، قوله: "إنه يقوم بفرض تغييرات بنيوية يجب أن تتم بسرعة، وليس هناك وقت للتوصل إلى إجماع.. إنه ثمن قليل يجب دفعه للقيام بعملية جراحية عميقة كان يجب أن تتم قبل 20 أو 30 عاما، إنه يحمل التصور الصحيح لما يجب أن تصبحه السعودية، ولذلك تحتاج إلى ديكتاتورية خيرية لفعل ذلك". 

 

ويبين تروفيموف أن أكثر التغييرات البنيوية التي دفع الأمير محمد نحوها وضوحا هي السماح للمرأة بقيادة السيارة، وتم كبح سلطات الشرطة الدينية (المطوعين)، بالإضافة إلى أن الفصل بين الجنسين لم يعد مفروضا بالصرامة ذاتها، كما كان في السابق، وتقوم الحكومة بتشجيع حفلات وعروض لم تكن ممكنة في السنوات الماضية".

 

وينوه الكاتب إلى أن هناك لجنة جديدة اسمها الهيئة العامة للترفيه؛ لضمان حصول الأشخاص كلهم على نصيبهم من الترفيه.

 

ويفيد تروفيموف بأن "ذلك كله له شعبية بين الشباب السعوديين، الذين يشكلون النسبة الأكبر في المجتمع السعودي، وقليل من الشباب السعودي يألم -وكثير يحيي- آلام النخبة القديمة، فبالنسبة لهم تعد الحريات الاجتماعية الجديدة التي حصلوا عليها أهم من المساحات السياسية المتقلصة".

 

وتورد الصحيفة نقلا عن صالح المبدل، الذي يعزف القيثارة في فرقة مؤلفة من شخصين، والذي أقام حوالي 10 حفلات عامة هذا العام، قوله: "من الأسهل الآن الوصول إلى خشبة المسرح والناس أكثر انفتاحا.. سابقا، كنا نعزف فقط للرجال، والآن نعزف للرجال والنساء معا".

 

ويوضح الكاتب أن الإصلاحات لم تقابل -إلى الآن على الأقل- ردة عنيفة من المحافظين المتدينين الذين كان يحتج آل سعود بنفوذهم بصفته سببا لإبقاء الأمور كما هي، حيث يقول فيصل السديري، نائب مدير حديقة ديراب على أطراف الرياض، حيث تتضمن طريقا لسباق السيارات ومكانا للحفلات: "سيكون هناك أناس يشتكون دائما، ولكن ليس بالعدد الذي توقعناه"، ويضيف: "قبل ثلاث أو أربع سنوات ظننا أننا سنرى بعض المقاومة لكن ذلك لم يحصل.. فالمجتمع ليس محافظا بالدرجة التي ظنناها".

 

ويقول تروفيموف إنه "في إحدى الليالي كانت الحديقة مكتظة بالشباب السعودي يستعرضون بسطات الطعام والأدوات الرخيصة، وكانت النساء تسير حاسرات الرأس، في الوقت الذي كانت فيه موسيقى التكنو الغربية تدوي من خيمة تبيع عقود الهواتف المحمولة". 

 

وينقل الكاتب عن عمر حسين (31 عاما) وهو نجم "يوتيوب" الذي أصبح يمثل في برنامج تلفزيوني سعودي، قوله: "ما يحصل الآن هو تغيرات ملموسة جدا، تغيرات تؤثر على حياتك اليومية.. لكن جيل الشباب ليس بذلك الصبر، ولدى الناس الكثير من التوقعات العالية".

 

ويذكر تروفيموف أن "حسين كان واحدا من مئات الشباب الذين حضروا منتدى مسك الأسبوع الماضي، وهو مؤتمر براق دعمه الأمير محمد، واستضاف بيل غيتس على مأدبة عشاء الافتتاح، واختلط فيه الضيوف الغربيون بالشباب السعوديين في ورشات عمل ذات تقنية عالية، بينما كانت تعرض مصطلحات اقتصادية مستقبلية على شاشات المؤتمر المنعقد في فندق (فور سيزونز) في الرياض". 

 

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن "الملياردير الأمير الوليد بن طلال، المالك الرئيسي للفندق، لم يكن حاضرا، حيث أنه موجود في فندق ريتز كارلتون في الطرف الآخر من المدينة، بصفته ضيفا غير طوعي".