مقالات مختارة

تاريخ خطاب ترامب المناهض للمسلمين يهبط إلى قعر جديد

1300x600

قام الرئيس دونالد ترامب صباح الأربعاء بإعادة تغريد سلسلة من مقاطع الفيديو الدعائية ضد المسلمين والتي كانت قد رفعتها على شبكة الإنترنت مسؤولة كبيرة في مجموعة سياسية قومية متطرفة تدعى "بريطانيا أولاً".


اسم هذه المرأة جايدا فرانسين، نائبة رئيس مجموعة "بريطانيا أولاً"، وكانت نشرت المقاطع بهدف تأجيج الغضب والكراهية ضد المسلمين في بريطانيا والمسلمين المهاجرين خارجها. لم تستطع السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض سارة ساندرز تأكيد ما إذا كانت محتويات هذه المقاطع شرعية أم لا.


وقالت ساندرز: "سواء كانت مقاطع الفيديو حقيقية أم لا، لا ريب أن التهديد حقيقي. وهذا هو ما أراد الرئيس قوله، وهذا هو ما يركز عليه الرئيس، أي التعامل مع تلك التهديدات الحقيقية، وهي فعلاً حقيقية بغض النظر عن كيفية رؤيتك للأمر".


أن يلجأ ترامب إلى الترويج لرسالة الكراهية الصادرة عن منظمة "بريطانيا أولاً" ليس مفاجئاً ولا ينبغي أن يكون فعله مفاجئاً لأي شخص شدت انتباهه تعليقاته السابقة. ولكنه مع ذلك فهو فعل صادم فعلاً بل إنه ينبغي أن يكون كذلك باعتبار المنصب الرفيع الذي يشغله، وبالنظر إلى حقارة التغريدات التي أعاد نشرها، وما تنطوي عليه من عواقب تحريضية.

المصدر الذي اعتمد عليه ترامب، أي جايدا فرانسين، كثيرا ما كانت تنتهك القانون البريطاني. فقد أدينت في نوفمبر من عام 2016 بارتكاب أعمال مزعجة جداً بدوافع دينية بعد أن أساءت لفظياً إلى امرأة ترتدي الحجاب أثناء ما يسمى "دورية مسيحية" قبل صدور الحكم بشهور.


إثارة الخوف، أو الكراهية، من المهاجرين واللاجئين المسلمين، والذين هرب كثيرون منهم من بطش تنظيم الدولة الإسلامية ومن الحرب الأهلية في سوريا، شيء تكرر كثيراً في خطابات ترامب وفي أحاديثه السياسية. ففي شهر نوفمبر من عام 2015، عندما كان المرشح الأول للحزب الجمهوري، شبه ترامب تدفق المهاجرين بحصان طروادة.


وفي مقابلة مع موقع أخبار ياهو نشرت تقريباً في نفس تلك الفترة، مضى ترامب يقول: "تنظر إلى المهاجرين فتراهم شباباً ورجالاً أقوياء. لا نستطيع المجازفة فما يدرينا، لعل هؤلاء الناس الذين يأتون عناصر في تنظيم الدولة الإسلامية".

 

وتعرض حينها ترامب للانتقاد، فالولايات المتحدة كان لديها، ولا يزال، نظام تدقيق صارم وإجراءات مشددة بالنسبة للاجئين الأجانب، ولا يوجد دليل على أن سيلاً من "الشباب والرجال الأقوياء" قد وجد طريقه إليها وتسرب إلى داخل البلاد. ومع ذلك، استمر في إطلاق مزاعمه لا تردعه لا الحقائق ولا المخاوف من أن تشعل تصريحاته فتيل فعل مضاد.


بعد مرور أقل من أسبوعين على ذلك، ألقى ترامب ما يمكن أن يعتبر أسوأ خطاب له في عداوة المسلمين، وما إن أصبح المرشح المتقدم على غيره من مرشحي الحزب الجمهوري في استطلاعات الرأي الأولية، حتى أصدر بياناً صحفياً في السابع من ديسمبر 2015، ثم عاد وقرأ مقتطفات منه في اجتماع جماهيري حاشد في ساوث كارولاينا قائلاً: "دونالد جيه ترامب يدعو إلى فرض حظر كامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك إلى أن يتمكن ممثلو بلادنا من معرفة ما الذي، بحق الجحيم، يجري".


وكما تم تدوينه على الورق، كان ترامب اقتبس عندما اقترح فرض الحظر بيانات استطلاع رأي مريب صادر عن مركز السياسة الأمنية، وهو مركز بحث وتفكير هامشي أسسه شخص اسمه فرانك جافني جونيار، وهو مسؤول سابق في إدارة الرئيس ريغان ومسكون بنظرية المؤامرة ومعاداة الإسلام.


ثم ما لبث ترامب أن نقل هذه المزاعم معه إلى البيت الأبيض، فكان من أوائل القوانين التي وقع عليها أمر تنفيذي بفرض حظر سفر يستهدف البلدان ذات الأغلبية السكانية المسلمة، واشتمل ذلك على وقف فوري وحتى إشعار آخر لتدفق اللاجئين من سوريا (أما البلدان الأخرى فقد أخضع مواطنوها إلى تأخير مفاجئ لكنه مؤقت). فيما بعد أدخلت تعديلات على قرار الحظر لكي يتناسب مع ما طالبت به المحاكم من تغييرات، وبات الآن يشتمل على بلدين أغلبية سكانهما من غير المسلمين. ولكن لا تزال الإجراءات القانونية مستمرة.


إذن كانت المزاعم ضد لاجئي سوريا عامة ولا أساس لها من الصحة، فإن ما زعمه ترامب خلال مهرجان خطابي في ألاباما في نوفمبر من عام 2015 كان محدداً وكان، بكل المقاييس، باطلاً تماماً. فأثناء حديثه مع أنصاره في بيرمنغهام، وصف ترامب تجربته حينما رأى مركز التجارة العالمي يتهاوى على النحو التالي: "وشاهدت في مدينة جيرسي في نيوجيرسي الآلاف المؤلفة من البشر وهم يهللون ويصفقون بينما كانت البناية تتهاوى. آلاف الناس كانوا يهللون ويصفقون".

ولما ضغط عليه مذيع برنامج "هذا الأسبوع" في قناة إيه بي سي الإخبارية في اليوم التالي حتى يثبت بالدليل ما زعمه، قال ترامب إن المشاهد التي وصفها كانت "في التلفزيون وقد شاهدتها".


وأضاف: "كان يوجد أناس هناك في نيوجيرسي، كانوا يشاهدونها، تجمع عربي كثيف، كانوا يشاهدون البنايات وهي تتهاوى".


لم يقدم ترامب دليلاً واحداً يدعم به مزاعمه، والتي ناقضتها شهادات قائمة طويلة من المسؤولين السياسيين من كلا الحزبين داخل نيوجيرسي. وعندما أشار ترامب في تغريدة له عبر حسابه على تويتر إلى تقرير لأحد الصحفيين حول أحداث سبتمبر 2001 معتبراً ذلك التقرير دليلاً على ما ذهب إليه، رد عليه الصحفي بأن ما ورد في تقريره تم تحريفه لكي يتناسب مع سرد باطل لما جرى. وهنا رد المرشح الرئاسي على الصحفي من خلال السخرية من إعاقته البدنية أمام حشد كبير من الناس في واحد من المهرجانات الانتخابية.


في الشهور التي سبقت بدء الاقتراع، أطلق ترامب سلسلة من المزاعم المزعجة حول المسلمين في أمريكا، فبعد الهجمات الإرهابية في باريس، قال ترامب في مقابلة مع محطة "إم إس إن بي سي" إن جزءاً من رده على مثل ذلك الحدث (لو وقع في أمريكا) كان "التفكير الجدي" في إغلاق المساجد في الولايات المتحدة.


وقال أثناء المقابلة: "كنت سأكره أن أضطر لفعله، ولكنه أمر لا مفر من أن تفكر به جدياً. فبعض الكراهية الشديدة تنبع من تلك الأماكن... الكراهية لا تصدق. إنها مغروسة. الكراهية فوق التصور. الكراهية أعظم مما يمكن أن يستوعبه أي إنسان"..


كما أنه استخدم الهجمات التي وقعت في الخارج لينتقد عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو لأنه أوقف برنامجاً كانت تستخدمه الشرطة للتجسس على الجاليات المسلمة.


وفي ذلك قال ترامب: "ينبغي عليك أن تراقب وتدرس أوضاع المساجد، لأن الكثير من الكلام يجري داخل تلك المساجد، كانت لدينا بموجب النظام السابق رقابة مكثفة على المساجد في مدينة نيويورك".


ثم عاد إلى الحديث عن الموضوع ذاته خلال زيارة إلى قاعة البلدية في المدينة في مارس 2016 حيث كرر القول: "ينبغي علينا النظر بكل جدية في هذه المساجد. كثير من الأمور تجري داخل هذه المساجد، وقد ثبت ذلك بالدليل".


والحقيقة أنه لم يثبت شيء من ذلك. ولكن حينما حاول محاور "سي إن إن" الضغط عليه ليثبت ادعاءه، قاطعه ترامب لينتقل إلى الحديث عن ادعاء آخر، وهذه المرة كان المستهدف هو الجالية المسلمة في سان بيرناردينو، في كاليفورنيا، حيث أطلق زوجان إرهابيان النار وقتلا أربعة عشر شخصاً في الثاني من ديسمبر 2015.


قال ترامب مشيراً إلى خطة الزوجين المميتة: "دعني فقط أقول لك شيئاً. كانت لديهما قنابل وجدت على الأرض (داخل شقتهما). كثيرون رأوا ذلك. كثيرون جداً جداً. مسلمون ممن يعيشون معهم في نفس المنطقة. لقد رأوا ذلك البيت، لقد رأوا ذلك".


وتارة أخرى لم يقدم دليلاً مادياً واحداً ليثبت صحة كلماته التحريضية تماماً كما أنه لا يوجد ما يثبت صحة مقاطع الفيديو التي أعاد تغريدها ترامب يوم الأربعاء.


لكن الأهم من ذلك كله هنا هو مسألة القصد. "حقيقي" أم لا، الرسالة الواردة واضحة" وهي رسالة محفوفة بالمخاطر التي يمكن أن تهدد ملايين الأمريكيين.

"سي إن إن" - 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017