سياسة عربية

لماذا استبق وزير الداخلية اللبناني القضاء في تبرئة عيتاني؟

يعدّ زياد عيتاني صديقا مقربا لعائلة الوزير السابق عبد الرحيم مراد - أرشيفية

رسم سياسيون وحقوقيون في لبنان علامات استفهام حول عشرات القضايا التي أدين بها لبنانيون وأجانب بناء على تهم متنوعة، بعضها متعلق بما يوصف بالضلوع في الإرهاب، والآخر بالعمالة مع الكيان الإسرائيلي.


ولعل إعلان وزير الداخلية، نهاد المشنوق، براءة الممثل المسرحي زياد عيتاني من تهم العمالة، وضرورة اعتذار اللبنانيين منه، ولّد ردود فعل متباينة حيث وصف البعض إعلان المشنوق بالمسيس رغم أنه استند إلى تورط ضابطة أمن عام في تلفيق التهم، وبأنه يحمل غايات انتخابية، بينما تساءل آخرون عن مدى الثغرة في الأجهزة الأمنية والقضائية، خصوصا أن التساؤلات تطرح أيضا عن اعترافات بالعمالة أقرّ بها زياد نفسه خلال التحقيقات.


ويعدّ زياد عيتاني صديقا مقربا لعائلة الوزير السابق عبد الرحيم مراد، قبل أن توجه الاتهامات السابقة له بمحاولة رصد تحركات مراد لصالح الموساد الإسرائيلي تمهيدا لمحاولة اغتيال مراد.

 

اقرأ أيضاتوقيف ممثل لبناني بتهمة التخابر مع إسرائيل

الوزير السابق عبد الرحيم مراد أعرب في تصريحات خاصة لـ"عربي21" عن استيائه من الاستغلال السياسي الذي اعترى قضية العيتاني مؤخرا، وقال: "الجميع كان عليه انتظار قرار القضاء، ولكن على ما يبدو بأن الاستغلال السياسي والانتخابي بدا واضحا، ولم يكن جديرا أن تسابق الغايات الخاصة القرار القضائي".


وأكد مراد أن "الثقة كبيرة في القضاء اللبناني لكشف كل الملابسات، ومنع أي مظلومية على أي بريء"، وعن إمكانية عودة العيتاني كصديق مقرب للعائلة بعد التأكيدات ببراءته، قال: "لن استبق القرار القضائي، وعند صدوره لكل حادث حديث، ولا أريد أن استغل هذا الأمر كغيري لأهداف انتخابية".


وعن حقيقة متابعاته للاعترافات السابقة للعيتاني، قال: "العيتاني قدم اعترافات لأمن الدولة ورفعت إلى قاضي التحقيق، وفي هذا المجال لا يمكننا إلا التريث لمعرفة كل الأمور والحيثيات المتعلقة بالقضية من خلال الحكم القضائي".


اعترافات العيتاني
ولفتت الخبيرة القانونية مي الخنسا، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن"التحقيقات بنيت على أساس مهني وسليم، لكن الملابسات المتعلقة باختراق حسابات زياد الخاصة دفعت بالقضية إلى مسار مختلف يتجه نحو تبرئته من التهم الموجهة إليه".


وحول الحديث عن وجود خلل على مستوى القضاء في لبنان، قالت الخنسا: "لا يمكن الذهاب إلى هذا الاتهام على اعتبار أن القضية كانت مبنية على أدلة حسيّة تشير إلى اتصالات قام بها زياد مع جهات إسرائيلية، لكن التطورات الأخيرة أوضحت أن الحساب مخترق، وليس لزياد علاقة به كما يتضح من خلال المعطيات الأخيرة".


وأبدت الخنسا ارتياحها من إمكانية إعلان براءة زياد عيتاني، قائلة: "يهمنا أن يكون أبناء لبنان مخلصين له، خصوصا الشخصيات العامة التي لها وقع وتأثير في المجتمع، وبالتالي فإن إعادة الاعتبار لزياد يعكس ارتياحا في أوساط اللبنانيين لجهة نقاء فنان مسرحي من تهم العمالة للعدو الإسرائيلي".


وعن الاعترافات التي يقال بأن العيتاني أدلى بها خلال التحقيق معه، رجحت الخنسا "تعرض العيتاني لضغوطات مختلفة دفعت به إلى الاعتراف في حال تأكد إدلائه بها"، مضيفة: "لم أطلع على ما يقال إنها اعترافاته، ولكن الأمور ستتضح فور قول القضاء لكلمته، حيث ستتكشف كل الخيوط وتنشر المحاضر المتعلقة بهذه القضية والتي أثارت الرأي العام خلال الأشهر الماضية".

دور الأجهزة
واتهم الوزير السابق والقيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي، غازي العريضي، القيادات التي تروّج لبراءة العيتاني بمحاولة "استغلال هذه القضية على المستوى الانتخابي"، مشيرا في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إلى أن "سوء الإدارة بدا فاضحا في قضية الممثل المسرحي من خلال توجيه الإساءة إلى مواطن لبناني واتهامه بأمور فظيعة لا علاقة له بها، كما أن القضاء تلقى ضربة من خلال السياقات التي يتم تداولها".


وأردف: "هناك تخبط في العمل وتنافس غير سليم، وما سمعناه من احتواء الأزمة على مستوى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لكون الجهازين الأمنيين المعنيين بالقضية يتبعان لهما (شعبة المعلومات وجهاز أمن الدولة)".

 

اقرأ أيضابراءة عيتاني من تهمة التعامل مع إسرائيل.. ضابطة لبنانية لفقتها

وانتقد العريضي ما وصفه بانحدار في مستوى المؤسسات الأمنية، وقال: "لطالما أثنينا على الدور الهام والتكاملي والتنسيق بين أجهزتنا الأمنية في ملاحقة شبكات الإرهاب والعمالة، وهذا يؤكد أن لدينا بنية أمنية قوية، غير أن الحادثة الأخيرة لطّخت هذه الصورة".


وتساءل العريضي عن مآلات الأمور بعد الكشف عن هذه الثغرة الأمنية والقضائية، قائلا: "ترسم علامات استفهام حول حقيقة ومصداقية مئات الأحكام التي أصدرت بحق لبنانيين، حيث لم يعد مستبعدا أن يكونوا قد وقعوا أيضا كضحايا للتلفيق والتزوير وتصفية الحسابات".


واستغرب العريضي التدخلات السياسية في القضية، وقال: "كان حريا أن يفسح المجال للقضاء لقول كلمته وعدم إقحام المواقف السياسية والانتخابية البشعة في قضايا كهذه"، داعيا إلى "كشف كل التفاصيل والمتورطين في قضية تلفيق التهم لزياد عيتاني لوضع الرأي العام اللبناني أمام الصورة الواضحة الكاملة وفق الأنظمة والقوانين المرعية، فلابد من إجراء يقنع اللبنانيين"، خاتما: "فكرة الدولة تغيب عن أذهان معظم من يتعاطون السياسة في لبنان، وهذا أمر مقلق ومرعب بالنسبة للمواطنين".