ملفات وتقارير

انتقادات للسلطة بمتابعة ملف تسريب الأراضي للإسرائيليين بالضفة

القضاء الفلسطيني يواجه إشكالية في التعامل مع قضايا بيع أو تأجير الأراضي في الضفة الغربية- جيتي

أصدرت محكمة بداية قلقيلية، بصفتها محكمة جنايات، الأربعاء الماضي، حكما جنائيا بحق متهمين اثنين بتهمة تسريب أراض للاحتلال الإسرائيلي في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.

ووفق بيان المحكمة، فإن المدانين بالقضية هم (ف.ع.ي) و(ع.خ.م) من قرية كفر ثلث بقلقيلية حكم عليهما بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما، بناء على معلومات توصل إليها جهاز المخابرات العامة في المدينة استمرت لعدة أشهر، تمكنوا من إثبات تورط المتهمين بتسريب أراضٍ لجهات إسرائيلية في مناطق القدس وقلقيلية ونابلس وطولكرم وداخل أراضي 48، وتقدر قيمة ما تم بيعه بنحو 8 ملايين دينار أردني (11 مليون دولار).

ويأتي الكشف عن هذه الحادثة بعد شهر على اعتقال الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية لمواطن فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية؛ لضلوعه في تسريب عقارات لجمعيات استيطانية في البلدة القديمة للقدس، وفقا لما نقلته صحيفة جيروزاليم بوست في الـ18 من الشهر المنصرم.

 

اقرأ أيضا: بعد المستوطنات.. Airbnb تتجه لاستبعاد مساكن الصحراء المغربية

تجريم عمليات البيع

 

يشار إلى أن السلطة الفلسطينية صادقت، في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، على قانون يدين من يثبت تورطه في عملية بيع أو تأجير أراضٍ للإسرائيليين بعقوبة السجون المؤبد مع الأشغال الشاقة.

كما جدد مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين في الـ11 من الشهر الجاري فتواه بتحريم بيع أو تأجير العقارات والأراضي في فلسطين للاحتلال الإسرائيلي، واعتباره خائنا للوطن والدين، وإبطال كل قضايا البيع التي تمت منذ حقبة الانتداب البريطاني في بدايات القرن الماضي.

المحامي توفيق مزهر، من لجنة إعمار الخليل، يصف كيفية تسريب الأراضي والعقارات في الضفة الغربية، وذلك "من خلال استعانة الإسرائيليين بشبكات تزوير لها باع طويل في عمليات الاحتيال، وهم عادة ما يكونون مواطنين فلسطينيين من الضفة الغربية، ومجموعات من اليهود عملوا سابقا في أجهزة الدولة، والتي تقوم بتوفير الأموال للسمسار الفلسطيني لشراء الأراضي التي يفضل أن تكون محاذية للمستوطنات، وتسجيلها باسم شركة أو مؤسسة وهمية تحمل رقما فلسطينيا؛ لتسهيل عملية البيع، وبعد ذلك يتم نقل ملكية الأراضي إلى الطرف الإسرائيلي".

وأضاف مزهر في حديث لـ"عربي21": "يتم التحايل من قبل هؤلاء السماسرة على الأفراد الفلسطينيين بأن عملية الشراء ستكون لصالح إنشاء مشاريع خيرية، كبناء مستشفيات أو مدارس أو بناء مصنع لتشغيل أهالي القرية، ثم تتكشف خيوط الجريمة عبر قدوم قطعان المستوطنين لهذه الأراضي، وبناء التجمعات الاستيطانية حولها".

ثغرات قانونية

وتفتح هذه القضية الباب أمام فتح ملف بيع الأراضي والعقارات للإسرائيليين، في إطار اتهام حقوقيين للسلطة الفلسطينية بالتقصير بمتابعة هذه القضية، والتغاضي عن الكثير من الحالات المشابهة.

وتجدر الإشارة إلى أن محكمة الصلح في جنين كانت قد أصدرت قرارا في كانون الثاني/ يناير 2015 بإبطال ما ورد في اتفاق أوسلو، بعدم جواز محاكمة المواطنين الإسرائيليين من خلال المحاكم الفلسطينية، وجاء القرار استنادا إلى انتهاء سريان العمل باتفاق أوسلو في العام 1999.

إلى ذلك، أشار المستشار القانوني، أمين عام المجلس التشريعي، نافذ المدهون، إلى أن "السلطة الفلسطينية تتعامل مع قضايا بيع الأراضي للإسرائيليين عبر توكيل المحاكم المدنية للبث فيها كمحكمة البدايات والصلح، ولا تحول هذه القضايا للقضاء العسكري، وهو ما يعني أن القرارات التي قد تصدر عن المحاكم المدنية يمكن نقضها والتلاعب في تفاصيلها عبر المحامين، من خلال إخراج المتهم من القضية؛ عبر دفعه للكفالة المالية، أو تأجيل القضية لعدة سنوات، وترك الأمر للمساومات السياسية".

وأضاف المدهون، في حديث لـ"عربي21"، أن "القانون الذي تتعامل به السلطة مع قضايا بيع العقارات للإسرائيليين يعود إلى العام 1979، وقد تم إقراره بشكل رسمي في العام 2014، والانتقادات الموجهة لهذا القانون أنه لا يعطي الصلاحية لجهاز القضاء أو السلطة التنفيذية بملاحقة المتورطين ببيع الأراضي وتسريبها ممن يحملون الهوية الزرقاء (الإسرائيلية)، وهذه ثغرة تستغلها جمعيات الاستيطان من خلال منح سماسرة فلسطينيين هويات مزدوجة لتقوم بنشاطها دون ملاحقة".

وفي سياق آخر، يرى أستاذ القانون الجنائي في جامعة غزة، أحمد حسنية، أن "القضاء الفلسطيني يواجه إشكالية في التعامل مع قضايا بيع أو تأجير الأراضي في الضفة الغربية، وذلك لأن عملية التسريب تتركز في المناطق المصنفة (ج)، والتي تشكل نسبتها 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وهي تخضع لسلطة أمنية ومدنية إسرائيلية، لذلك لا يمكن الجزم بأحقية وجود سيادة حقيقية للسلطة الفلسطينية في هذه المناطق، وهذه مسألة تحتاج إلى مراجعة شاملة فيما يخص صلاحيات هذه المناطق إن كانت تتبع للسلطة أو لإسرائيل".

وأضاف حسنية في حديث لـ"عربي21": "الإشكالية الأخرى تكمن في أن السلطة الفلسطينية لم تصادق على القرار الذي أصدرته محكمة الصلح في جنين بحكم جواز محاكمة المواطنين الإسرائيليين في المحاكم الفلسطينية، وذلك خشية تعرضها لعقوبات إسرائيلية، وبذلك لا تستطيع السلطة محاكمة أو اعتقال مواطنين إسرائيليين ما لم يتم المصادقة على هذا القانون بصورة رسمية".