صحافة دولية

افتتاحية "نيويورك تايمز" التي أثارت غضب دونالد ترامب

نيويورك تايمز: ترامب ساعد عائلته في الحصول على الأموال من خلال التهرب الضريبي- جيتي

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تلقّى من والديه على مدى عقود من الزمن أموالا تزيد قيمتها اليوم على 400 مليون دولار، مشيرة إلى أن قسما من هذا المبلغ جاء من خلال التهرب الضريبي.

وتقول الصحيفة إن ترامب لطالما ادعى بأنه أصبح مليارديرا بجهده، بحسب الأسطورة التي تقول إن دونالد ترامب الشاب استدان من أبيه "فرد"، الذي كان تاجرا ناجحا نوعا ما في تطوير العقارات من ضاحية كوينز في نيويورك، مبلغا متواضعا هو عبارة عن مليون دولار، وأنه من خلال العمل الدؤوب قام بتنمية ذلك القرض حتى أصبح يملك أمبراطورية عالمية بمليارات الدولارات.

 

وتعلق الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، قائلة: "إنها قصة أمريكية كلاسيكية عن الطموح والأصرار، ليست بالضبط قصة مثل قصص هوراتيو ألغر، لكن لها جاذبية وتستدعي الإعجاب".

 

وتستدرك الصحيفة بأن هذه القصة، ككثير مما يقوم ترامب ببيعه للشعب الأمريكي في السنوات الأخيرة، زائفة، فهي تعكس نسخة ملمعة جدا من الحقيقة، بحيث يمكن وصفها بأنها قصة خيالية نسجها معجبون أكثر منها سيرة شخصية، وأيضا وكما أصبحنا نتوقع من ترامب فإن خلق هذه الأسطورة اعتمد على جرعة كبيرة من الأنشطة المشكوك في أخلاقيتها، بل إنها قد تكون مخالفة للقانون".

 

وتشير الافتتاحية إلى أن "تحقيقا معمقا قامت به (نيويورك تايمز) كشف عن أن ترامب رجل عصامي إن لم تحسب المنافع المادية التي حصل عليها من تجارة والده كلها ابتداء من كونه طفلا، (فمع سن 3 سنوات كان يحصل ترامب على دخل سنوي يساوي 200 ألف دولار في العام في حسابات اليوم)، وهذه المنافع لا تتضمن فقط المنافع العادية من كون الشخص من عائلة ثرية ولها علاقات جيدة، بالإضافة إلى العلاقات وإمكانية الاستدانة وشبكة الأمان، وبالنسبة لعائلة ترامب فإنها تضمنت أيضا هدايا نقدية وقروضا بعشرات الملايين، التي لم يكن عليها فوائد، ولم تكن هناك حاجة لسدها، وقام فرد ترامب (والد ترامب) بشراء عدة عقارات سجلها كليا أو جزئيا بأسماء أبنائه، الذين جنوا الأرباح منها".

 

وتقول الصحيفة: "لأن دونالد ترامب كان الطفل المدلل لأبيه، فإن الأخير قام بعدة صفقات خاصة لزيادة ثروة دونالد، ووجدت الصحيفة أنه قبل أن يصل عمر دونالد إلى 30 عاما وصله من أبيه مبلغ 9 ملايين دولار، وعلى المدى الأبعد وصله من أبيه ما قيمته في أيامنا 413 مليون دولار".

 

وتعلق الافتتاحية قائلة: "يبدو أنه على الطريق تم التعامل بحرية شيئا ما فيما يتعلق بقوانين الضرائب، وقد اكتشفت الصحيفة أنه كانت هناك خطط دقيقة لتجنب دفع الضرائب على ممتلكات والدهم، بما في ذلك إعطاء تقدير لقيمة الشركات التي تملكها العائلة أقل بكثير من الحقيقة، وأصبح ذلك ممارسة مستمرة لأبناء فرد ترامب، حيث كان لدونالد دور رئيسي في ذلك، فبحسب خبراء الضرائب فإن تلك الأنشطة تظهر نمطا من الخداع يقوم على تعمد تشويش الشؤون المالية". 

 

وتقول الصحيفة إنها عندما طلبت من محامي الرئيس التعليق على ذلك، فإنه رد في بيان مكتوب أنكر فيه أن تكون هناك أخطاء ارتكبت، وقال إن ترامب لا علاقة له بأي من الصفقات المتعلقة بممتلكات العائلة.

 

وتقول الافتتاحية: "الكل يستطيع فهم الدافع لتلميع الماضي للشخص ليعطي صورة جيدة، لكن بالنسبة لترامب الذي قضى حياته كلها في صناعة العلامات التجارية وتسويق (الجمال البراق)، فإن تلميع الصورة بالنسبة له كان مهما جدا لنجاحه، وسعى لتحقيق ذلك دون خجل".

 

وتلفت الصحيفة إلى أن "القدماء في الإعلام في نيويورك لا يزالون يضحكون عندما يتذكرون كيف كان يتصل بهم ترامب مدعيا أنه الدعائي جون بارون، وأحيانا جون ميلر، ليمتعهم بقصص عن حياة ترامب الشخصية، كم من العارضات يصاحب، وأي الممثلات كانت تسعى خلفه، وأي النجوم يصادق، وبغض النظر عن الغرابة والابتذال في هذا فإنه كان يقصد من ذلك بناء صورة لدونالد ترامب بصفته سيدا للكون تتمناه النساء ويتمنى الرجال أن يكونوا مثله". 

وتبين الافتتاحية أنه "تم صقل هذه الأسطورة وتوسيعها خلال سنوات ترامب في برنامج (ذي أبرينتيس)، حيث كان يؤدي دور رجل الأعمال (بل إله الأعمال) العارف بشؤون التجارة كلها، والذي بإمكانه أن يجبر أو يكسر أولئك الذين تنافسوا للحصول على فضله، وكان أحيانا يتعامل بقسوة وإهانة للمشاركين في البرنامج، لكن دائما في سياق مصلحة المتنافسين لتلقي الدروس النافعة، ومن أفضل في إعطاء تلك الدروس من دونالد ترامب؟ وكما هو الحال مع برامج تلفزيون الواقع كلها، كان ذلك البرنامج كلاما فارغا، لكنه ساعد على ترويج الصورة الذهبية لترامب التي رعاها طيلة عمره، وإن كانت بمساعدة قيمتها عدة ملايين من الدولارات من أبيه".

 

وتجد الصحيفة أنه "بالنظر إلى أموال عائلة ترامب وكيف عملت يبدأ ظهور الجوانب المظلمة والمشكوك في أخلاقيتها من الأسطورة التي حاول ترامب صنعها، ومع ذلك أسئلة كثيرة عن الرجل وإمبراطوريته التجارية، خاصة أن تلك الإمبراطورية ودوره في بنائها مركزيتان لما يدعيه ترامب عن نفسه، ومن حق الشعب الأمريكي أن يعرف الأجوبة على بعض تلك الأسئلة، فابتداء قد يكون الوقت مناسبا لترامب لأن يكشف الآن عن حساباته الضريبية، التي لا يزال يستميت في إبقائها سرا".

 

وتنوه الافتتاحية إلى أن " ترامب عرض في مذكراته (فن الصفقات)، الذي صدر عام 1987، رأيه حول أصول النجاح: (اعزف على وتر الأحلام لدى الناس، وقد لا يفكر الناس في أنفسهم على مستوى كبير، لكنهم ينفعلون عند رؤية شخص يفعل ذلك، ولذلك فإن قليلا من المقارنة المبالغ فيها لا تضر أبدا، فالناس يريدون الاعتقاد ـن شيئا هو الأكبر والأعظم والأكثر إثارة، وأنا اسمي هذا المبالغة الصادقة.. إنها صيغة من صيغ المبالغة البريئة، وطريقة فعالة للترويج)".  

 

وتختم "نيويورك تايمز" اقتتاحيتها بالقول إن "استعداد ترامب للي عنق الحقيقة –والقواعد- لخدمة أسطورته يتجاوز بشكل متزايد المبالغة البريئة، ويميل لكونه خداعا خبيثا مع شيء من الفساد المضاف إلى هذه الوصفة، فلم تعد تبدو قصة النجاح الذهبية اللامعة التي عمل على ترويجها.. بل إنها تبدو مظلمة أكثر من التصور".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا